بيروت | Clouds 28.7 c

لبنان ـ الإحتماء من الرمضاء بالنار / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 29 آذار 2021

 

يشهد لبنان هذه الأيام جملة استدعاءات للسفراء الأجانب إلى القصر الجمهوري وسلسلة لقاءات لهم مع مختلف المسؤولين في مختلف القطاعات، والبيانات الصادرة بعد تلك اللقاءات تقول أنها كانت للبحث والتشاور للخروج من المأزق السياسي والمالي الذي يتخبط فيه لبنان...

إن الدول التي يتمّ استدعاء سفرائها والإجتماع مع ممثليها ليست إلاّ تلك المتورطة بالكامل في خلق الأزمة بشقّيها السياسي والإقتصادي...

ففي الجانب السياسي،

 تقف الدول الإستعمارية وأذنابها في المنطقة وراء الطبقة السياسية الفاسدة الموزعة على مختلف الطوائف والتي قامت ولا تزال بنهب ثروات البلاد ومصّ دماء الشعب المسكين، لأن تلك الأموال المنهوبة وبآلاف المليارات مودعة في مصارف تلك الدول، وهي تشكل الرأسمال لها لتقوم بالإستثمار هنا وهناك..

وفي حال تخلت قيادات تلك الدول عن أفراد هذه الطبقة الفاسدة وتمكن الشعب من إزاحتهم عن كراسيهم ثم طالب باسترداد تلك الأموال فإن مصيبة كبرى ستحلّ بتلك المصارف، وهذا الواقع نراه في محاولات دول عديدة التأخر في دفع الأموال المودعة لديها لدول أخرى من خلال خلق الأعذار المختلفة لأجل الإحتفاظ بتلك الأموال أو على الأقل التأخر في تسليمها لأصحابها من خلال إضاعة الوقت وإطالة فترة المفاوضات بقدر الإمكان.

إذن،

 فمصلحة الدول الأجنبية توجب كسب رضى أصحاب المليارات التي نهبوها من الشعب ووضعوها تحت تصرف أصحاب المصارف الذين هم يتحكمون بقرارات حكام تلك الدول، ولا يهم الزعماء في تلك الدول، على الرغم من رفعهم شعارات كاذبة، ماذا يعاني أبناء الشعب اللبناني وكيف يعيش الفقراء، ولا يحسّون بآلام الناس المساكين، ولا يعنيهم ضيق العيش وانهيار العملة الوطنية، لأنهم يعلنون بكل صراحة وفي مناسبات عديدة إصرارهم على بيع أنواع السلاح الفتاك مما تنتج مصانعهم لمن يشنّون الحروب الظالمة هنا وهناك  على الرغم من ما يتضمن ذلك من انتهاك فاضح لحقوق الإنسان وقتل للاطفال والنساء والشيوخ وتدمير للبنى التحتية، لان مصلحة مصانع الأسلحة فيها تكمن في إفراغ مستودعاتها وتصدير منتجاتها لدول هم ورّطوها في الحروب عبر تحريضاتهم، وهم يزودنها بأنواع السلاح المدمر بأسعار هم يحددونها، ثم هم يتوسطون بين المتقاتلين بعد إنهاك الطرفين بدعوى الحرص على السلام، وبعد توقف الحرب تدخل الشركات التابعة لتلك الدول لتقوم هي بنهب ما تبقى من ثروات البلاد تحت لافتة إعادة الإعمار.

ثم إن هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي سجلت المليارات بأسمائها في المصارف الأجنبية راكمت الديون على البلد بمئات المليارات مع فوائد عالية بحيث لا يمكن للأجيال المقبلة أداءها، وهكذا تكون رهنت الأرض والشعب على مدى الأجيال للدول الدائنة، ووضعت مصيرهما في أيدي مصاصي دماء الشعوب...

وفي الشأن السياسي،

 فإن خريجي المدارس الأجنبية، والمنبهرين بالثقافة الغربية، والمتشربين ثقافة المستعمر الغاشم، لا يمكنهم لحظة الإحساس بالشخصية الوطنية، ولا يتصورون أن يكونوا يوماً خارج إرادة الدول المستكبرة، فهم ينتظرون دوماً التعليمات من الخارج، وينصتون كاملاً لإملاءات السفراء، وينفذون كامل رغبات الأسياد، لكنهم يغلّفون خطواتهم تلك بعبارات منمقة ينخدع بها عوام الناس، وبألفاظ جميلة خالية من المعاني تنطلي على البسطاء، فترى الناس يصفقون لزعمائهم وهم يبيعونهم في اسواق النخاسة، ويهللون لرؤسائهم وهم يرهنون مصائرهم للأجنبي، ويحاولون إيهام الشعب بأن علاج أزمته هو في أيدي جلاوزته، وإقناعه بأن الخلاص من المعاناة يكمن في الإحتماء من الرمضاء بالنار.

ولكي يغفل الشعب عن آلامه، وينسى المطالبة بحقوقه، ويحرفوا فكره عن قضيته، فإنهم يخلقون له كل يوم أزمة جديدة في أمور معيشية يومية..

فكلما حاول الخروج من إحداها افتعلوا له جديداً كي يظل الناس دوماً في دوامة لا تنتهي، ويبقوا في قلق دائم، فيكون هم الرجل الأوحد طوال اليوم والليلة الحصول على لقمة خبز وإن كانت يابسة ليُطعمها لعياله، والحصول على قليل مال يدفعه إلى المدارس والجامعات لتعليم أولاده، وإذا ما أصيب هذا الرجل بوعكة صحية لزم دخول المستشفى فإنه لم يعد يملك ما يسمح له بإعطاء رسم الدخول، ولا يوجد في جيبه ما يدفع للطبيب، ولا يقدر على شراء الدواء من الصيدلية بسبب نفاد آخر ليرة عنده والغلاء الفاحش بالأسعار، فيما الزعماء لكل طائفة وحزب يتناولون أشهى الأطعمة ويأكلون أفضل الفواكه، ويسكنون القصور الفارهة ويخصصون لأنفسهم وأبنائهم ثم لقليل من حاشيتهم وأزلامهم المرتبات الشهرية العالية وبالعملة الأجنبية ويسجلون بأسمائهم الأسهم في الشركات الكبرى ليحصلوا على مزيد من المال، ولا يلتفتون يوماً لما يعاني منه المستضعفون، ولا يبالي المحرومون إذا كان الفاسدون قد استولوا على مقدراتهم.

 إن مقارعة الظلم اللاحق هذه الأيام بالشعب اللبناني والتخلص نهائياً من الزمرة الفاسدة على أصنافها يحتاج لمن هو من خارج تلك المنظومة بالكامل، ومن لا غبار على حسن سلوكه منذ بداية حياته حتى بشهادة أخصامه، ومن لم يتقلب في التنظيمات والأحزاب يُمنة ويُسرة لإرضاء رغباته واتباع أهوائه، فإن الموقف اللاحق لأي شخص فيه بصمات من ماضيه في السايق، وما يفعله اليوم لا يكون منفصلاً عن شخصيته التي تكونت ونمت اثناء تقلباته في الولاءات طوال السنين المتعاقبة..

 ومن شرائط من يريد إصلاح الأمة،

أن يكون تاريخه نظيفاً وماضيه ناصعاً ومسيرته ثابتة، ومن يعمل لهداية الناس يجب أن لا يكون من رؤوس الضلال طوال عقود خلت، ومن المنظّرين الأساسيين لأفكار عوجاء أغوت المئات بل الآلاف فترة من الزمن، وهذا ما يقول به كل ذي عقل سليم، وصاحب منطق منطبق مع الفطرة الإلهية، ويؤكد على ذلك الله سبحانه في قرآنه المجيد بقوله:

(أفمن يَهدي إلى الحق أحقّ أن يُتّبَع أم من لا يَهِدّي إلاّ أن يُهدَى فما لكم كيف تحكمون) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي

الوسوم