بيروت | Clouds 28.7 c

لماذا تضييع الفرصة ؟ بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 9 أيار 2021

 

يواجه الشعب اللبناني إلاّ القلة من المحظوظين أزمة قاتلة، حيث صار الحصول على ربطة الخبز همّاً لكل عائلة بل لكل شخص، والحصول على قليل من الوقود يستوجب التذلل والتوسل بأصحاب المحطات، ثم أضيف إلى هذا الهمّ الكبير بروز بوادر أزمة الكهرباء حيث الحديث عن فرض العتمة الكاملة على اللبنانيين بسبب الإختلاف على كيفية تأمين ثمن الفيول لمعامل إنتاج الكهرباء ما رفع بصورة عشوائية تسعيرة المولّدات، ومن قبل ذلك كانت أزمة الودائع في المصارف والتصرف بأموال الناس الفقراء والإمتناع عن تسليم المودعين أموالهم التي جمعوها بعرق الجبين، وقبل ذلك كان قمع التحركات الشعبية في مواجهة الفاسدين والناهبين لثروات البلاد وإيداعها بأسمائهم وأسماء أبنائهم وزوجاتهم في المصارف الأجنبية، وبلغت الإستهانة والإسخفاف بالشعب إلى حد قول أحدهم: " اللي مش عاجبه هيك يفلّ ".

إن كل واحدة من هذه الأزمات وغيرها التي مرّ ويمرّ بها الشعب اللبناني منذ سنوات بل منذ عقود دون أي تحرك جدي لو حدثت في أية دولة أخرى لأسقط الشعب حكومات وأزاح رؤساء جمهوريات وبدّل أنظمة من أساسها، ولقد شاهدنا كيف تمّ إسقاط الأنظمة الشيوعية الحديدية القائمة على فكر وعقيدة طوال عشرات العقود لما واجهت شعوبها أزمة إقتصادية أو بلغ قمع الشعب حدّاً لا يُطاق، لكن شعب " عروس الشرق " و " منارة الحرية في الشرق " قد حوّل بخنوعه العروس الفتية النشيطة هذه إلى عجوز لا تستطيع الوقوف على قدميها حتى، وحطّم برضاه بالواقع القاتل المنارة حتى لم يبقَ لها أي أثر، وتمرس على الرضوخ والإنصياع والقبول بما يقرره الفاسدون الحاكمون رسمياً أو المتحكمون بالناس من خلال التنظيمات الحزبية باختلاف الأسماء حتى لم يبقَ للحرية أي معنى أو مصداق في لبنان.

والعجيب أن المقهورين في كل الطوائف يدافعون بكل شراسة عن ناهبيهم وسارقي أموالهم وسالبي حقوقهم، حيث أنهم باتوا يعتقدون أن السرّاق هؤلاء يمثلون الطائفة والدين والقيم الوطنية والمقامات الدينية، ويرون في أي تعرض لهؤلاء مساساً بحقوق الطائفة أو تحدياً للمذهب أو إهانة للدين.

إن الجوع قد شمل اللبنانيين إلى أي مذهب انتموا إلاّ الناهبين وحاشيتهم، وإن الفقر قد ضيق الخناق حتى الموت على المواطنين دون تمييز في الدين والطائفة والمذهب إلاّ الذين كدّسوا الدولارات في المصارف الأجنبية والقلة من " مسّاحي الجوخ " ومن " المعثرين " الذين يرون في الزعماء والقيادات الحالية على اختلاف ألوانها وشعاراتها أنها تدافع عن حقوقهم وتحرص على مصلحة وطنهم، وتحافظ على سيادة واستقلال بلدهم.

إن جميع اللبنانيين على اختلاف ميولهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم يعترفون في السّرّ بعهر من يتزعمون، وفساد من يترأسون، وعدم رضاهم عمن يقودون، ويصرحون بأن الخلافات الحاصلة ليست لمصلحة المواطنين بل لإلهائهم والتلاعب بعواطف المساكين ليتسنى لهم نهب المزيد من الأموالهم ومصّ المزيد من دمائهم، لكن المهضومة حقوقهم والمسروقة عرق جبينهم يقولون في العلانية بعكس ما يعتقدون، ويصرحون أمام الإعلام بخلاف ما يُبطنون، وذلك بسبب التعصب الأعمى لأحزابهم وتنظيماتهم، أو لاعتقادهم بأن الإفصاح عن الحقيقة يهدد مصالحهم الفردية أو العائلية، أو لأن الإعتراف بالواقع الأليم يُغضب السيد، أو يُفسد مشروع الرئيس، أو يزعج خاطر الزعيم، وهو يسارع فوراً إلى صبّ جام غضبه عليه وفصله من التنظيم والحزب والحركة وإي إطار آخر موجود، ويتمّ التعميم فوراً بين الموالين والمحازبين والأتباع بأن يفرضوا عليه الحُرْم الديني أو المذهبي أو التنظيمي أو الحزبي، ومن ثم تُلصق به شتى الإتهامات، وتُنسب إليه مختلف الموبقات، وتوجَّه إليه أشد اللعنات، ولا تتوقف الحملات ضده إلاّ بعد أن يعود ذليلاً إلى بيت الطاعة، ويعلن ولاءه المطلق للزعيم حتى الممات والقائد من دون بديل والسيد من دون منازع والرئيس " غصباً عن الجميع "، ويثبت توبته أمام العالمين من الذنب الكبير الذي ارتكبه إذا تكلم بكلمة تزعج الخاطر، أو صرح بموقف من دون تكليف، أو عبّر عن ألم الفقراء والمحرومين والمستضعفين من دون استئذان.

إن البقاء على حالة الرضوخ والقبول بظلم الظالمين والتعلق بالولاءات والتمسك بالزعامات مع الإطلاع على حقائقها، والإذعان بفسادها، ومعرفة ارتهانها لإرادة هذا الأجنبي وذاك، لهو انحراف عن صراط الله المستقيم، وخروج عن نهج محمد سيد الأنبياء وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله، وعن تعاليم السيد المسيح عليه السلام الذي كانت رسالته تُختصر في إزالة البدع السائدة وإخراج اللصوص من الهيكل، وهذا الراضى بالظلم شريك عند الله مع الظالم في كل مظالمه، حيث يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: " الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم ".

إن الصوم في شهر رمضان والذي أشرف على نهايته يجب أن يكون قد علّمنا كيف نتغلب على الشهوات، ونخالف الأهواء، ونجعل رضى الله سبحانه فوق الرغبات، ونفضّل حكم رب العالمين على وساوس الشياطين، ونهتم بحال الفقراء والمعوزين، ونحسّ بجوع الجائعين وقهر المظلومين، وهكذا نكون أصبحنا من أهل التقوى الذين يتقبل الله سبحانه صيامهم حيث ورد في القرآن الكريم: ( يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب الذين  من قبلكم لعلكم تتقون ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي

الوسوم