بيروت | Clouds 28.7 c

ديب بلع منجل.. / من صفحة أحمد طبارة على الفايسبوك

مجلة الشراع 21 شباط 2021

 

كتبت في 5/1/2004 ما يلي :

منذ سنوات ونحن نحلّل ونفسّر ونستفسر، نستنفر الطاقات ونستفز العصبيات ، ندافع بالكلام عن الناس ونهجم بالعقل على قوت الناس ، نعقد المؤتمرات لحل المشكلات بالقول ونحيك المؤامرات لتزداد المشكلات بالفعل .. والناس كما في الرّمال المتحركة ... تغرق.

منذ سنوات ونحن نأكل لحم المواطن والمواطن أصبح يبحث عن آكله ، ولم يعد يعي أنه مأكول في الأحوال كلّها ، همّه ضبط الآكل ونسي أنه هو المأكول .

يخرج المحللون الاقتصاديون بتفاسير ودواوين وشرح وتشريح وفصاحة لغوية وأرقام مركبة، والمواطن مشدوه ينتقل بعينيه وأذنيه من تلفزيون زيد إلى شاشة عمرو بحثاً عن حق أو حقيقة أو معرفة .وإذا به ينتقل من حالة الهبل إلى حالة (السطلنة) ، وإذا ما استيقظ وإقترب من حالة الوعي ضُغط على عصبيته الطائفية ، فنسي حاله وركض باحثاً عن وجود الله بين أعمدة الكنائس ومآذن الجوامع .

ماذا يجري ؟

ثرثرةٌ اقتصادية على ضفاف الحقيقة ، والحقيقة كالشمس في كبد السماء ..(مركب مثقوب) تديره منذ انتهاء الحرب الاهلية مجموعة مؤمنة بالعجائب ، هبطت علينا بفانوسها السحري لتحل تراكم انحلال وتفتت واقتتال . جاؤوا بفانوسهم السحري ولا عجب إذ آمن بهم المنهكون.

زبائن(فاطمة البصارة) كلهم منهكون يبحثون عند التبصير بالفنجان عن من :

يستحضر الكهرباء قبل بناء ناطحات السحاب ، ويفرح الأولاد قبل زيادة الاقساط ، ويعيد الهاربين من الحرب إلى ديارهم ، ويزيد عدد العمال العاملين ويكثر حجم المستثمرين الشرفاء، ويخفف ضجيج الأجراس والمآذن بدل التناطح بين الجرس والمئذنة للوصول الى السماء ، وتقوم البنوك بالتعاون مع أهل البلد ، وينتخب الناخب من يراه مناسبا ،ويقل الكلام المطنطن على التلفزيون ، ويكثر العمل الدؤوب ، وتخف الصحافة التصويرية ،ويكثر الكلام الرصين .

فرَكت المجموعة المؤمنة بالعجائب فانوسها السحري ، فاذا بالكهرباء لا تزال منقطعة وبواخرها في البحر منتظرة ، وبدل أن نرى أولاداً فرحين نرى أمهات عابسات ، وبدل أن يعود الهاربون من الحرب ازداد الهاربون من البطالة ، وبدل ازدياد العمال العاملين كثر عدد العمال العاطلين ، وبدل أن تتعاون المصارف مع الناس  أصبحت المصارف مموّلة للدولة كي تدفع المعاشات والفوائد ، وبدل أن ينتخب الناخب من يريد انتظر من يدفع له أكثر ،

وبدل صحافة رصينة كثر عدد المصورين في المآدب الفولكلورية .هذا والسلسلة تخنق عنق الدولة والمأجورين والضمان يبحث عن من يضمنه وحنفية الماء جافة والدواليب المعدة للحرق ازداد سعرها .

كنت مع بعض الدراويش في مقهى عتيق ، فأنصتّ إلى كهلين يدردشان بحسرة بعد أن حرما من نعمة التدخين على الهم : سأل أحدهم ما رأيك بحجم الدّين المتراكم على الدولة فقال له الآخر : ما تتدين لتتزين ، على قد بساطك مد اجريك ، ألم تسمع بهذه القصة ، قال له ماهي؟

أجابه : أتى ولد إلى والده مذعوراً وقال له : يا والدي رأيت ديباً يبلع (منجلاً) فأجابه أبوه : (يا ابني بتسمع عويله بالليل) .

الآن وقد بدأ العويل يصمّ الآذان هل لي أن أعيد نشر هذا المقال؟

أحمد طباره

الوسوم