بيروت | Clouds 28.7 c

وقائع عن الإنتخابات الرئاسية الإيرانية / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع  16حزيران 2021

 

بعد أيام قليلة تجري الإنتخابات الرئاسية الثالثة عشرة منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979 وقد تناوب على الرئاسة أشخاص من توجهات فكرية وسياسية مختلفة، حيث كان أول رئيس للجمهورية هو أبو الحسن بني صدر الذي لم يكمل مدته الرئاسية الأولى المحددة بـ 4 سنوات، بل أقيل من منصبه بناء على تصويت مجلس الشورى الإسلامي على عدم كفاءته السياسية وصادق الإمام الخميني الراحل على قرار المجلس..

وقد فرّ بني صدر برفقة مسعود رجوي مرتدياً ثياب امرأة في طائرة يقودها الطيار الخاص لشاه إيران والذي نقله في رحلته الأخيرة إلى المنفى بعد تخليه عن السلطة، ثم تركه وعاد بالطائرة إلى إيران مبدياً التحاقه بثورة الشعب الإيراني، لكنه عاد يقود الطائرة مرة أخرى ويفرّ عليها أول رئيس للجمهورية بعد عزله إلى المنفى أيضاً ولم يعد القبطان هذه المرة وبقي في الخارج.

ثم جاء محمد علي رجائي،

 الذي لم يلبث كثيراً في منصبه بل تمّ اغتياله مع رئيس وزرائه الشيخ باهنر، وخلفه آية الله السيد علي خامنئي لدورتين استمرت حتى وفاة الإمام الخميني عام 1989 فتنحى هو بعد أن اختاره مجلس خبراء القيادة خلفاً للإمام الخميني، فتم انتخاب الشيخ أكبر هاشمي رفسنجاني لدورتين،

ثم جاء السيد محمد خاتمي لدورتين أيضاً،

ثم جاء احمدي نجاد لدورتين كذلك،

ثم كان انتخاب الشيخ حسن روحاني لدورتين وهو على وشك مغادرة الموقع، وتسليم مفاتيح قصر الرئاسة لمن يخلفه بعد الثامن عشر من الشهر الجاري.

إن الذين تناوبوا على تبوّء الرئاسة في الجمهورية الإسلامية في حياة الإمام الخميني الراحل كلهم كانوا من تلامذة الإمام أو السائرين على نهجه أو المقربين منه، وكانوا كلهم على اختلاف وجهات نظرهم مسلّمين لقيادة الإمام الخميني للثورة طوعاً ويتبعون إرشاداته وتعليماته مع قناعة قلبية بأن رأيه هو الأصوب وتعليماته هي الأضمن للمصلحة العامة ، ولم يكن أحد من القائمين على أمور البلاد يسمح لنفسه المزايدة على الإمام في الثورية والفقاهة ورجاحة الرأي، وذلك استناداً إلى تجربته الطويلة وتأسيسه للمسيرة من بدايتها وقيادته للثورة بكل حكمة حتى انتصارها.

لكن بعد أن اجتمع مجلس خبراء القيادة على عجل برئاسة الشيخ هاشمي رفسنجاني بُعيد إعلان وفاة الإمام الخميني رضوان الله عليه وتمّ انتخاب آية الله السيد علي خامنئي بعد مناقشات بين أعضائه، ومحاولات لانتخاب مجلس رئاسي يضمّه والشيخ هاشمي رفسنجاني وآية الله علي اكبر مشكيني، ورغم محاولة من آية الله خامنئي شخصياً لثني الحضور عن انتخابه واختيار غيره لتحمل المسؤولية الخطيرة، لكن إدارة الشيخ هاشمي رفسنجاني للجلسة وبسبب موقعه المميز كونه الأقرب فيهم إلى الإمام الراحل أمكنت من إقناع أكثر أعضاء المجلس بالتصويت ضد المجلس الرئاسي ثم بانتخاب آية الله السيد علي خامنئي رئيس الجمهورية في حينه ليخلف الإمام الراحل في قيادة الجمهورية الإسلامية في إيران.

وقد حصل كل هذا الأمر في جلسة انعقدت أساساً لتلاوة وصية الإمام الخميني الذي كان أودعه لدى الشيخ رفسنجاني رئيس مجلس الشورى الإسلامي يومذاك، لكن بعد تلاوة آية الله خامنئي الوصية في جو خيّم عليه الحزن الشديد والبكاء استلم الشيخ رفسنجاني الدفة وبين خطورة المرحلة ووجوب اختيار القائد قبل دفن جثمان الإمام، وقد نجح في جهوده بعد عناء شديد لأن الدستور كان ينصّ قبل تعديله على أن يكون القائد مرجعاً دينياً أعلى، وكان آية الله العظمى السيد محمد رضا گلبايگاني وآية الله العظمى الشيخ محمد علي أراكي الطاعنان في السن جداً والعاجزان عن القيام بمهام القيادة الثقيلة هما المتصديان للمرجعية الدينية في إيران يومذاك، لكن الشيخ هاشمي كان قد حصل من الإمام الخميني قبيل وفاته على رسالة خاصة تضمنت فتوى شرعية بالإكتفاء بدرجة الإجتهاد  لتبوّء موقع القيادة بسبب الواقع الذي ذكرناه آنفاً،. وهكذا تمّ اختيار آية الله خامنئي قائداً بصورة مؤقتة، ثم أعيد انتخابه بعد تعديل الدستور الذي صوّت عليه الشعب بعد وفاة الإمام والذي تضمن في تعديلاته إلغاء شرط المرجعية العليا.

لقد رضي أغلب العلماء والمسؤولين في الجمهورية الإسلامية وعامة الشعب بقيادة آية الله خامنئي الذي كان الإمام الراحل قد أشار إليه بعد إقالة آية الله العظمى الشيخ حسين علي منتظري أنه يليق به أن يكون خلفاً له بعد وفاته، وأعلن السيد احمد الخميني وجميع المسؤولين القبول بإرشاداته والإنصياع لتعليماته، لكن الذين تلمذوا سنوات وعقوداً عند الإمام الخميني، وساروا خلف قيادته، واعتادوا على منهجه، ودخلوا السجون وذاقوا ألوان التعذيب فيها، وتحملوا آلام المنافي لالتزامهم بفكره، ومن بينهم آية الله خامنئي نفسه، والذين كانوا قد اكتسبوا التجارب القيّمة طوال السنوات العشر بعد قيام الجمهورية الإسلامية كلٌ في المواقع التي كان فيها، هؤلاء قد بدا بينهم مع مرور الوقت بعض التفاوت في الرأي لسلوك أفضل الطرق للإستمرار في خط الإمام الخميني الراحل، لكن الثابتين على خط الإمام الحريصين على تفويت الفرصة على العناصر الدخيلة على الثورة الذين يعملون جاهدين لدق الإسفين بين رفاق المسيرة وإخوان الجهاد والأوفياء لخط الإمام الخميني واجهوا طوال المراحل المختلفة مؤامرات ومكائد انخرط فيها بعض الشباب المخلصين من دون وعي لمخططات الأعداء فاوجدوا الشرخ بين الصفوف، وخلقوا عداوات بين أحباب العقود، وقسموا الناس إلى فئات حسب أهوائهم، لكن آية الله خامنئي يتدخل في كل مرة لتعديل المسار وتأليف القلوب وتفويت الفرصة على المتآمرين، وهذا ما جعل الجمهورية الإسلامية في إيران تتغلب طوال الأعوام الـ 32 الماضية على مختلف المؤامرات الداخلية والخارجية وتتقدم في المجالات المختلفة وفي مقدمها القدرات النووية والعسكرية ما يهدد سلطة الإستكبار العالمي وربيبته الكيان الصهيوني.

إن الحملات الإنتخابية الرئاسية في الفترة الحالية لم تشهد الحماوة التي كانت في الإنتخابات السابقة بسبب عدم تنوع المرشحين الذين أيد صلاحياتهم مجلس صيانة الدستور كما كان يحصل من قبل، وقد أدى حذف بعض الشخصيات المرموقة مثل على لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإسلامي السابق والمستشار الخاص للقائد وأيضاً علي مطهري ابن فيلسوف الثورة الشهيد مرتضى مطهري والنائب في الدورة السابقة بناء على تقارير كاذبة إلى حصول اعتراضات من رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام والذي هو ايضاً عضو في مجلس صيانة الدستور وشخصيات دينية وسياسية كثيرة حتى بلغ الأمر بآية الله خامنئي أن طالب بتصحيح الأخطاء وإعادة النظر في رفض بعض المرشحين، لكن لم يُغير شيء ويقي عدد المرشحين كما هو، وهذا ما خفف من حماس الناس للمشاركة في عملية الإقتراع..

وما زاد في ارتباك الساحة هو تصريح وزير المخابرات الإيراني في عهد احمدي نجاد الشيخ مصلحي بأنه هو من جعل مجلس صيانة الدستور في العام 2013  يقرر عدم صلاحية الشيخ هاشمي رفسنجاني لرئاسة الجمهورية بعدما أكدت كافة التقارير المخابراتية بأنه سيكون الفائز بـ 70% من أصوات المقترعين في حال ترشحه، ما دفع الناطق باسم مجلس صيانة الدستور إلى تكذيب الوزير بعبارات مرتبكة ما خلق أزمة ثقة مع مجلس صيانة الدستور...

حيث ينتظر الجميع خطاب آية الله خامنئي مساء اليوم الأربعاء 16/6/2021 لعله يهدّئ النفوس ويعالج الأزمة وتكون النتيجة إيجاد رغبة في صفوف المواطنين للمشاركة الكثيفة في عملية الإقتراع،

وإن غداً لناظره قريب.

السيد صادق الموسوي

الوسوم