بيروت | Clouds 28.7 c

خاص – "الشراع" / اسبوعان مفصليان لولادة حكومة تلجم الانهيار والفوضى

مجلة الشراع 5 نيسان 2021

 

لا احد من السياسيين في لبنان اليوم لديه الجرأة على القول بان الحكومة ستشكل في تاريخ معين او حتى في وقت غير بعيد...

كما ان لا احد منهم لديه الجرأة على استبعاد ذلك، او الجزم بان الامر غير وارد في الأفق المنظور!

هذا هو حال موضوع تشكيل الحكومة في هذه الايام بعد الحديث عن اختراقات تحققت باتجاه اعادة مسار هذا التشكيل الى حيث يمكن ايصاله الى بر الامان الموعود.

وبعد حديث امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عن جهد جماعي لتأمين ولادة الحكومة، وبعد الجهد الاستثنائي المبذول من قبل الرئيس نبيه بري مع الفرقاء المعنيين بتوقيع مراسيم صدور التشكيلة العتيدة بما يؤدي الى تزخيم الافكار التي سبق للنائب السابق وليد جنبلاط ان اقترحها وفي مقدمتها توسيع عدد اعضاء الحكومة الى 24 وزيراً، فان حالة التشاؤم كسرت وان كانت البلاد لم تنتقل بعد الى حالة التفاؤل بخروج المولود الحكومي الى النور.

وفي السياق نفسه تندرج  مساعي  البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي بما لها من دور مؤثر في هذا المجال لا سيما بعد الحوار المركز حول موضوع الحكومة الذي بدأ بين بكركي والتيار الوطني الحر ممثلا بالنائب ابراهيم كنعان. وكل ذلك من دون اغفال الاتصالات النوعية التي يجريها مديرعام الامن العام اللواء عباس ابراهيم.

هذا المناخ الداخلي الجديد بصرف النظر عن التوصيف الذي يمكن ان يطلق عليه ، يتزامن مع المناخ الدولي والعربي والاقليمي الجديد الدافع بقوة من اجل ولادة الحكومة . وبعد الاتصال بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ،اللذين اكدا وجوب تشكيل حكومة ذات صدقية، فان المواقف تتتالى من واشنطن الى  الاتحاد الاوروبي  الى روما الى موسكو الى برلين مروراً بالعواصم العربية وطهران ، تحذيراً من الانهيار والفوضى ولحث المسؤولين اللبنانيين الى الخروج من دوامة الشروط والشروط المضادة من اجل ضمان تشكيل حكومة تتولى الاصلاح والانقاذ واخراج لبنان مما يتخبط فيه من أزمات ومحن.

وحسب معلومات "الشراع"، فان محور الحراك الخارجي للدفع باتجاه تشكيل الحكومة قوامه ثالوث فرنسي – مصري – روسي يعمل بكل ما اتيح له من وسائل من اجل تسهيل الولادة الموعودة ، وازالة ما يعترض من عقد.

وحسب المعلومات نفسها فان الجهد المحلي والخارجي أفضى حتى الان الى بلورة صيغة جديدة ابرز ما فيها عدم حصول رئيس الجمهورية على الثلث المعطل ،مقابل قبول الرئيس المكلف بحكومة من 28  وزيراً بعد ان كان مصراً على حكومة من 18 وزيراً.

كل هذه الاجواء، داخلياً وخارجياً، اشاعت اجواء دفعت احد النواب في كتلة بارزة الى كسر قاعدة عدم تحديد مواعيد  فتوقع لـ"الشراع" ولادة الحكومة في فترة لا تتعدى الاسبوعين المقبلين، الا ان هذا التوقع قد يكون ضرباً من الخيال ولذلك لا  يمكن البناء عليه في حال لم تقترن التسريبات حول ليونة  ابداها الاطراف المعنيون بالتشكيل وفي مقدمتهم الرئيس ميشال عون بما يؤكدها ولا سيما بالنسبة لتخليه عن الثلث المعطل ولشرط  تسمية كل الوزراء المسيحيين في الحكومة العتيدة.

واذا كان عون لا يتحمل وحده مسؤولية التأخير في تشكيل الحكومة ، فان التركيز على دوره المعطل او المؤخر حتى الان لهذا التشكيل له مبرراته، بعد الكم الكبير من المآخذ التي سجلت عليه من قبل كل الاطراف تقريباً وكذلك من قبل مراجع وازنة وعلى رأسها بكركي. وكان اخر ما عبر عنه عون ما ورد في تصريحه حول العراقيل المتوالدة وحول سفر الرئيس المكلف، محاولا بذلك كعادته رمي كرة التأخير او العرقلة في ملعب الحريري.

والمآخذ على رئيس الجمهورية في هذا المجال كثيرة وابرزه ما يلي :

1- ان شراكة الرئاسة الاولى في  موضوع تشكيل الحكومة لا تعني ابداً السير بما يريد فرضه وفق المعايير التي يحددها بمعزل عن الرئيس المكلف الذي يبقى المعني الاول بتشكيل الحكومة. الا ان ما كان يحصل لدى تشكيل الحكومات السابقة في ولاية عون شجع فريقه على محاولة تكرار ذلك لدى تشكيل الحكومة الحالية وهو امر لم يعد ممكناً تقديم التنازلات فيه سواء من قبل الحريري المولج بعملية التشكيل او من قبل الكتل والتكتلات الرئيسية التي سمته في الاستشارات النيابية الملزمة.

2- ان الشراكة مع الرئيس المكلف في موضوع التشكيل لا تعني ابدا ان رئيس الجمهورية يجب ان تكون له حصة وزارية على غرار ما يطالب به فريق العهد اليوم. ومجرد العودة الى تصريحات عون نفسه عندما كان رئيسا لكتلة نيابية والتي كان يرفض من خلالها ان يكون للرئيس السابق ميشال سليمان حصة وزراية، يكفي للرد على ما يطالب به رئيس الجمهورية وفريقه اليوم، الا اذا كان يتم التعاطي مع هذه المسألة من زاوية  القبول فقط بما يخدم فريقه السياسي .

فهل اصبح ما كان مرفوضاً منحه لسليمان بالامس جائزاً اليوم اذا كان يراد منحه لعون وفريقه؟

3- ان رئيس الجمهورية يتعاطى اليوم مع مسألة تشكيل الحكومة وكأنه ممثل لكتلة نيابية وليس كرئيس للبلاد يعمل وفق الاتهامات الموجهة اليه لخدمة جهة حزبية او طائفة او ما شابه ذلك، علما انه هو نفسه سبق ورفض مساواته مع رئيسي المجلس والحكومة عندما كان يركز مع فريقه على انه رئيس الجمهورية برمتها وليس رئيساً لسلطة او مؤسسة. وهو بالطبع مصيب تماما عندما يتعاطى في هذا الملف او تلك القضية كرئيس للبلاد كلها ويناقض نفسه عندما يتمسك بتسمية الوزراء المسيحيين تحت عنوان ان الموقع المسيحي الاول يقتدي بما يقوم به الموقع الشيعي الاول او السني الاول  .

4- ان رئيس الجمهوية الذي عطل حتى الان تشكيل الحكومة، من خلال موقفه الداعي الى الحصول على الثلث المعطل لا يراعي ما ينص عليه الدستور وخصوصا لجهة  ان تكون الحكومة ممثلة للكتل النيابية التي تضمن حصولها على الثقة.

وبعد امتناع  كتلة التيار الوطني الحر عن تسمية الحريري، ورفضها منح الثقة لاي حكومة يشكلها، فان المطالبة بحصول الرئاسة الاولى على حصة وزارية حتى ولو كانت ثلث حكومة من 18 او 24 وزيرا من شأنه الاساءة اليها ، كما انه يصورها وكأنها واحدة ومن الكتل الكبرى وهو ما لم يهدف اليه المشرع الذي تحدث عن الشراكة في اصدار مرسوم تشكيل الحكومة مفترضاً حسن النية وليس العمل على فرض الرؤى والسياسات والتوجهات من خلال الامساك بالسلطة الاجرائية.

5- من حقّ رئيس الجمهورية ان يكون له مرشح للرئاسة لخلافته فيها، وكثيراً ما نسب الى رؤساء جمهورية سابقين انهم يفضلون فلاناً او فلاناً، لكن ما لم يحدث على الرغم من ان رئيس الجمهورية كان قبل اتفاق الطائف واسع الصلاحيات هو ان احداً من هؤلاء الرؤساء الذين توالوا على الحكم في لبنان حوّل البلاد الى رهينة لا يتم الافراج عنها الا مقابل خدمة مشروعه الرئاسي المقبل فصارت كل خطوة من  عمله وسياسته وادائه مرتبطة بما يراه يخدم او لا يخدم  سعيه الدؤوب  لايصال  صهره  جبران باسيل الى قصر بعبدا. وقد بدأ عون مشواره على هذا الصعيد بفرض صهره رئيساً على التيار الوطني الحر على الرغم من المعارضة الواسعة له، وهو مستمر به على الرغم من علمه بان الجمهورية اللبنانية ليست تياراً او حزباً يستطيع ان يتحكم بخياراتها في بلد غني بالتعدد والتنوع في كل المجالات والميادين.

كل هذه المآخذ وغيرها على عون ، تدفع غير المتفائلين الى عدم توقع مرونة منه او تراجع عن شروطه خصوصاً وان قبول جبران باسيل او عدم قبوله بالعروض والافكار المقترحة لتشكيل الحكومة باتا بالنسبة لكثيرين  بمثابة حجر الرحى في تحديد موافقة او رفض رئيس الجمهورية لها. ولهذا السبب فان غير المتفائلين يدعون الى التمهل في توقعاتهم، والى اعتماد مقياس الرئيس نبيه بري، اي "لا تقول فول تيصير بالمكيول .

الا ان المتفائلين  يعتقدون في  المقابل ان الظروف والمناخات السائدة حالياً مختلفة عن الظروف والمناخات السابقة وان ما كان ينطبق بالامس على المقاربات بشأن تشكيل الحكومة لم يعد ينطبق عليها اليوم .

واول ما يعتبره هؤلاء  بشرى على هذا الصعيد هو معاودة المفاوضات بين ايران ودول الـ 5 زائد 1  للعودة الى الاتفاق النووي، وهو ما كانت "الشراع" اشارت اليه في مقال سابق قبل اكثر من شهر حول بدء مرحلة العودة الى الاتفاق المذكور. اضافة الى هذه البشرى هناك  الحراك الحاصل في اكثر من عاصمة من اجل اطلاق مسارات هدفها الوصول الى تسويات لعدد من الازمات وهو ما يمكن للبنان ان يستفيد منه ،اقله بالنسبة للجم الانهيار الحاصل من خلال تشكيل الحكومة تعمل في مرحلة انتقالية دخلها العالم والمنطقة، على الحد من الخسائر والتخفيف الى ابعد مدى ممكن من الاضرار اللاحقة بالبلد وشعبه واستقراره. بانتظار تبلور المشهد العام في المنطقة ككل باتجاه التسويات المنتظرة في اكثر من ملف وقضية وازمة.

 ولذلك هناك تشديد من قبل هؤلاء المتفائلين  على ان ولادة الحكومة ممكنة خلال الاسبوعين المقبلين . وساعتها فان" المياه تكذب الغطاس "كما يقول المثل اللبناني الشائع.

وعلى هذا الاساس،

 فان ما يمكن استخلاصه على هذا الصعيد بين المقاربات المتفائلة والمتشائمة ،هو ان الاسبوعين المقبلين سيكونان مفصليين في تحديد مسالة ولادة حكومة سلباً او ايجاباً في ظل ظروف ضاغطة ومريرة يعيشها اللبنانيون وتفرض تسريع هذه الولادة  للجم الانهيار والفوضى ووضع لبنان على سكة جديدة.

الوسوم