بيروت | Clouds 28.7 c

قراءة في لقاء البابا مع السيستاني قُبيل ذكرى مبعث النبي صلى الله عليه وآله / بقلم السيد صادق الموسوي


مجلة الشراع 12 آذار 2021

 

جاء اللقاء التاريخي بين رأس الكنيسة الكاثوليكية والمرجع الأعلى للطائفة الشيعية في أعقاب حقبة نفخ فيها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب  بكل طاقته في نار العنصرية البغيضة حتى أدى ذلك إلى المواجهات الدموية بين العنصريين البيض ومواطنيهم من ذوي البشرة السوداء في الولايات المتحدة...

وصبّ جام غضبه على الأمة الإسلامية من خلال إصدار مراسيم تمنع العديد من مواطني الدول الإسلامية من السفر إلى أمريكا، والتركيز بالخصوص على أبناء الطائفة الشيعية من جميع الجنسيات والذين صار يُشار إليهم بالبنان على أنهم " متطرفون " و " إرهابيون " و " قريبون من إيران " و " متعاطفون مع المقاومة في لبنان "!

وجاءت النتيجة لهذا اللقاء الفريد من نوعه أن عرف العالم كله أن لا مشكلة أساسية بين المسيحية كدين والإسلام المنطلق من مذهب أهل البيت عليهم السلام.. وتوصيفات البابا لشخصية آية الله العظمى السيستاني بعد الخروج من منزله المتواضع المستأجَر الواقع في إحدى أزقة مدينة النجف الضيقة وبيانه مدى تأثره بزهد الرجل وتواضعه وكثير من التعابير الجميلة التي قالها البابا عن المرجع الشيعي الأعلى..

 بل إن مجرد حصول هذا اللقاء ونشر صور الرجلين على مختلف شاشات العالم وهما يجلسان بكل أدب وتواضع أمام بعضهما، ثم مشهد التصافح باليدين معاً  على الرغم من وجود مخاطر كبيرة على صحّة الرجلين الكبيرين في السن بسبب تفشي فيروس كورونا في العراق بشكل كبير، كل ذلك سوف يؤدي حتماً إلى إطفاء نار العداء بين المسيحيين والمسلمين والشيعة بالخصوص والتي حاول كثيراً الرئيس الأمريكي السابق المعتوه ومَن وراءه إشعالها.

إن منهجية السيد السيستاني منذ العام 2003 وبعد سقوط نظام صدام حسين في العراق هو:

 استيعاب كافة الفئات المتنوعة والتعامل مع مختلف الأطراف الفاعلة والتلاقي مع أصحاب التوجهات الفكرية المتعددة، وهذا ما جعله المحور الأساس في الساحة العراقية وصاحب القرار الأول غير الرسمي لهذا البلد، وعلى الصعيد الديني فإن عشرات الملايين من المتدينين من أبناء الطائفة الشيعية حول العالم يلتزمون بفتاواه ويعملون وفق ما يستنبطه من المصادر المعتمدة لاستخراج الأحكام الشرعية، وإنه تمكن بأدائه الذكي هذا أن يستقطب تأييد باقي مراجع الدين في العراق وفي إيران ويثير إعجاب مقلديهم في كافة بلاد العالم.

إن تأثير حصول هذا اللقاء التاريخي جعل باقي القادة الروحيين في العالم من المسلمين وغير المسلمين يفكرون جدياً في اللحاق بالركب والتوجه نحو العراق للقاء هذه القامة الشامخة وهذا المرجع العظيم، وإذا حصل هذا الأمر سيكون أثره الإيجابي كبيراً جداً في وقت تعمل الصهيونية العالمية ووسائل الإعلام التي تحت إشرافها منذ قرون على بث العداوة بين أتباع الديانات السماوية من جهة وإثارة البغضاء في صفوف أبناء الأمة الإسلامية الموزعين على المذاهب المتعددة، وذلك لكي ينشغل العالم كله بالمواجهات العبثية والحروب المدمرة وتتم تطبيق حلقات المؤامرات الصهيونية واحدة بعد أخرى وتنفّذ الخطط الخبيثة لأعداء البشرية خطوة خطوة وكل دولة مشغولة بأوضاعها الخاصة ومتورطة في أزمتها نفسها، وكل فئة من المسيحيين تشعر بالخوف من المسلمين في مختلف البلاد، وكل مسلم من مذهب ينظر إلى أخيه المسلم من مذهب آخر على أنه العدو الأول قبل الكفار، وتكون النتيجة أن زالت من النفوس العداوة للذين احتلوا بالقوة أرض فلسطين وشردوا أهلها إلى كافة أصقاع الأرض، ودنسوا القدس الشريف، واحتلوا مولد السيد المسيح عليه السلام ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وآله ومبدأ معراجه إلى فوق السماوات حتى بلغ الأفق الأعلى وكان من ربه قاب قوسين أو أدنى، بل إن طائفة من المسيحيين أصبحوا يعتقدون بوجوب مساندة اليهود وتقديم الدعم الكامل للصهاينة ليتمّ التعجيل في نزول المسيح الموجود منذ حوالي 2000 عام في السماء، وإن بعضاً من أبناء المسلمين صاروا يعطون الأولية المطلقة لتصفية الحسابات الداخلية والجهاد ضد إخوانهم في الدين لأنهم بزعمهم يشكلون خطراً داهماً فيما الخطر الصهيوني الحقيقي بعيد عن تلك الدول من حيث المسافة، ولوجود نقاط إلتقاء كثيرة ومصالح مشتركة عديدة بين هذه الدولة وتلك وبين الكيان الغاصب للأرض المقدسة.

ولأجل تسويق الفكرة وتبرير الخطوة وإسكات المعترضين،

 إنبرم بعض الساقطين ممن بيدهم الأقلام، وربما يُطلون على بعض القنوات الفضائية ليُنكروا وجود المسجد الأقصى الذي أسرى الله بعبده محمد صلى الله عليه وآله إليه في أرض فلسطين، بل قال بعضهم بأحقية المحتلين المستجلَبين من مختلف بقاع العالم في هذه الأرض من القاطنين فيها هم وآباؤهم وأجدادهم منذ قرون، وجاءوا لأجل تبرير فعلتهم ببعض الآيات من القرآن الكريم ليوهموا العوام من الناس بأن ما يفعلونه ليس محرماً في الشرع الحنيف، وتم تسخير بعض أصحاب العمائم من هنا وهناك ليغلّفوا الخطوات السياسية بالغطاء الديني عبر إلقاء الخطابات على القنوات الفضائية واستغلال منابر الجمعة، فأصبح المواطن المسيحي الذي يعتقد أن اليهود قد صلبوا إلهه وهو الآن في السماء بعد قيامته وخروجه من قبره لا يحقد على من فعل الجريمة الكبرى والراضين بفعلتهم، والمسلم الذي يعتقد أن الرسول الأعظم صلى الله عليه واله قد سممته يهودية بعد فتح خيبر عن طريق ذراع شاة مصليّة أهدته إليه، وأن آثار ذلك السمّ كانت تعاود عليه على رأس كل سنة حتى تمكنت منه في المرة الثالثة، وقد مات النبي صلى الله عليه متأثراً بالسمّ، تناسى الدور اليهودي التاريخي الخبيث بحق أشرف من خلق الله من الأولين والآخرين، وسكت المسيحي والمسلم على حد سواء على هتك حرمة رمزين مقدسين بكل ما للقداسة من معنى على أيدي مجرمين قبل بضع سنين من خلال احتلال الأرض المقدسة في فلسطين، ومن ثم استقبال أكثر الصهاينة إجراماً وبصورة رسمية على أرض البلاد الإسلامية من دون أي خوف من غيرة مسلم يرى أشد الناس عداوة لدينه متواجداً في داره أو حمية عربي يتذكر الجرائم الوحشية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في فلسطين الحبيبة والمذابح الجماعية التي قامت بها منذ ما قبل عام 1948 وهي مستمرة حتى اليوم في قتل الفلسطيني بدم بارد وأمام الملأ عبر إلقاء التهمة عليه بأنه كان يشكل خطراً محتملاً على حياة الجندي أو المستوطن الصهيوني.

إن العالم المسيحي قد نسي دور اليهود في ارتكاب أكبر جريمة حسب اعتقاده، وجاء البابا بنديكت السادس عشر في العام 1917 ليبرّئ اليهود من دم السيد المسيح..

 وإن العالم العربي والإسلامي هما على وشك حذف الآيات القرانية التي لا تناسب مزاج الحلفاء الجدد من المصاحف المتداولة بين المسلمين، والتدخل لوضع إسم طائفة مسلمة مصداقاً لـ: ( المغضوب عليهم ) في ترجمة بعض اللغات الأجنبية بدل اليهود الذين عناهم الله سبحانه وتعالى عند التنزيل.

إن المرجع الديني الشيعي،

 قذ تحدث أمام رأس أهم كنيسة في الدنيا مختلف القضايا التي يجب الإهتمام بها في العالم بعبارات عامة..

 لكنه،

 توقف عند قضية فلسطين بصورة خاصة حيث ذكرها بالإسم..

 ثم قام ببيان مظلومية الشعب الفلسطيني بتفصيل وإسهاب..

علماً أنهم ليسوا من الشيعة..

ولم يتطرق بالتفصيل إلى الجرائم التي تُرتكب يومياً بحق أبناء طائفته في دول عديدة، ولم يُسمِّ أياً من تلك الدول الجائرة، وذلك في وقت نرى المتصدين للقيادة الدينية لباقي الطوائف الإسلامية لا يتفوهون بكلمة واحدة اعتراضاً على عمليات التطبيع المتسارعة، ولا يصدرون مواقف لكبح سرعة المهرولين للإرتماء في أحضان الصهاينة على الأقل إن لم يستطيعوا من إيقافها، بل إن بعض المؤسسات الدينية قد تحولت بصورة كاملة ومع الأسف الشديد إلى أدوات لتسويق إرادات الحكام، والتغطية على ممارسات أصحاب السلطة هنا وهناك، فإذا قررت سلطة معاداة دولة أو الخصام مع جماعة خرجت فوراً الفتاوى بوجوب الجهاد في سبيل الله وضرورة المسارعة للمشاركة في القتال طلباً لرضى الله سبحانه وتعالى وأملاً في نيل جوار رسول الله صلى الله عليه وآله، ولمّا تؤول الأمور إلى الوئام والمحبة بين أعداء الأمس يبادر نفس أصحاب الفتوى السابقين إلى بيان ضرورة التآخي بين المسلمين ووجوب الإعتصام بحبل الله ونبذ التفرقة بين الإخوة في الدين.

وإن الإمام الخميني الراحل الذي أعلن بعد أيام من انتصار الثورة الإسلامية في إيران يوماً خاصاً باسم القدس أراد أيضاً التركيز على القضية المركزية للأمة الإسلامية وهي قضية فلسطين، لكن الأعداء قاموا بشن الحروب عليه، وفرض أشد الحصار، وإعلان شتى انواع العقوبات، ورميه بمختلف الإتهامات الباطلة.

لقد تم تركيز الأعداء على الجمهورية الإسلامية في إيران ليجعلوا منها العدو الأول لباقي الدول في المنطقة، والخطر المباشر ضد أصحاب المذاهب والنِّحل الأخرى، وانطلقت الأبواق المأجورة لتصور الشيعة على أنهم الخطر الحقيقي على وجود باقي المذاهب الإسلامية، وبعد تكريس حالة العداء في النفوس وتجذير الشقاق في الصفوف بات من السهل التطبيع مع الكيان الصهيوني بحجة أنه لا يعادي هذه الدولة بعينها ولا يخاصم هذه الطائفة بالخصوص، ولم يطلق قط رصاصة واحدة على هذا البلد بالتحديد، وهذا هو وحده يبرر تجاوز حالة العداء القديم معه من قبل حكام تلك الدول، بل وإعلان التحالف مع الكيان المغتصب للأرض العربية وعقد اتفاقات عسكرية مع المنتهك لحرمة المسجد الأقصى المبارك ضد بلد في جوارهم يتشاركون معاً في الهواء والماء وبينهم عشرات المصالح الأخرى، وتجمعهم العقيدة الإسلامية في أكثر من 90٪ من أصول الدين والفروع، ونقاط الإختلاف لا تنحصر فيما بين علماء هذا المذهب وذاك بل إن الإختلاف في الرأي أمر شائع بين علماء كل مذهب بعينه وطائفة بذاتها بناءً على استنباطات كل واحد منهم من المصادر المختلفة..

لكن،

 وساوس شياطين الجن والإنس تعمل بجدّ على تنشيط عامل اختلاف مذهبي هنا، وخلق عداء قومي هناك، وإشعال حرب طائفية هنالك، فيتنازع أهل الملة الواحدة المنتمون إلى المذاهب فيما بينهم لأن كلاً منهم يرى أنه الحق المطلق، وأن الطرف الآخر مهدور دمه، ويتقاتل أبناء العرق والدم الواحد والناطقون بلغة الضاد أشرس قتال متهماً كل طرف لأخيه بأنه خائن للعروبة، أما أتباع هذا الدين وغيره فإنهم يستشرسون في قتال من ليس على ملتهم لأنهم بذلك يدخلون جميعاً ( جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب )، وتكون النتيجة ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس )

إن هذا اللقاء التاريخي بين الرجلين،

لهو رسم خارطة جديدة لكيفية التعامل من جانب المسيحيين مع المسلمين في البلاد قاطبة، أما المسلمون فإنهم لا يحتاجون إلى توصية لأنهم بأمر من ربهم لا يفرّقون بين أحد من رسله، بل إن القرآن الكريم يحدد حتى طريقة  تعامل المسلمين مع غيرهم من أتباع الديانات السماوية بقوله:

( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن )،

 بل إن جزءاً من مشروعية الدين الإسلامي مكتسب من التوراة والإنجيل الذين بشّرا ببعثة النبي الخاتم في آخر الزمان والذي نحن اليوم نُحيي هذه المناسبة، وحتى أن اسم الرسول الأعظم قد ذُكر بكل صراحة في مختلف الكتب السماوية التي سبقت ولادته بقرون، بل وتحددت بالتفصيل مهامه ومناهجه مسبقاً، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة:

( الذين يتّبعون الرسول النبي الأمّي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويُحلّ لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبآئث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ).

وإذا استمر الحال على هذا المنوال فإن مستقبل البشرية سيكون واعداً، وتتوقف الحروب كما طالب به البابا، وينتهي دور السلاح القاتل للشعوب المقهورة والمدمر لمعالم الحضارات الغابرة، وهذا ما نتمناه ونسال الله سبحانه وتعالى أن يُوفق المسيحيين والمسلمين في كافة أرجاء العالم ليكونوا يداً واحدة لتطبيق ما توافق عليه الرمزان الكبيران للأمة المسيحية والأمة الإسلامية ( إنه على كل شيء قدير ) صدق الله العلي العظيم .

السيد صادق الموسوي

وكلمة من الشراع 
نشرت الشراع هذه المقالة للسيد صادق الموسوي على مسؤليته وهذا يعني انها اتاحت مساحة حرة للنقاش حولها من دون تبنيها بالكامل 
ونحن نوضح - على سبيل النقاش - ان عبارة غير المغضوب عليهم ولا الضالين التي وردت في ختام سورة الفاتحة في القرآن الكريم لا تعني جنساً بشرياً اياً كان انتماؤه الديني .. بل ان بين المسلمين من هو مغضوب عليه وضال كما بين المسيحيين كما بين اليهود كما بين المجوس والزرادشتيين والصابئة والبوذيين .. وليس شرطاً ان يكون المغضوب عليهم هم من اليهود وان يكون الضالين من المسيحيين كما ذهب فقهاء هم الذين ضللوا المسلمين منذ 1400 سنة

 

الوسوم