بيروت | Clouds 28.7 c

الزنا داءٌ خطير / بقلم الشيخ أسامة السيد

الزنا داءٌ خطير / بقلم الشيخ أسامة السيد

 

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: ((ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشةً وسآء سبيلا)) سورة الإسراء.

شاء الله تعالى أن يحيا البشر على هذه الأرض فيعمروها وينتفعوا بما أودعه الله فيها من نباتٍ وحيوانٍ ومعادن ويتولى بعضهم بعضًا بالحُكم وغير ذلك، وخلق الله الإنسان مركبًا فيه غرائز وحاجات ومتطلبات يسعى المرء عادةً لتحقيقها، وسخَّر الله تعالى لهذا الإنسان أشياء كثيرةً لتكون عونًا له في مواجهة مشقَّات الدنيا وظروف الحياة العصيبة، قال تعالى: ((وسخَّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه إن في ذلك لأياتٍ لقومٍ يتفكرون)) سورة الجاثية.

ولكن لم يُرخِّص ربنا تعالى للإنسان أن يتصرف بما سخَّره له على هواه وكما تشتهي نفسه وتميل إليه غرائزه بلا ضوابط، بل شرَع سبحانه الشريعةَ وبيَّن الأحكامَ وأرسل أنبياءه الكرام لإرشاد الناس إلى ما فيه صلاحهم وفلاحهم ليسلم من اقتدى بهم في الدنيا ويفوز في الآخرة، وقد ميَّز الله عزَّ وجل حياة الإنسان عن حياة البهائم بأن خلق في الإنسان نعمة العقل الذي يميز به بين الخير والشر وبين ما ينفع وما يضر ولم يجعل ذلك في البهائم، ولذلك لم يجعل الله البهائم من أهل التكليف، وكلَّف الإنسانَ بما أوجبه عليه، فيجب عليه أن يلتزم حدود الشرع ليحيا في الدنيا حياةً كريمةً وينجو في الآخرة من عذاب الله.

 

 

 

لا للانحراف

 

وهذا التوجه السليم هو على خلاف الرأي الفاسد الذي يقوله البعض وهو: ((طالما خلق الله هذا الإنسان وجعل فيه هذه الرَغَبات والغرائز والشهوات المختلفة فلماذا لا نُطلق له العَنان ليُحقق هذه الرغبات وخاصة ما يُسمى بالغرائز الجنسية لأننا لو منعناه من تحقيق ذلك لدخَل في حالاتٍ من الاضطرابات النفسية وعلى رأسها الكبت الجنسي)).

ونحن نرد على أصحاب هذه المقولة الفاسدة فنقول: إن القول بإطلاق العنان لشهوات الإنسان لا سيما المسماة بالشهوات الجنسية بالطريقة التي يراها كل واحد يؤدي إلى الفوضى وإلى ضياع الأنساب والنزول بالإنسان للتشبه بعيشة البهائم، وهذا لا يرضاه لبيبٌ ولا يدعو إلى مثله عاقل.

وما الداعي إلى التحريض على ذلك طالما يمكن قضاء الحاجة بطرقٍ سليمة مشروعة أباحها الله تعالى، فقد شَرَع ربنا الزواجَ وجعل لذلك أصولاً وقواعد إذا أحسن الإنسان استخدامها ولم يتعدها تم له تحقيق غايته وإشباع رغبته دون أي شُذوذٍ أو تعدٍ على حقوق الآخرين، قال تعالى: ((والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)) سورة المؤمنون.

فليقف مريد السلامة عند حدِّ الشرع فيسلم في دينه ودنياه، وينال مبتغاه بالطرق الصحيحة بدل أن يلهث وراء الحرام فإنه لا خير في لذةٍ تُفضي إلى سخط رب العالمين، فإن الله لم يُحرّم شيئًا إلا لحكمة ولم يُبحْ شيئًا إلا لحكمة، فطوبى لمن هذَّب نفسه بالتزام ما أمر الله به والكف عمَّا نهى الله عنه فإن النفس الأمارة بالسوء كالدابة إن ركِبها صاحبها حملته وإن ركبته قتلته، ولذلك فإن الحري بالمرء أن يُدافع هواه وشيطانه بتقوى الله فتكون التقوى له حصنًا من سهام إبليس التي إن أصابت فؤاد الشخص أردته في مستنقعات الخزي والوبال، فمن لم يُراع الأحكام الدينية في حياته وسعى لإشباع غرائزه وإطفاء نار شهوته كيفما اتفق هوى في الحضيض وقاده إبليس إلى الوقوع في معصية الزنا هذه الفاحشة الشنيعة، ولربما وقع أيضًا في ارتكاب معصية اللواط أو غيرها من الموبقات مما يُطلق عليه في زماننا الحاضر ((الشذوذ الجنسي))، ومنها الدعوة إلى ما يُسمى ((بالزواج المثلي)) وهو الذي سمحت به بعض الدول وما زالت المطالبة به مستمرة في دولٍ أخرى، وقد سبق وحذَّرنا من خطورة ذلك ونبهنا إلى التصدي لبعض الأصوات المشبوهة التي قد تكون مقدمةً للمطالبة بمثل ذلك في دولنا الإسلامية والعربية في مقالٍ متقدم بعنوان ((لا للشذوذ تحت أي ذريعة)) فلينظره من شاء. ونكرر التحذير من ذلك الآن أيضًا فإن العمل على حفظ المجتمع من الفواحش والرذائل من أهم المهمات وإلا هلك الناس، وربنا تعالى يقول: ((إن الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون)) سورة النور.

 

خطورة الزنا

 

ولا شك أن الزنا هو من أخطر الفواحش وأكبر الموبقات التي تهدد المجتمعات وما أكثر انتشاره وانتشار ما يؤدي إليه في الأرض اليوم، فكم من مجالس ومنتدياتٍ تُكشف فيها العورات أمام من يحرم عليه النظر إليها، وكم من اختلاط بين الرجال والنساء يحصل فيه تضام وتلاصقٌ محرمٌ، وكم من مُناقشاتٍ بين الذكور والإناث تتسم بالخلاعة والكلام الساقط، وكم من سهرَاتٍ تنطوي على المجون والفسق، بل صارت الدعوة إلى الانحلال والتجرد من ثوب الاستقامة جهارًا بلا حياءٍ ولا خجلٍ ولا رادعٍ من خلال بعض وسائل الإعلام ومُقابلاتٍ وبرامج على شاشات التلفزة أو عبرَ وسائل التواصل الأخرى، يُراد منها تقليد الآخرين وبالتالي إفساد الشباب والشابات. وصار كثيرٌ من الناس ينظرون إلى من يلبس ثوب العفة نظرة استهجانٍ تنضوي تحتها اتهاماتٌ له بالتخلف وعدم مواكبة ركب الحضارة. وزيادةً على ما تقدَّم أصبحت شركات الدعارة تغزو البلاد وصارت ممارسة الفاحشة مهنةً يُراد منها المال والشهرة وأضحت نظرة كثيرٍ من الناس لهذا العمل الساقط على أنه فنٌ وتقدُّمٌ لا خطيئةٌ مخزية، فأي بلاء وأي مصيبةٍ تلك التي تواجه بلادنا وأمتنا وأي مرضٍ ذاك الذي تفشَّى بين الناس اليوم!!!

لقد بيَّن الله تعالى في مُحكم التنزيل خطر معصية الزنا وسوء عاقبتها على الإنسان والمجتمع حيث قال في سورة الإسراء: ((ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشةً وسآء سبيلا)). وروى البخاري عن عبد الله بن مسعودٍ قال: ((سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدَك تخافُ أن يطعَم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تُزاني حليلة جارك)) رواه البخاري.

فدلَّ الحديث على أن الشرك أكبر الذنوب، فمن نسب إلى الله الندَّ أي الشبيه والمثيل فقد أشرك بالله وخالف ملة المؤمنين، ويلي ذلك قتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ثم الزنا، ويؤيد معنى ما جاء في الحديث القرآنُ الكريم قال تعالى: ((والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما)) سورة الفُرقان.

وإنما خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم حليلةَ الجار في حديثه لكون الزنا بحليلة الجار أقبح حيث يجمع الزاني بذلك بين الزنا وانتهاك حق الجوار، ولربما وقع الزنا أحيانًا بالمحارم كالعمات والخالات والأخوات وقد حصل مثل هذا من بعض الشاذين في بعض النواحي وهذا غايةٌ في القُبح والشناعة، فتبًا لمن لا يُراعي الحُرمات ولا يجد من نفسه تأنيبًا على هذه الجريمة.

إن التلوث بمعصية الزنا شرٌ مستطير وكبيرةٌ من كبائر الإثم يأباها الشرف والمروءة، بل ويستحي فاعلها من اطِّلاع الناس عليه، وبالأولى أن يستحي من الله تعالى فيبتعد عنها خوفًا وحياءً من رب العالمين فقد روى بَهْزُ بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الله أحق أن يُستَحَى منه من الناس)) رواه البيهقي.

 

الزنا آفةٌ مدمِّرة

 

كم جلب الزنا عارًا ودمارًا وتسبب في الاضطراباتٍ وسفك الدم وإزاء ذلك فإن الحكمة تقتضي التحذير من الوقوع في فاحشة الزنا والعمل على توعية الناس بتنفيرهم من هذه الآفة المهلكة وهذا الوباء المرعب الذي يفتك بالناس بما يجُرُّه عليهم من خصوماتٍ تُفضي إلى اقتتال يؤدي إلى الموت إضافةً إلى ما يتأتى من هذه الفاحشة من أدواءٍ تُفضي إلى الموت أيضًا كالإيدز وغيره من الأمراض التي باتت تُقلقُ الدول والشعوب، وهو مع ذلك ذنبٌ شنيعٌ بشعٌ حرَّمه الله تعالى في كل الشرائع فلم يكن مباحًا البتة في شريعة نبيٍ قط من لدن أولهم أبي البشر آدم وإلى محمدٍ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وكلهم حذّر منه وبيَّن خطورته.

وحيث جعل الله تعالى في الإنسان العقل والغريزة فينبغي أن يُغلِّب جانب العقل على جانب الغريزة فيترقى بالتزام الفضائل أما إن غلَّب المرء الغريزةَ على العقل فلم يُبال باقتراف الذنوب مهما كانت فيهوي في الحضيض حتى يصير دون البهائم.

قال تعالى: ((إن شر الدوآب عند الله الصم البُكم الذين لا يعقلون)) سورة الأنفال، فشبههم بالدوابِّ لجهلهم وتركهم الانتفاع بما يقولون وما يُقال لهم حيث إنهم أحيانًا يقولون خيرًا ولكن يُخالف قولهم فعلهم، فكم من أُناسٍ يتكلمون بمكارم الأخلاق ويَدعون إلى التحلي بالفضائل وترك الرذائل وتراهم في حياتهم اليومية على خلاف ذلك، فلا يتعظون بما يُقال لهم ولا يرتدعون عن الفواحش ولذلك وصفهم بالصُم والبُكم وبأنهم لا يعقلون. وهذا المعنى قاله الرازي في ((التفسير الكبير)).

وخلاصة القول إن الخير في التزام حدود الشرع ورأس الحكمة مخافة الله.

 والحمد لله أولاً وآخراً.        

         

الوسوم