بيروت | Clouds 28.7 c

تصارع الديكة يقضي على لبنان / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 25 أيار 2021

 

إن الذي شاهد مجلس النواب قبل أيام وهو يستمع لرسالة ميشال عون في مهاجمة سعد الحريري بأشد العبارات..

 ثم خطاب الأخير رداً على الرسالة بأقسى التعابير!

 أحسّ بالحزن الشديد والألم العميق، لأن نتيجة هذا العراك في قمة الهرم هو انهيار أكثر لاقتصاد لبنان، ومزيد من تفتت لكيان الدولة، وتفلت شامل للمؤسسات الحكومية، وضياع للوطن، وكأن لا قيمة للشعب عند حضرات الزعماء، ولا منزلة للمواطنين لدى السادة الحكام، ولا قيمة أبداً للبلد عند المتصارعين، وإلاّ فما هذه ( المسخرة ) في الأداء، و ( السوقية ) في الخطاب،  وما معنى هذا الإستهتار بشؤون الناس والإستخفاف بحياة الفقراء، ولماذا يتعامل من بيدهم الأمر مع مصائر المستضعفين بهذا التهاون، ويترك الإهتمام بالمحرومين من يتكلمون باسمهم، ولماذا يسكت الناس المسحوقون من جانبهم  على سحقهم من دون أن يصدر منهم صراخ أو يبدو منهم أي علامات تململ وامتعاض، ولماذا يطيّف المتضررون من الأزمة التي تهدد حياة اللبنانيين من كل طائفة ومذهب معركتهم، فالغلاء الفاحش يُلقي بثقله على عموم المواطنين دون استثناء، وانهيار سعر العملة الوطنية تكتوي بناره أكثرية الطبقة المتوسطة وجميع المواطنين من ذوي الدخل المحدود والذين يقبضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، من دون أي تمييز بين أبناء هذه الطائفة وتلك.

أما الطبقة الحاكمة،

 بكافة أقسامها وتشعباتها وحاشيتها وأزلامها فإنها قد اطلعت قبل عامة الناس على مسار الأمور، وعرفت مسبقاً بحدوث الأزمة التي افتعلها مصاصو دماء المستضعفين، وناهبو مدخرات الكادحين، والمتاجرون بعرق الفقراء، فقامت فوراً بتحويل مدخراتها بالعملة اللبنانية إلى الأجنبية وسارعت إلى سحب ودائعها من المصارف المحلية والإحتفاظ بها في الخزائن المحكمة أو المبادرة إلى إيداعها لدى المصارف الأجنبية، وهؤلاء فقط لا يعنيهم كم يرتفع سعر الدولار أمام العملة الوطنية، ولا يتأثرون بأي حال بارتفاع أسعار الضروريات المعيشية، وباقي طبقات الشعب هم وحدهم من يكتوون بنار أسعار المواد التي تتغير بين الصباح والمساء بل بين ساعة وأخرى، فيما القيمة الشرائية لما في أيديهم تتهاوى من دون أن يزيد مداخيلهم أبداً.

إن الصراع الدائر اليوم،

 كان يتم تصويره في الماضي لعموم الناس أنه من اجل الحفاظ على مصالح المواطنين، ويهدف الحرص على سيادة البلاد، لكن ما اتضح لكل المواطنين من خلال رسالة عون وخطاب الحريري هو أن عون الدي يرى نفسه مديناً للحريري كون الأخير أوصله إلى سدة رئاسة الجمهورية عبر تصويت كتلته النيابية لصالحه، والحريري هو بدوره مدين لعون لأنه ساهم في إنقاذه وتحريره من معتقله في السعودية، فالحريري لا يكنّ أي احترام لميشال عون كونه يشعر بفضله الذي أوصل عون إلى قصر بعبدا، وعون بدوره لا يحترم الحريري الذي اعتقل وأهين من الحراس الشخصيين للأمير محمد بن سلمان فور وصوله إلى الرياض وأُجبر هناك على تلاوة بيان إستقالة حكومته في بيروت.

وهنا،

 يبدأ الصراع بين قطبين كلٌ منهما يريد تبرئة نفسه من الفساد المستفحل في البلاد، وتحميل الأوزار والأقذار للآخر في محاولة لحرقه أمام الراي العام، علماً أن الطرفين يضمنان حماية القيادات الدينية الرسمية لهما في كل الأحوال، فيما الشعب الضحية والفقراء والمساكين على وجه الخصوص يبقون متفرجين على اللعبة السخيفة، والمسرحية المكشوفة النتائج، وهم يحترقون في النار من دون أن يصدر منهم أي صراخ، أو يسمع منهم المتلاعبون بمصيرهم أي اعتراض، ثم يوجّه بعض الجاهلين اللوم إلى القضاء والقدر في ما يصيبهم من دون أن يُدركوا أن سنة الله في الكون ثابتة دونما تغيير

( ولن تجد لسُنة الله تبديلاً )

( ولن تجد لسُنة الله تحويلاً )

 وأن

( الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم )

بل إن السكوت على الظلم والتغاضي عن جور الجائرين يجعل من عموم الناس عند الله شركاء في وقوع الظلم، وسبباً لغضب الله عليهم جميعاً، ومدعاة لنزول العذاب وشمول عامة القوم به.

إن القرآن الكريم عندما يذكر قصة النبي صالح وقوم ثمود الذين كانوا في رغد العيش ورفاهية الحياة، ويبين بعد ذلك سبب هلاكهم، فإنه يؤكد أن رجلاً واحداً فقط من مجموع القوم قد أقدم على عقر الناقة التي جعلها الله لهم آية، لكن تلك الفعلة لما حظيت برضى العامة فإن ذلك الرضى كان عند الله بمنزلة المشاركة للرجل، فكان أن عمّهم بالعذاب وقال:

(وأخذ الذين ظلموا الصَّيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمينَ)

وهكذا كان حال الذين كذبوا رسل الله في مختلف الأزمان وجميع رواد الإصلاح والدعاة إلى تحقيق القسط وإجراء العدالة، حيث أنزل الله على كل قوم منهم ظالمين لوناً من ألوان العذاب بسبب اشتراكهم في ظلم أو رضاهم بفعل ظالم.

إن تمادي العصابة المتحكمة اليوم برقاب العباد في لبنان والناهبة لثروات البلاد في الظلم،

وعدم بروز موقف اعتراضي جادّ وعابر للطوائف والأحزاب والمناطق من جانب فئات الشعب المسكين، سيؤدي دون أدنى شك إلى غضب الله سبحانه، بل إنه سبحانه يصبّ غضبه على الساكتين على الظلم أكثر من نقمته على الظالمين أنفسهم، إذ جاء في رواية عن الإمام محمد الباقر من أئمة أهل البيت عليهم السلام:

 " إن الله عزّ وجلّ أوحى إلى شعيب النبي: إني مهلكٌ من قومك مائة ألف، أربعين ألفاً من شرارهم، وستين ألفاً من خيارهم

فقال: يا رب، هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟

قال: إنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي "

فالواجب الإلهي يقضي بأن يتكاتف المحرومون في كافة المناطق، والمستضعفون من جميع الطبقات، والكادحون من كافة الفئات، ليرفعوا أصواتهم، ويُبدوا اعتراضهم ويصرخوا في وجه الناهبين لقوتهم وقوت عيالهم، ويُخرجوا من بطون السارقين نتاج عرق جبينهم، وإن الله عزّ وجلّ عند ذلك يحقق وعده للذين ظُلموا بالنصر وهو صادق الوعد ولا يُخلف الميعاد:

 ( أُذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي

الوسوم