بيروت | Clouds 28.7 c

صلاح الدين ومعركة تحرير القدس / بقلم عبد الهادي محيسن

مجلة الشراع 26 نيسان 2021

بعد الانتصار الكبير في معركة حطين وتحرير كافة مقاطعات الفرنجة في الجليل وعكا والناصرة، بدأ صلاح الدين محاصرة القدس في العشرين من أيلول 1187م وأقام في معسكره في جبل الزيتون وطلب من جيوشه بعد ستة أيام أن يشددوا الضغط تمهيدا للهجمة الأخيرة فتمكن النقابون من إحداث نقب في الجهة الشمالية من السور وقد وجد الملك باليان أنه لم يعد من المجدي متابعة القتال فقد طلب الأمان لنفسه ومثل أمام السلطان...

تبين أن صلاح الدين غير مستعد للتفاوض، ألم يكن قد عرض على الأهالي أحسن شروط التسليم فرفضوا ذلك، أما الآن فليس الوقت وقت مفاوضات لأنه أقسم على أخذ المدينة بالسيف كما فعل الفرنج بالمسلمين من قبل، والوسيلة الوحيدة الآن أن تفتح المدينة أبوابها وتخضع بلا شروط!

لم يجب صلاح الدين لباليان طلبه واستعطافه فلم يعطف عليه فلما يئس من ذلك قال له:

 أيّها السطان اعلم أن في المدينة خلق كثير تركوا القتال ظنا منهم أنك تجيبهم الى رجاء الأمان كما أجبت غيرهم، وهم يكرهون الموت ويرغبون بالحياة  فإن رأينا الموت فوالله لنقتلن أولادنا ونسائنا ونحرق أموالنا وأمتعتنا ولا نترككم تغنمون دينارا واحدا ولا تسبون ولا تأسرون... وتأثر صلاح الدين لحماسة مخاطبه من غير أن تؤثر به تهديداته!

والتفت الى مستشاريه وسألهم:

هل أن تلافي خراب الأمكنة الإسلامية المقدسة يحله من قسمه؟

 فكان جوابهم بالإيجاب، وألحوا عليه أن يحصّل من الفرنج تعويضا ماليا قبل تركهم يذهبون لأن الحملات المتعددة والطويلة قد أفرغت خزائن الدولة من المال، وأن السكان يعتبرون أسرى وعلى كل واحد منهم أن يفكّ نفسه بفدية مقدارها عشرة دنانير للرجل وخمسة للمرأة ودينار للطفل وقبل باليان بالمبدأ...

وإذ نال باليان ما يريد فقد أمر رجاله بإلقاء السلاح..

وفي اليوم الثاني من تشرين الثاني الموافق السابع والعشرين من رجب وهو يوم يحتفل في المسلمون بذكرى إسرأء النبي الى القدس كان دخول صلاح الدين الرسمي الى المدينة المقدسة، وكان أمراءه وجنوده مزودين بأوامر محددة وصارمة بعدم التعرض لأي مسيحي سواء كان فرنجيا أم شرقيا ولم يحدث أي حادث سلب أم نهب أم إعتداء على الإطلاق...

وطالب بعض المتزمتين بهدم كنيسة القيامة عقابا على التعديات التي التي ارتكبها الفرنج على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية...!

لكن،

صلاح الدين أوقفهم عند حدهم بل أنه ضاعف الحراسة على هذه الأمكنة وأعلن أن بإمكان المسيحيين أن يقوموا بزيارة الأماكن المقدسة ساعة يشاؤون،  ثم أعاد الأقصى الى حاله بعد أن حوّل الى كنيسة ورشّ جدرانه بماء الورد وأزال بالطبع الصليب الذي كان مرفوعا على مسجد قبّة الصخرة.

وبينما كان صلاح الدين يطوف ورفاقه من محراب الى محراب باكيا داعيا ساجدا.. كان معظم الفرنج والأغنياء منهم مشغولون ببيع منازلهم وبيوتهم ورياشهم قبل خروجهم...

 وكان الشارون من المسيحيين الأرثوذكسيين أو اليعاقبة الذين سيبقون في أمكنتهم واجتمع آلاف الفقراء على أبواب المدينة يتسولون ليفتدوا أنفسهم!

فبادر صلاح الدين بأنه في وسع الفقراء والمسنين أن يذهبوا من دون أن يدفعوا...

وتم تحرير أرباب العائلات من الأسر أما ألأرامل والأيتام فلم يكتف بإعفائهم من الدفع بل زودهم بالهدايا قبل رحيلهم..

ونادى خزنة صلاح الدين بالويل والثبور فإذا كان تحرير الفقراء والمعوزين يتم بلا مقابل فلترفع الفدية للأغنياء على الأقل وبلغ سخط خدمة الدولة الطيبين هؤلاء قمته وهم يرون بطرك القدس يغادر المدينة مصحوبا بعدة عربات محملة بالدهب والسجاد وكافة أنواع المتاع النفيس...

فقيل للسلطان:

أن البطرك ينقل أموالا لاتقل قيمتها عن مئتي ألف دينارذهب وقد سمحنا لهم بنقل أمتعتهم أما خزائن الكنائس والأديرة فلا يجوز تركها لهم غير أن صلاح الدين أجاب علينا أن نطبق المواثيق التي قطعناها على أنفسنا بحذافيرها كي لايستطيع أحد باتهام المسلمين بخيانة عهودهم بل سوف يتذكر الفرنجة أينما حلوا ماغمرناهم من إحسان!

عبد الهادي محيسن ... كاتب وباحث     

الوسوم