بيروت | Clouds 28.7 c

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!/ المهندس محمود الأحمدية

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!/ المهندس محمود الأحمدية

 

في دولة من دولنا العربية ((المهضومة)) ((المتطورة)) أرسل الحاكم إلى وزير داخلية دولته لمقابلة سريعة بدون أن يشرح له ظروف المقابلة وموضوعها الداهم وتفاصيلها الدقيقة.. وعندما وصل معالي الوزير بادره الحاكم بالقول: إنني تلقيت مئات الشكاوى من المواطنين يلعنونك ويهاجمونك ويطالبون بإقالتك.. وذُهِلَ الوزير بسماع هذا الكلام المرعب.. وقال: إنها دعايات كيدية وشكاوى كيدية وتخفي وراءها أحقاداً وحسداً.. وعلى العكس أنا أعدل بينهم وأُحسن معاملتهم وأقوم بواجباتي نحوهم.. وبكل برودة أعصاب أجابه الحاكم: ما عندي مشكلة.. لا تخف ما دام الناس يشكون منك ويتكلمون بالسلبي عنك فإنك باقٍ مستقرّ في منصبك، أما إذا أجمع الناس على مديحك فسوف أَطردك من مَنْصِبِكَ!

هذه القصة ليست على سبيل الفكاهة، إنها حادثة حقيقية رواها وزير الداخلية نفسه في جلسة صفى فيها البال وصَعُدِ فيها البوح والوشوشة إلى الصوت العالي..

نعم الحاكم الفرد يفضل المرؤوسين المكروهين على المرؤوسين المحبوبين عند الناس.. إنه يخشى إذا أحبّ الناس أحد معاونيه أن يضعوه مكانه أو أن يهدد مركزه أو أن يصبح قوة خطرة عليه..

الضعفاء هم الأعوان الطبيعيون للحاكم والمكروهون هم الحلفاء المطلوبون الذين لا خطر منهم على صاحب السلطان والجبروت!

كثيرون يتذكرون بيريا سفاح الاتحاد السوفياتي في تلك الأيام والذي كان يمقته الشعب يوم كان وزير الداخلية والرجل الذي كان يحكم بإعدام الأبرياء بنفس السهولة التي كان يشعل بها سيجارته! وكانت هذه الكراهية تقربه إلى ستالين وتجعله أكثر الزعماء حظوةً لديه!

وفي كل تقرير من هذه التقارير كان رصيد بيريا يتضاعف قوة وشكيمة وتقديراً لدى الحاكم ويزيده سلطاناً ونفوذاً... وكان كل طامحٍ واعٍ مثقف يدري ماذا يفعل يشكل نقطة سوداء أمام ستالين..

والعبرة التاريخية التي تنسحب على كل وضع مشابه: إياك أن تتكلم أمام وزير طاغية عن مساوئ الديكتاتور أو أن تشتمه.. أكتب خطاباً إليه تتغزل في وزيره السيىّء وأمدَحْه واثْنِ عليه..

بذلك تكون أعددت له بداية النهاية يقول البابا غريغور الرابع: ((أحببت العدالة وكرهت الظلم، لذلك أموت في منفاي)).. ويقول كونفوشيوس: ((نحن إن عشنا في بلدٍ تسوده العدالة ففي استطاعتنا أن نَتَّشحَ برداء الشرف والمجد في مواضع وأن نَتَحمَّلَ أحزاننا برباطة جأش..))، أما أمين الريحاني فيقول: ((أما العدل الحقيقي فهو الذي يجيء مشفوعاً بالرحمة والشفقة والحلم والمحبة)) وجاء في حديث شريف: ((عدل ساعة أفضل من عبادة سبعين عاماً))..

هل من سميع مجيب في هذه الأيام الحالكة التي يمرّ فيها الوطن بكل إرهاصاتها؟! لعلّ وعسى!!

 

المهندس محمود الأحمدية

رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

عضو اللجنة البيئية في نقابة المهندسين

في بيروت

 

 

الوسوم