بيروت | Clouds 28.7 c

النضال الضال!بقلم: محمد خليفة

أم على قلوب أقفالها ..؟!

 

النضال الضال!بقلم: محمد خليفة

 

كان لافتا للانتباه مسارعة ((حركة حماس)) وتوأمها ((حركة الجهاد)) لإصدار بيانيهما ضد عملية الأحواز التي إستهدفت القوات الايرانية المحتلة السبت 22 أيلول/سبتمبر.

لم تمض على العملية البطولية سوى ساعة حتى أصدرت ((حماس)) بياناً يزجي ((خالص التعازي والمواساة للقيادة الإيرانية)) وتبعتها ((الجهاد)) ببيان مماثل يقدم ((أحر التعازي والمواساة للجمهورية الاسلامية قيادة وحكومة وشعباً)) .

أكدت الشقيقتان إدانة ((العملية الارعابية)) واعتبارها ((محاولة للعبث بأمن واستقرار الجمهورية الاسلامية بهدف معاقبتها على مواقفها الثابتة الرافضة للكيان الصهيوني، ومجابهة الهيمنة الاميركية على المنطقة)).

تجاهلت الحركتان ((الاسلاميتان)) مأساة الشعب العربي الاحوازي تحت الاحتلال الايراني السابق على احتلال الصهاينة لفلسطين بربع قرن1925 ، وهو احتلال يفوق نظيره الاسرائيلي لفلسطين، وحشية، إذ حرم الاحوازيين من هويتهم العربية، ونهب ثرواتهم ودمر بيئتهم، وحارب عقيدتهم الاسلامية ومنعهم من تعلم لغتهم وارتداء ملابسهم القومية والاحتفال بأعيادهم. لقد تغلبت النزعة الانتهازية والنفعية للحركتين على مبادىء الاخوة الاسلامية ووحدة المصير القومية، وعلى قيم التضامن بين المضطهدين في مواجهة المستعمرين .

وتجاهلت الحركتان العمليات الانتحارية التي قامتا بها ضد العدو الاسرائيلي طوال سنوات وكانتا تسميهانها عمليات استشهادية وترفضان وصفها بالارعابية، وتجاهلتا حق الشعوب الخاضعة للاحتلال في المقاومة بكل الأساليب والوسائل، بما فيها العمليات الانتحارية، مع العلم أن الاستشهاديين الاحوازيين إستهدفوا قوات عسكرية ولم يستهدفوا مدنيين في عمليتهم.. فأين هو الارعاب أيها المفتون والجهاديون؟ أتحرمون على اشقائكم ما تحلون لأنفسكم؟

ليس غريباً ولا مفاجئاً هذا الموقف المخجل لحركتين انسلختا عن جلديهما وتنكرتا لأمتهما العربية، وتضحيات الشعوب العربية في سبيل فلسطين، مقابل ثمن بخس دراهم معدودات تقدمها لهما جمهورية الملالي، جعلهما تخرسان عما اقترفته جيوش ايران في العراق وسورية واليمن ولبنان، وتتحالفان معها ضد العرب لا ضد اميركا واسرائيل، كما يزعم بيان الجهاد وكما يزعم جنرالات ايران وملاليها.

علاقة حماس والجهاد بإيران ليست شيئاً عابراً، بل هي إيغال في الانحطاط، يمثل خيانة حقيقية، فكرية وسياسية، قومية واسلامية، للعرب جميعاً وللعروبة، لا يمكن غفرانها، لأنها تتزامن مع غزو ايراني منظم للوطن العربي احتل أربعة من أقطاره، ولم يعد ينكره، أو يتجاهله عربي واحد، من نواكشوط الى البصرة.

إنها خيانة كريهة لدماء الشعبين العراقي والسوري اللذين قدما لفلسطين مئات ألوف الشهداء. خيانة تعكس انحرافاً اخلاقياً لا نضالياً فقط، عند أصحاب القرار الذين أجّروا غزة، وأجروا بندقيتهم للغزاة الجدد، مقابل تومانات مقتطعة من أرزاق الشعب الايراني الذي بات يهتف في تظاهراته اليومية ضد فلسطين كرهاً بنظامه!

وتكبر المأساة في أن الانحراف الموصوف جزء من انحراف أكبر تفشى بين حركات الاسلام السياسي العربية كافة، إذ تتنافس على الانسلاخ عن هويتها العربية، وتتنكر لما قدمته لها مصر وسورية والعراق والاردن والسعودية والكويت والامارات، ابتغاء معونة من ايران، أو حظوة عند تركيا، وكلتاهما لم تقدما شهيداً واحداً لفلسطين، ولا مليوناً واحداً من الدولارات، بل وقفتا دائماً مع العدو الاسرائيلي حليفتين له، وما زالتا.

وتكتمل المأساة أن مواقف حماس والجهاد تتطابق مع مواقف أشد خيانة وضلالاً لبعض الحركات اليسارية كالجبهات الثلاث، الشعبية والديموقراطية والقيادة العامة، وبعض أجنحة من فتح التي تتلاقى على تأييد الغزو الايراني، أو تسكت عنه بحجج واهية، وتتحالف مع عصابة الأسد في سورية ضد الشعب السوري. ولم يعد خافياً أن جيش التحرير الفلسطيني، وفصائل من تلك المنظمات تقاتل مع جيش الاسد ومرتزقة ايران وتشاركهما في ذبح الشعب السوري وتهجيره وتدمير بلده، في صورة مشابهة لجرائم الصهاينة عام 48 في فلسطين. علماً أن بين ضحايا الغزو الايراني ونظام الأسد نحو نصف مليون فلسطيني، كثير منهم قتلوا أو اعتقلوا أو هجروا ومسح مخيمهم عن وجه الارض تأميناً لعاصمة الاسد!

المفارقة هنا أن الاسلاميين واليساريين الفلسطينيين سالموا العدو وطبعوا علاقاتهم معه، ويبحثون عن تهدئة وهدنة طويلة الأجل لكي يتفرغوا للنضال في خنادق ايران والاسد ضد الشعوب العربية، والمتاجرة بفلسطين لدى كل دولة طامعة للتوسع والتدخل في وطننا العربي مستغلة حالة الضعف والتمزق.

في العام الماضي عندما أسسنا المؤتمر الشعبي العربي بحضور أكثر من مائة حزب ومنظمة عربية جاء وفد كبير من فلسطين يمثل أجنحة ومنظمات يسارية وفتحاوية، وعندما حددنا موقفنا القومي المناهض للغزو الايراني للبلدان العربية رفض الوفد الفلسطيني، وصارحنا: إعذرونا، فنحن لا يمكننا اتخاذ موقف علني معادٍ لايران! وأضاف: هذا موقف رسمي للسلطة الوطنية في رام الله!

اليسار الفلسطيني انتهازي يعيش على الشعارات الايديولوجية الجافة بعد أن تخلى عن النضال الفعلي، وأما حركات الجهاد الاسلاموية الفلسطينية التي تزايد على اليسار بزعمها مواصلة النضال ورفض أوسلو، فقد تخلت عن البنادق وتحولت الى بيادق في لعبة الدول على رقعة الشرق الاوسط، وتصطف في خندق ايران المعادي للعرب. ويلتقي الطرفان في تنكرهما لهويتهما العربية، وبتر جذورهم مع الجماهير والشعوب العربية، والبحث عن حواضن أكثر سخاء في استانبول وطهران.

النضال الفلسطيني ينتهي نهاية بائسة وتراجيدية بعد خمسين عاماً من القتال والنضال في الاطار القومي العربي بذرائع واهية وصلت حد اتهام العرب بخيانة فلسطين وإلقاء مسؤولية النكسات والخطايا التي وقعوا بها في مسيرتهم النضالية على عاتق العرب، وتعميق الكينونة والاستقلالية الفلسطينية التي أسست للانسلاخ القومي. ترى هل يفكر قادة النضال الفلسطيني يميناً ويساراً بالنتائج الخطيرة التي ستترتب على هذا الانحراف الخطير..؟

هل يعتقد هؤلاء ان الشعوب العربية ستغفر لهم وقوفهم مع أنظمة دموية متوحشة كنظام الاسد، أو تسامحهم على اصطفافهم مع الغزاة الفرس..؟؟

أخشى أن يأتي يوم وتنتقل هتافات الشارع الايراني ضدهم الى شوارع بغداد ودمشق وصنعاء !


 

 

الوسوم