بيروت | Clouds 28.7 c

الإتفاق النووي بين الإنتخابات الأمريكية السابقة والإيرانية المقبلة / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 25 نيسان 2021

شاهد العالم كله كيف أن التعامل مع الإتفاق النووي الذي انعقد بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا وبين الجمهورية الإسلامية في إيران كان محور الحملات الإنتخابية بين الرئيس السابق دونالد ترامب و الرئيس الحالي جو بايدن..

ففي حين كان ترامب يصبّ جام غضبه عليه واصفاً إياه بأنه أسوء اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة، كان المرشح جو بايدن يتعهد بالعودة إليه في حال فوزه لأنه أفضل اتفاق ممكن!

وفاز بايدن بالإنتخابات على الرغم من جميع المحاولات التي بذلها الرئيس السّابق حتى آخر لحظة للطعن بنتائج عملية التصويت والإدعاء بحصول عمليات تزوير كبيرة.

إن الرئيس الحالي والمرشح السابق جو بايدن حسب التزاماته الإنتخابية ملزم بالعودة سريعاً إلى الإتفاق احتراماً لتعهداته الإنتخابية، خصوصاَ أن الإتفاق بين الـ 5+1 وإيران أخذ صفة دولية بعد التصويت لصالحه بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي الـ 15، وهذا يجعل الإدارة الجديدة أمام مسؤولية دولية أيضاً، حيث موافقة مندوب كل دولة في المؤسسات الدولية تعني الدولة كلها وليس فريقاً يحكم اليوم وآخر يأتي غداً، ولو رضي العالم بغير هذا ما استمرت اتفاقيات ولا صمدت معاهدات، ولتصرف كل رئيس دولة بناء على مزاجه غير آبه بالقوانين والإلتزامات الدولية.

إذن،

 فالعودة الأمريكية إلى الإتفاقية ليست تقدمة للجمهورية الإسلامية من قبل السيد بايدن..

 بل هي في الدرجة الأولى تعني إثبات إحترام الولايات المتحدة لتوقيعها في قرار أممي، وايضاً احترامها لأصوات باقي الدول الأعضاء في مجلس الأمن وخصوصاً تلك الدائمة العضوية، تلك الدول التي أراد الرئيس المعتوه ترامب أن يستخف بها ويفرض رغبته على قراراتها، ويستعلي عليهم ويجرّهم خلف قراراته المزاجية، فيما أكد الرئيس الحالي على احترام آراء باقي الدول خاصة الأعضاء في الإتحاد الأوروبي وبريطانيا التي انسحبت مؤخراً من عضوية الإتحاد المذكور.

هذا من الجانب الأمريكي...

أما،

من الجانب الإيراني،

 فإن بدء المفاوضات الإيرانية مع الولايات المتحدة كان بإيعاز من آية الله خامنئي شخصياً في عهد احمدي نجاد، والمكلف بذلك كان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية حالياً الدكتور صالحي والذي كان يومذاك وزيراً للخارجية وبعلم الشيخ حسن روحاني الذي كان ممثل القائد في مجلس الأمن القومي..

لكن الأمر كان من دون علم الرئيس نجاد،

وفاز الشيخ روحاني برئاسة الجمهورية فأخذت المفاوضات دفعاً جديداً والإجتماعات التي كانت تُعقد في سلطنة عمان سرّاً صارت علانية وتحت الإشراف الكامل لآية الله خامنئي من الجانب الإيراني وبرئاسة وزير الخارجية الدكتور جواد ظريف وبمشاركة الدكتور علي أكبر صالحي.

لقد كان القائد يتدخل كلما دعت الحاجة لدعم الفريق المفاوض وإعلان ثقته بأعضائه وبالدكتور ظريف بصورة خاصة، في مقابل حملات التخوين التي يقوم بها البعض للرئيس روحاني وفريقه!

لكن الواضح أن هذا البعض يريد فرض رؤيته حتى على قائد الجمهورية الإسلامية شخصياً، فلا يلتفت أبداً إلى المواقف المؤيدة التي يعلنها آية الله خامنئي في مناسبات عديدة، فيما يتشبث ببعض الملاحظات التي يبديها بين الحين والآخر بهدف تقوية موقع المفاوضين الإيرانيين في اجتماعاتهم مع الأطراف الأخرى.

أمام هذا الواقع،

 فإن الإتفاق النووي من الجانب الإيراني أيضا هو محور الحملات الإنتخابية المقبلة، فكل الهجمات التي تُوجّه صوب المفاوضات غير المباشرة بين الجمهورية الإسلامية والدول التي شاركت في الإتفاق هي للإستهلاك المحلي، وجميع الذين ترشحوا حتى الآن والذين سيترشحون في الأيام المقبلة يعلمون يقيناً أن موضوع الإتفاق هو خارج سياسة هذا الفريق وذاك ولا يتأثر بوصول إصلاحي أو أصولي إلى سدة الرئاسة الإيرانية.

لقد أدرك الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما حقيقة الأمور في إيران فهو لم يُجب على الرسائل التي أرسلها إليه مراراً الرئيس احمدي نجاد فيما وجّه ثلاث رسائل مع كامل الإحترام إلى القائد آية الله خامنئي لعلمه بأن الرئيس يتغير في إيران كل 4 أو 8 سنوات فيما الثابت هو القائد، وهو الذي يملك صلاحيات كثيرة لا يملكها الرئيس في ظل ولاية الفقيه، واليوم أيضا يعرف فريق جو بايدن أن الفريق الإيراني المفاوض الحالي هو موضع ثقة القائد، وعلى هذا فلا يتأثر في مسار التفاوض بالحملات الإعلامية التي يشنّها المعارضون في إيران على أعضاء الفريق كأشخاص أو على طريقة التفاوض وأصل المفاوضات، لكن المهم للإدارة الأمريكية الحالية استغلال الفرصة المتاحة في الوقت الحاضر والوصول إلى صيغة تفوّت الفرصة على المشاغبين، الذين يحاولون ركوب الموجة وتحميل سلبيات الإجراءات الأمريكية القاسية جداً طوال عهد دونالد ترامب للرئيس الشيخ حسن روحاني وفريقه وتصوير أنفسهم أن بأيديهم المفتاح السحري في حال فازوا في الإنتخابات الرئاسية المقبلة للتغلب على العقوبات التي وصفها الرئيس المعتوه السابق بأنه الأقسى في تاريخ الولايات المتحدة، لكنهم جميعاً يدركون أنهم مُلزمون بإكمال المسار الذي بدأ في عهد احمدي نجاد واستمر في عهد الشيخ روحاني ولو بـ " بروفة " جديدة وبأشخاص آخرين...

لأن الذي يُشرف على تفاصيل الأمور هو آية الله خامنئي شخصياً!

لكن من مصلحة فريق بايدن الإستعجال لإنجاز الأمر في عهد روحاني بدل أن يواجه أشخاصاً آخرين وبنمط تفاوضي مختلف، ما يأخذ وقتاً أطول، وهذا ما يعطي لترامب وبومبيو فرصة للتشويش أكثر على المفاوضات الجارية، فيما نتنياهو المتضرر الأساسي من خسارة صديقه الحميم دونالد ترامب والمتحالفين معه من بعض دول المنطقة يعملون بدورهم على وضع العراقيل في طريق العودة الأمريكية إلى الإتفاق النووي ما يضع بعض الأشواك في طريق الوصول إلى النتائج المرجوة.

الخلاصة أن الإنتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة،

التي بدأت الترشيحات له إعلامياً منذ أشهر لكن التسجيل الرسمي سيبدأ في 11 أيار ويستمر حتى الـ 15 منه، سيكون الإتفاق النووي إحدى المحاور الأساسية للحملات فيها...

ويحاول كل مرشح بأسلوبه التركيز على النقاط السلبية لعهد روحاني وخاصة رمي السهام على المفاوضات الجارية حالياً في فيننا ليجعل من نفسه إذا فاز معالجاً للوضع الإقتصادي المتأزم نتيجة العقوبات الأمريكية، وبفعل العراقيل التي وضعها ولا يزال المناوئون منذ اليوم الأول لانتخاب روحاني في الدورة الأولى، وكذلك الأداء السيء لبعض فريق الحكم الذي لا يكنّ للرئيس الولاء أصلاً...

إذ قسم منه هو من فريق المرحوم الشيخ هاشمي رفسنجاني..

وقسم آخر هو من جماعة السيد محمد خاتمي...

والبعض الثالث منه يتبع مباشرة توجيهات مؤسسات أساسية أخرى في البلاد..

وهذا ما جعل إشراف الشيخ روحاني ضعيفاً على وزرائه والعاملين معه في مختلف الحقول، لكني أؤكد جازماً أن لا خوف أبداً على التزام رئيس الجمهورية الإسلامية القادم من الأصوليين بما سيوقعه فريق الرئيس الحالي المفاوض في حال استغلت الإدارة الأمريكية الأيام المقبلة وتوصلت إلى نتائج تُرضي الجمهورية الإسلامية وتؤمّن المتطلبات الأساسية التي طرحها آية الله خامنئي في مواقفه المعلنة، والله أعلم ببواطن الأمور.

السيد صادق الموسوي

الوسوم