بيروت | Clouds 28.7 c

من وحي  نوال السعداوي في رحيلها النّسَوية ليست تَرَفاً النّسَوية هي الأصل / بقلم نداء عودة

مجلة الشراع 24 آذار 2021

 

شاءت المصادفة ان ترحل نوال السعداوي في ساعات الربيع الأولى.. أعياد الأمومة.. شمّ النسيم.. النوروز حيث ألوان فساتين الصبايا الكرديات تبهج العيون ببراءتها، وفي كل هذه الأعياد تعلو إحتفالات امومة وولادة ومفاهيم قيامة. مفاد القول أن نضالات السعداوي ومعاركها طيلة تسعين عاماً مع العبودية، لكأنها عادت لتولد من جديد، إذ لا تزال قضية المرأة مكانك راوح في مجتمعات حَصَرت مفاهيمها حول هذا النضال على أنهُ نَسَويّ فقط، وبعد عقود من النضال. لازالت المرأة مواطناً ناقصاً وتابعاً للرجل.. ولازالت أهمية المرأة في نظر المجتمع مرتبطة بسنّ البلوغ والزواج والإنجاب على أن يداهمها ما أسموهُ " سنّ اليأس" فتنتهي وظيفتها...

ولم تكن صفة "نَسَويّة" تُزعج الدكتورة السعداوي بمعنى انها تدرك عمق التوصيف وتمارسُه، فيما إستخدمته كثير من النُّخَب المثقفة وال"ليبرالية"  التي لا تُرضي السعداوي على مستوى الحريات السياسية، إستخدمتهُ غالباً، وضمناً، للتقليل من شأن هذا النضال او اوطرتهُ بعيداً عن قضايا التحرّر  ك"جزء" أدنى شأناً من كلّ، أو تعاملت معه كظاهرة كلامية على غرار توصيف السعداوي للّيبرالية في ممارستها السياسية وتعطيها مع قضايا  الحريات.

ولا شكّ أن السلطة، أية سلطة ابويّة شجّعت هذا التصنيف المُؤوّل بهدف عزل المرأة، بمعنى أن تحرّر المرأة هو شأن نَسَوي ليس إلاّ، أو حقوقي ليس إلاّ. في حين تتوغّل كتابات السعداوي وفِكرها في العمق الطبقي للقضية.

تعرّفتُ إلى كتابات نوال السعداوي في سنّ الخامسة عشر وكانت نساء المحيط تعرّفن قبلاً إلى كتاب "الجنس الاخر" لسيمون دوبوفوار التي صبّت اراءها بالمعنى الإجتماعي التربوي، إختلف الأمر مع نوال السعداوي عند قراءتها فقد وجدت النساء ضالتهنّ العلميّة والفكريّة في مؤلفاتها، مع نوال السعداوي تعرّفت إلى العلاقة الوثيقة التي تربط إستعباد المرأة بإستبداد السلطة، الموضوع الطبقي المُزيّن بالتقليدي الديني وعقلية التحريم لم يُثنِ الطبيبة الجرّاحة والنفسية أيضاً ان تُمهر كل ما سلف بابحاث علميّة وحقائق لازال المجتمع يتهرّب من تعميمها ، وذلك خدمةً لإستمرار تهميش النساء وتحجيمهن بدءً من الوضع الأُسَري، وأبسط الأمثلة التي بثّتها السعداوي منذ عقود في الوعي العام، هو ما تفنّده علميّاً حول جنس الجنين في كتابها"المرأة والجنس"، في حين ظلّ المجتمع حتى يومنا هذا ورغم ظهور الانترنت وتوافر المعلومات والأبحاث ، ظلّ مبتعداً  عن القراءة والمعرفة ومستسلماً للخرافة ومفاهيم متوارثة مثل مسؤولية المرأة عن جنس الجنين والعذرية كمقياس للشرف.

ومقياس الشرف الحقيقي هو الصدق كما تقول السعداوي التي

وضع فِكرها تأثيره على شريحة واسعة من القرّاء والمهتمين الرجال، أيضاً، كفكر نضالي تحرّري من صلب مجتمعات مستَتبعة سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً، ذلك لما يتضمّنه فِكرها  من تفنيد بحثي سياسي وطبقي لتعاقب السلطة الأبويّة والعنصرية على مجتمعاتنا وإن اختلفت أشكال هذه السلطة ومظاهرها "العصرية" في أمكنة ما.

نقول هذا لنعود إلى صُلب قضية الحريّة التي تبدأ بالنساء والعبيد كأدوات لتكريس السلطة الذكورية، إذن ليست نَسَوية بالمعنى التحجيمي في انها موجّهة لبنات جنسها لتحسين شروط عبوديتهنّ. وربما ضلّت كثيرات من الناشطات الطريق فحصرت ادوارها مثلاً في لجان للمرأة إقتصر دور هذه اللجان على الأشغال اليدوية وحفلات وموائد لجمع التبرعات حتى يومنا، الأمر الذي مارستهُ أحزاب قامت على أسس تحرّرية ولكن قادت نفسها مع جماهيرها إلى الفشل والهزيمة نفسهما.

إذن على المجتمع أن يقرأ، ويقرأ نوال السعداوي في فكرها البنيوي وهي الرائدة في الثورة والحرية، هنا تعود مفاهيم النسوية ككلّ، لا كجزء مستتبع، وككلّ يخلصنا جميعاً من أشكال وأُطُر العبودية والخوف وإلبغاء الجسدي والسياسي.

 تعرّفت إلى كثيرات مثلي، اي من النساء اللواتي قُلن لي أن نوال السعداوي صنعت إنقلاباً في حياتهنّ، وأقول شخصياً انها غيرت مجرى حياتي، ولكنّ تبقى معركة نوال السعداوي قائمة بما تفرزهُ مجتمعاتنا من حروب ولجوء وفقر، ثمّ ثورات و"ثورات مضادّة" من قهر وإستبداد.. وعلى غرار عنوان كتابها "الأنثى هي الاصل" فالتغيير يبدأ من القاعدة، والنسويّة ليست تَرَفاً، وحُكماً، هي الأصل.

 

نداء عودة

الوسوم