بيروت | Clouds 28.7 c

الغزو المغولي وسقوط بغداد ومعركة عين جالوت /  بقلم عبد الهادي محيسن

مجلة الشراع 17 شباط 2021

 

سجل حلول المماليك محل الأيوبيين تصلبا واضحا في مواقف العالم الإسلامي من الغزاة ، بعدما أظهر أحفاد صلاح الدين مهادنة للفرنج وسرعان ما سيتجلى أن الثورة المملوكية هي بالفعل عملية تقويم عسكرية وسياسية ودينية ، وقد تبين أن خطر أحفاد جنكيز خان أشد وأدهى من الخطر الأوروبي ، وبعد موت جنكيز خان توحد فرسان السهوب تحت لواء ثلاثة إخوة من أحفاده هم منكا وكوبلاي وهولاكو .

أما الأول فعين عاهلا للأمبرطورية في منغوليا والثاني استقر حاكما في بكين استقر الثالث في فارس وطموحه في غزو الشرق الإسلامي حتى شواطيء المتوسط وربما حتى النيل ، وهولاكو شخص مركب من رجل مولع بالفلسفة والعلوم وساع الى مخالطة الأدباء وإذ به ينقلب أثناء حملاته الى وحش دموي متعطش الى الدماء والدمار .

ولا يقل سلوكه في موضوع الدين تناقضا فعلى الرغم من تأثره بالمسيحية – كانت أمه وزوجه ومعاونيه ينتمون الى الكنيسة النسطورية ، فإنه لم يتخل قط عن الشمانية ديانة شعبه المتمثلة في عبادة الطبيعة والقوى الخفية وكذلك كان متسامحا إزاء المسلمين الخاضعين لحكمه ، ومع ذلك فقد شن على أعظم حواضر الإسلام حرب تدمير شاملة

في مرحلة أولى طلب هولاكو من الخليفة المعتصم أن يعترف بسيادة المغول المطلقة كما قبل أسلافه السلاجقة ، إلا أن المعتصم الواثق جدا من هيبته أرسل يقول للغازي أن أي هجوم على عاصمة الخلافة سيؤدي الى إحتشاد العالم الإسلامي بأسره من الهند الى المغرب ، ولم يتأثر حفيد جنكيز خان بالقول فقد أعلن عن نيته أخذ المدينة بالقوة وسار في نهاية العام 1257 م في مئات الألاف من الفرسان الى العاصمة العباسية .

أدرك الخليفة هول الخطر فعزم على التفاوض وعرض على هولاكو أن يغدق عليه لقب السلطان ويذكر إسمه في مساجد بغداد وكان الأوان قد فات فقد اختار المغولي سلوك طريق القوة وماهي إلا أسابيع من المقاومة الباسلة حتى اضطر أمير المؤمنين الى التسليم ، وفي العاشر من شباط 1258 م حضر بنفسه الى معسكر المنتصر وانتزع وعدا بالإبقاء على حياة أهل بغداد بأسرهم إذا هم وافقوا على إلقاء السلاح .

وما أن ألقى المقاتلون المسلمون سلاحهم حتى أبيدوا عن بكرة أبيهم ثم انتشرت جحافل المغول في المدينة الرائعة هدما للمباني وحرقا للأحياء وذبحا بلا رحمة للرجال والنساء والأطفال ولم يسلم من المعمعة سوى الطائفة المسيحية بعد تدخل زوجة الخان ، وتلقى أمير المؤمنين حتفه خنقا وأغرقت نهاية الخلافة العباسية المفجعة بالذهول .

 واصل التتار مسيرتهم المظفرة باتجاه بلاد الشام ففي العام 1260 م هاجم جيش هولاكو مدينة حلب وانهالت عليها كما بغداد المذابح وما هي سوى أسابيع حتى كان الغزاة على أبواب دمشق وما كان على صغار الملوك الأيوبيين الذين كانوا يحكمونها أن يقفوا سدا في وجه السيل وعزموا على الاعتراف بسيادة الخان الأعظم المطلقة وانقسمت آراء المسيحيين بين شرقيين وغربيين ووقف الأرمن بشخص ملكهم هتهوم في صف المغول

كان الشعور السائد في الشرق كما في الغرب أن الحملة المغولية نوع من حرب مقدسة تشن على الإسلام وقد دعم هذا الشعور أن كيتبوكا وهو نائب هولاكو الرئيسي في بلاد الشام مسيحي نسطوري ولما سقطت دمشق كان الذين دخلوها ظافرين وسط استنكار العرب ثلاثة أمراء مسيحيين هم بيمند وهتهوم وكيبتوكا .

وغداة سقوط الشام بادر فصيلان مغوليان الى احتلال مدينتي نابلس في وسط فلسطين وغزة في الجنوب الغربي وبدا أن مصر نفسها لن تنجوا من الخراب ، في الوقت الذي كانت جحافل هولاكو تزحف الى بلاد الشام حمل انقلاب في مصر قطز الى الحكم وهو رجل ناضج وحيوي  وضع البلاد فورا على أهبة الحرب ومنذ تموز 1260 م دخل جيش مصر القوي فلسطين لمواجهة العدو .

اضطر هولاكو بعد موت أخيه مونكا الى الرجوع ببعض عسكره للمشاركة بالصراع المحتوم على السلطة ، في الوقت الذي كان فيه السلطان قطز يسترجع غزة  وتقدم نحو عكا فعقد تحالف عدم اعتداء مع باروناتها  يسمح للجيش المصري بالمرور على أراضيهم والتزود بالمؤن ، وبينما كان كيتبوكا خليفة هولاكو يستعد للمسير للقائهم انتهز مسلمو مدينة دمشق الفرصة فرفعوا الحواجز والسواتر الترابية وأعلنوا العصيان .

واحتاج كيتبوكا بضعة أيام لاعادة النظام مما أتاح لقطز أن يقوي مواقعه في الجليل ثم التقى الجمعان بجوار قرية عين جالوت في الثالث من أيلول 1260م وقد وجد قطز مايكفي من الوقت لإخفاء معظم عساكره ولم يترك على ساحة القتال سوى طليعة بقيادة ألمع ضباطه  بيبرس ولم يكن كيتبوكا الذي وصل على عجل مطلعا على الوضع .

وقع كيتبوكا في الفخ فاندفع للهجوم بكل عساكره وتراجع بيبرس فلاحقه المغولي الذي وجد نفسه مطوقا من القوات المصرية التي كانت تفوق قواته عددا وعدة .. وما هي إلا ساعات حتى أبيدت الخيالة المغول وأسر كيتبوكا وقطع رأسه على الفور ومساء الثامن من أيلول دخل الخيالة المماليك دمشق محررين جذلين .

عبد الهادي محيسن .....كاتب وباحث

الوسوم