بيروت | Clouds 28.7 c

تلوث البيئة في لبنان والسرطان المرعب / بقلم المهندس محمود الأحمدية

تلوث البيئة في لبنان والسرطان المرعب / بقلم المهندس محمود الأحمدية

على مدى أسبوعين من الزمن رنّ الهاتف في بيتي في مخابرة صباحية: العوض بسلامتكم المربي الفلاني أعطاكم عمره.. المربية الفلانية أعطتكم عمرها.. المربية الفلانية أعطتكم عمرها.. والجملة نفسها للمرة الرابعة.. وكلهم من عائلتنا آل الأحمدية.. وأبناء البلدة الواحدة أو العائلة الواحدة يعرفون بعضهم بشكل جيد ويعرفون سبب الوفاة، وخصوصاً إذا كان المرض الخبيث هو القاسم المشترك بينهم.. ومباشرة ضجّ في بالي آخر إحصائية قامت بها منظمة الصحة العالمية في تقرير نشرته ((فرانس 24)) والذي يعتبر أن لبنان يعدّ الأول في الموت بالسرطان في دول غرب آسيا قياساً لعدد سكانه.. ويعزو خبراء البيئة في المنظمة الدولية ذلك إلى التلوث الذي يطال كافة جوانب حياة اللبنانيين.

وببُعْدٍ عالمي قالت الوكالة الدولية لبحوث السرطان وهي مؤسسة تابعة أيضاً لمنظمة الصحة العالمية أن الهواء الذي نتنفسه ملوث بمواد تسبب السرطان ويجب إدراجه ضمن قائمة المواد المسرطنة، واستشهدت الوكالة الدولية ببيانات تشير إلى حدوث 223 ألف حالة وفاة في العالم عام 2010 نتيجة الإصابة بسرطان الرئة الناجم عن تلوث الهواء.. والمعروف أن تلوث الهواء ناجم في معظمه عن وسائل النقل وتوليد الكهرباء والانبعاثات الصناعية والزراعية وأنظمة التدفئة والطهي التي تسبب بخطر الإصابة بمجموعة كبيرة من الأمراض منها أمراض الجهاز التنفسي والقلب..

وقالت الوكالة الدولية لبحوث السرطان أنها ومن خلال اجتماع خبراء من مختلف دول العالم والذي دام أسبوعاً كاملاً كان هناك إجماع على القول بأنها ستدرج كلاً من تلوث الهواء الخارجي والذرات العالقة فيه ضمن المجموعة الأولى من المواد المسرطنة مما يضعها ضمن أكثر من 100 مادة أخرى مسببة للسرطان في المجموعة الأولى ومنها الأسبستوس، والبلوتونيوم وذرات السيليكا والأشعة فوق البنفسجية والتبغ. ويختلف هذا الخطر من بلد إلى آخر ولكنه بدون أدنى شك أنه أحد المسببات الرئيسية للإصابة بالسرطان..

ويجمع العلماء على أن التلوث لا يقتصر على الهواء بل يتعداه إلى المياه والتربة مما يشكل تهديداً للسببية الثلاثية الذهبية للبيئة: ماء، هواء تربة..

أما في لبنان.. حدّث بلا حرج.. تنقلب الصورة رأساً على عقب ويندرج وضعه بين الدول الواجب وضع خطط طوارئية لمعالجة التلوث فيها لأن الواقع مرعب بكل المقاييس والفوضى على غاربه ونكتفي بسرد واقع بيئي لا يصدقه عقل بشري نتيجة الفوضى والفساد واللامسؤولية وأكتفي بما نشاهده دون الغوص في تقنيات التلوث وأبعادها وتفاصيلها العلمية ويكفي الإشارة أن مناقشة موضوع الذراع العالقة في الهواء ومقاييسها وتفاصيلها ودرجة خطرها يأخذ صفحات فكيف بكل التفاصيل تحتاج إلى كتاب كامل.. يكفي سرد الوقائع التي تميزنا عن العالم المتحضر:

1-                    مكبات عشوائية للنفايات بالمئات في المناطق غير الخاضعة لمطمري ((كوستابرافا)) و((برج حمود)) وأخطر أنواع التلوث بدون أي تردد حرق هذه النفايات وخصوصاً الطبية منها حيث يتركز حوالى 75 نوعاً من الديوكسنات.

2-                    مطمرا ((الكوستابرافا)) و((برج حمود)) نفسهما يجسدان مفارقة خطيرة في وجودهما في محاذاة البحر إذا لم يكن في قلب البحر وتلويثهما للمياه البحرية وهذا كلام موثق وليس للبهرجة ولا يتحمل الموضوع المزح.. والمناقشة مستعدون لها..

3-                    ملف المياه المعبأة حيث يسرح ويمرح تجار المياه عبر 1500 شركة تعيث في الأرض فساداً وتلويثاً يدمر صحة الناس بشكل يومي لأن عدد الشركات المرخص لها 55 شركة وجزء كبير منها ليس بأفضل حال منها والمأساة أن المراقبة مفقودة والمحاسبة مفقودة وعدد ((المليونرجية)) يزيد ويزيد ويزيد وعدد قتلى المياه الملوثة يزيد ويزيد ويزيد.. الفلوس تنفخ الجيوب على مدى الأفق ولا من حسيب ولا من رقيب... وهذا الملف الخطير لا يتجرأ أحد ويطرحه لأن الحيتان موجودون أيضاً وصيادو الكواع موجودون!!

4-                    المبيدات الكيميائية التي تعيث فساداً في الأرض وتربة الأرض والتي قتلت كل الحشرات الإيجابية وانتقلت بعد الحرب العالمية الثانية من مصانع تقتل الإنسان عبر استعمالها في الحرب إلى مصانع تبيع المبيدات وتصدرها إلى كل أنحاء العالم لاستعمالها بالبعد الزراعي وتشغل آلاف المصانع على حساب حياة الإنسان.

5-                    يطول الحديث كثيراً عن مسببات التلوث ولكن الحقيقة تقول وعبر الإحصائيات أن لبنان احتل المركز الأول في مجال السرطان ومن أعلى مركز عالمي منظمة الصحة العالمية..

أختم مقالتي حتى أريح ضميري أربعة مآتم خلال أسبوعين في بلدتي شارون هزت كياني وأطلقها صرخة إلى المسؤولين حذار تضييع الوقت في الحلقة المفرغة للسياسة لأن صحة المواطن وحقوقه أهم بما لا يقاس!

 

المهندس محمود الأحمدية

رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

عضو اللجنة البيئية في نقابة المهندسين

في بيروت

الوسوم