بيروت | Clouds 28.7 c

اردوغان ينجح في دفع ترامب ضد السعودية؟ / كتب حسن صبرا

 اردوغان ينجح في دفع ترامب ضد السعودية؟ / كتب حسن صبرا

 

ماذا يعني ان تسلط الأضواء على نائب الاستخبارات السعودية الفريق احمد العسيري كمتورط رئيسي في جريمة قتل الكاتب السياسي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول! أين دور رئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان؟ لماذا لم يتم الحديث عن أي دور له؟ وهل يمكن لنائبه العسيري ان يكون هو صاحب القرار ((او التنفيذ)) في جريمة كهذه؟ وهل تجاوز صاحب القرار بتكليف العسيري قتل خاشقجي رئيس الاستخبارات السعودية خالد حميدان؟ وهل هذه اشارة الى ان صاحب القرار في الرياض غير راض عن الحميدان، أم ان هذا الأخير رفض تنفيذ مهمة قذرة كهذه؟ وهل يظل هذا الرجل في موقعه اذا كان رفض تنفيذ أمر كهذا؟ أم انه جرت التضحية بالنائب العسيري حماية لرئيسه خالد الحميدان.. ومن أجل ماذا؟ وممن؟

يقال ان صاحب القرار بالقتل المباشر لجمال خاشقجي هو مستشار ولي العهد سعود القحطاني، وان القحطاني تحدث مع الخاشقجي عبر ((سكايب)) أثناء وجود الأخير في قنصلية بلاده اسطنبول.. عارضاً عليه المجيء بإرادته الى الرياض، لينضم الى مجموعته لدعم توجهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لكن الخاشقجي رد بسخرية، بأن عودته الى المملكة ستجعله زميل سفر الحوالي وصالح الشيحي في السجون وانه سيظل حراً خارج البلاد.. وأنه يكفيكم انكم حاولتم الضغط عليّ بمنع ابني صالح من السفر كي ترغموني على العودة..

النقاش استمر لدقائق بين الخاشقجي والقحطاني انتهى بشتم القحطاني للصحافي، ورد الخاشقجي الشتيمة للمستشار، وان هذا المستشار استمهل مجموعة الامن السعودي في القنصلية بعض الوقت ثم عاد اليه ليطلب منهم جلب هذا الكلب (ويقصد الخاشقجي) بأي طريقة حياً او ميتاً، سليماً او مقطعاً.. طالباً رأسه بأي ثمن.

أين غاب القحطاني عن الحضور لدقائق عبر ((السكايب))؟

مصادر مطلعة قالت لـ ((الشراع)) ان القحطاني حاول ان يتصل بولي العهد السعودي محمد بن سلمان ليبلغه ان مشروعه لاستعادة المعارضين السعوديين من الخارج اصطدمت برفض الخاشقجي العودة، لكن ولي العهد لم يكن على السمع، فترك القحطاني رسالة للأمير بأنه سيستعيد الخاشقجي بأي ثمن وبأي طريقة.. وهنا أيضاً تجاهل القحطاني اللواء خالد الحميدان وكانت الجريمة..

ولي العهد لم يبلغ بالواقعة في ساعتها.. وطبعاً لم يبلغ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والقحطاني أخذ القرار بنفسه على قاعدة استعادة المعارضة. بأي ثمن وبأي طريقة..

وكان ما كان من قتل الخاشقجي الرافض للعودة مع الوفد الأمني السعودي الذي ضم طبيباً متخصصاً بالتشريح وبتقطيع الجثة.. ألا يثير وجود مرجع طبيب تشريح التساؤل عن النوايا المسبقة بالقتل؟

صاحب قرار القتل هو سعود القحطاني.

منفذ عملية جلب الخاشقجي هو أحمد العسيري.

عزل الملك سلمان الاثنين، وأحالهما للمحاكمة مع شخص ثالث من الديوان الملكي اضافة الى الوفد الأمني الذي نفذ جريمة قتل الخاشقجي وضم 15 عضواً.

هذه المعلومات تعرفها الاستخبارات الاميركية وقد أبلغتها الى الرئيس دونالد ترامب، لكن بالقطعة وليس دفعة واحدة ليسهل عليه اتخاذ القرار، لذا تخبط ترامب في تصريحاته حول هذه الجريمة، بين اعلانه وفاة الخاشقجي واعتبار هذا الأمر كافياً من الرياض، ثم حديثه عن انه غير كاف، ثم التهديد بمعاقبة الرياض، ثم دفاعه عن الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بأنهما لم يكونا يعلمان.

اردوغان يلعبها

مصادر مطلعة أكدت لـ ((الشراع)) ان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي هبطت عليه قضية جمال خاشقجي كهدية ليلة القدر، لعب الأمر بدقة وبراعة شديدتين، حيث كان يتواصل مع أهم جريدتين في اميركا وربما العالم وهما ((نيويورك تايمز)) و((الواشنطن بوست)) (حيث كان الخاشقجي صاحب عامود صحفي فيها).

ماذا فعل أردوغان؟

كانت معطيات القضية كلها بين يديه من خلال استخباراته الممسوكة جيداً بين يديه.. وكان يتبلغ المعلومات منها اولاً بأول، وكان اردوغان من جهته يكلف موثوقين لينقلوا المعلومات التي يريد الى محررين في ((النيويورك تايمز)) و((الواشنطن بوست)) بما يعتقد ان الجريدتين ستهتمان بمعلومات تركيا التي وقعت على أرضها جريمة القتل، وخصوصاً ان المصادر التي كانت تنقل المعلومات التركية موثوقة جداً من الجريدتين وكان الخاشقجي نفسه ينقل لجريدته ((الواشنطن بوست)) هذه المعلومات التركية الموثوقة بما يعزز معلوماتها الصحفية التي تنشرها سواء عن تركيا او عن سورية او عن العراق او عن ايران او عن روسيا نفسها وعن غيرها.

كانت ((الواشنطن بوست)) و((نيويورك تايمز)) تنشران معلومات أردوغان فتشعل القضية داخل اميركا نفسها وكانتا تسبقان معلومات الاستخبارات الاميركية C.I.A الى ترامب نفسه، وتجهضان أي محاولة من الرئيس الأميركي للالتفاف على هذه الجريمة وتجاوزها وهو يقول للاميركيين ان اتفاقي مع السعودية (مع ولي العهد تحديداً) وفر للاميركيين مليون وظيفة، وان صفقات الاسلحة معها جلبت للخزينة الاميركية ومصانع الاسلحة 110 مليارات دولار، وان السعودية كانت ستشتري سلاحها من روسيا او الصين او أي دولة من دول اوروبا..

ولم تشفع مبررات ترامب المالية والاقتصادية كي يتجنب ضغوط الرأي العام الاميركي الخاضع لتوجيهات صحيفتي ((النيويورك تايمز)) و((الواشنطن بوست)) وغيرهما بضرورة معاقبة الرياض وولي عهد السعودية الامير محمد بن سلمان.. خصوصاً وان اميركا كلها رئاسة واستخبارات واعلاماً ورأياً عاماً تدرك ان هناك على الطرف الآخر من الأطلسي على طرف اوروبا شرقاً وعلى أبواب الوطن العربي والعالم الاسلامي شمالاً من يمسك بالعصا ويدير فرقة اوركسترا اعلامية (تقودها محطة ((الجزيرة )) بكل اقتدار بدفع المعلومات الخاصة كلها) وسياسية واستخباراتية.. انه رجب طيب اردوغان الذي هدد بالويل والثبور وعظائم الأمور، وبكشف المستور يوم الثلاثاء حيث دعا المجموعة النيابية الخاصة بحزب التنمية والعدالة الذي ينتمي اليه اردوغان لسماع خطابه ((التاريخي)) الذي أمسك به بتلابيب الجميع ليقول ان الحل عنده، وان يحشر السعودية بسؤاليه: أين التركي الذي أخفى جثة الخاشقجي كما قالت تحقيقات المدعي العام السعودي؟ وأين الجثة نفسها؟ ثم طرح ما هو أفظع، ان تسلم السعودية الـ 15 شخصاً سعودياً الذين أتوا الى القنصلية وهم الذين قابلوا الخاشقجي ثم قتلوه.. الى السلطات التركية للتحقيق معهم ومحاكمتهم..

نصب اردوغان نفسه مدعياً عاماً عالمياً وجعل اسطنبول مقراً لمحكمة خاصة بمحاكمة قتلة الخاشقجي كما جعلت الأمم المتحدة ((لاهاي)) مقراً لمحكمة خاصة لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري.

طبعاً.

لم ترض الرياض بهذه المطالب الاردوغانية،  لكنها أرسلت المدعي العام السعودي الى تركيا للتنسيق مع الأجهزة التركية.. وهي تدرك ان الرئيس التركي يقدم هذه المطالب العلنية الصبيانية ليخفي المطالب السياسية الاستراتيجية وهي كما أوردناها في ((الشراع)) سابقاً:

  1. تسليم تركيا نفطاً سعودياً بربع السعر العالمي.
  2. وقف الضغط على الليرة التركية ومحاولة اعادتها الى ما كانت عليه قبل دفعها من سعر ثلاث ليرات للدولار الى ما يشارف السبعة دولارات ونصف الدولار.
  3. حل مشكلة قطر بالحوار بينها وبين الرياض، خصوصاً ان تركيا أرسلت عشرة آلاف عسكري تركي لحماية الدوحة من أي هجوم سعودي – اماراتي عليها.
  4. حل مشكلة الخلاف بين الرياض وجماعة الاخوان المسلمين المصرية (والدولية) والابتعاد عن الربط الاستراتيجي بين الرياض والقاهرة، او الضغط السعودي على مصر لفرض حوار اخواني مع الحكومة المصرية، مع التذكير بأن الملك سلمان كان بادر عندما تسلم مسؤولياته  خادماً للحرمين الشريفين بعد رحيل أخيه الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى الدعوة للحوار بين الحكومة المصرية والاخوان.. ثم أوقف مبادرته بتأثير من نجله الامير محمد الذي نسق في محاربة الاخوان مع ولي عهد ابو ظبي الشيخ محمد بن زايد.. فضلاً عن ان الاميركان لم يشجعوا على هذا الحوار مفضلين استمرار الصراع بين الحكومة المصرية وجماعة الاخوان لاستنـزاف مصر والعرب ولمصلحة اسرائيل نفسها.. كما في كل صراعات العرب.

وكان لافتاً قول مصدر مطلع لـ ((الشراع)) بأن الذي قتل جمال خاشقجي هو المشروع السني الذي كان يحمله، ويضم تركيا كقائدة والمملكة العربية السعودية، ومن يتبعها من دول الخليج العربي وجماعات الاسلام السياسي السني ((الاخوان)).

فهذا المشروع في رأي الخاشقجي يواجه ايران الشيعية، وفي رأي المصدر إياه، فإن هذا المشروع يواجه سياسة الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يتحالف مع بشار الأسد بما يشكل خدمة عظيمة لايران، ويخرج مصر من التأثير العربي والسني، وفق تصريحات الخاشقجي.

كان الخاشقجي في كل تصريحاته يحمل على السيسي ويصف سياسته بأنها ((رديئة)) وانه فشل في سياسته الخارجية والاقتصادية، وانه يشكل عبئاً على المملكة العربية السعودية التي ما زالت تساعده من دون ان تحصل منه الرياض على أي دعم او تأثير لا في حربها في اليمن ولا في حمايتها لباب المندب ولا في مواجهة ايران في سورية حيث يقف ضدها في حماية بشار التابع لايران.

يلتزم الخاشقجي موقف تركيا في سياسة اردوغان تجاه النظام المصري، ويتجاهل في مشروعه السني مصر وهي أكبر دولة عربية – اسلامية، وهي القادرة على الاطلال على افريقيا من جديد بعد غياب اختاره النظام السابق برئاسة حسني مبارك، اثر محاولة اغتياله أثناء مغادرته مطار اديس ابابا لحضور قمة افريقية.

ماذا ستفعل الرياض في هذا المأزق الشديد الذي تعيشه بسبب قتل الخاشقجي؟ لمن ستدير وجهها؟ لأنقرة ام لواشنطن ام للاثنين معاً؟ ولكل منهما شروطه ومطالبه هل تدير ظهرها لمصر، أم تعطي لاسرائيل فرصة الاختراق الأعمق داخل دول الخليج العربي، بعد زيارة بنيامين نتيناهو لمسقط ولقائه السلطان قابوس، وبعد احتفال ابو ظبي بالرياضية الاسرائيلية، مستقبلة وزيرة اسرائيلية ساحت في مسجد في ابو ظبي فضلاً عن حديث وزير خارجية البحرين عن تطبيع العلاقات مع اسرائيل، والوجود الصهيوني في قطر.. ولم يبق خارج التطبيع مع اسرائيل سوى دولة الكويت القابضة على الجمر وسط محيط تتدافع امواجه لاستقبال الاسطول الاسرائيلي.. وليس كله تحت عنوان مواجهة ايران التي تحتفظ بعلاقات ممتازة مع أكثر من نصف دول الخليج العربي.

مقتل جمال خاشقجي فجر كل هذه الاحتمالات والتساؤلات.. ولن تتضح الصورة عملياً إلا بعد الانتخابات التشريعية واختيار حكام الولايات المتحدة الاميركية، عندها سيعرف دونالد ترامب على أي أمر سيستقر تجاه السعودية وولي عهدها الامير محمد بن سلمان.

 

 

 

 

الوسوم