بيروت | Clouds 28.7 c

هل تتصدر بكركي المطالبة باستقالة عون؟

مجلة الشراع 15 شباط 2021

تعيش بكركي هذه الايام مرحلة مفاضلة وفق معلومات خاصة بـ  "الشراع" بين خيارين ضاغطين عليها في التعاطي مع الموقع الرسمي الاول في البلاد وهو الموقع الماروني الابرز على الرغم من الطابع الوطني العام الذي يرمز اليه باعتباره رأس الدولة والمؤسسات ويفترض ان يكون فوق كل الصّراعات الناشبة والخلافات المستحكمة وحجر رحى في لم شمل اللبنانيين والتعبير عن وحدتهم حاضراً ومستقبلاً...

المفاضلة ليست سوى مجرد نقاش يجري بين عدد من المثقفين والنخب المسيحيين الذين تفتح بكركي ابوابها لهم لسماع ارائهم ورؤاهم، فتأخذ منها ما تراه مناسباً ويخفف في هذه المرحلة الصعبة من الاضرار اللاحقة بلبنان والمسيحيين وتهمل كل ما ترى انه يضر بالمسيحيين ويزيد اوضاعهم تردياً كحال معظم اللبنانيين من كل الطوائف والانتماءات.

الخيار الاول المطروح امام بكركي،

هو  تصدر موجة المطالبة باستقالة الرئيس ميشال عون التي تشير التوقعات الى انها قد تنطلق بشكل واسع في وقت قريب..

وهذه المطالبة تقف خلفها نخب مارونية ترى ان رئاسة عون هي المسؤولة عما آلت اليه الاوضاع في لبنان عموماً واوضاع المسيحيين خصوصاً، وان ما شهدته السنوات الماضية من ولاية الرئيس الحالي ستشهد المزيد من النكسات والازمات وستنتهي مع العبث باتفاق الطائف الى واقع مأزوم جديد لن ينتهي الا بتغيير النظام السياسي القائم ودائماً على حساب المسيحيين.

هذه النخب تعتبر ان موجة واسعة لهجرة المسيحيين قد بدأت، وان كل ما قام به عون وفريقه من تحالفات من اجل اقناع المسحيين بان حاضرهم مضمون وكذلك مستقبلهم سقط في سياق الازمات والمناخات التي كانت سياسات العهد محورها...

ولذلك،

فان هذه النخب تدعو الى استقالة عون والعمل على تنحيه وتطالب بكركي بان تتولى مهمة قيادة هذه الحملة لضمان وصولها الى تحقيق اهدافها.

المطالبة باستقالة عون كان ألمح اليها ايضا النائب السابق وليد جنبلاط في  اكثر من حديث اعلامي اجري معه  وان كان ربط هذه المطالبة بغطاء البطريركية المارونية الذي استبعد امكانية توافره، وموافقة اطراف مسيحية مؤثرة يتقدمها رئيس حزب القوات سمير جعجع!

الا ان كل ما يعلن صراحة وعلى الملأ في هذا الصدد لا يوازي ما يتم تداوله في الغرف المقفلة لعدد من الاوساط السياسية والحزبية، وثمة حذر  بالتداول علناً بمطلب ازاحة عون بسبب ما آلت اليه الامور والاوضاع في عهده نتيجة السياسات والتوجهات المتبعة من قبله ومن فريقه والتي ادت الى تحويل السنوات الاربع السابقة من عمر ولايته الى "جهنم"، ووضعت العهد في مرتبة الاسوأ في تاريخ لبنان...

اما سبب الحذر فمرده الى الخشية من سقوط المطلب في مستنقع التطييف ودفع المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً الى تصوير الامر بانه استهداف لهم ولكرامتهم ودورهم وموقعهم، وهو ما كان يحدث في فترات سابقة عندما كان المتضرر من اي تغيير يلجأ الى طائفته من اجل حماية نفسه وتحصين موقعه وعدم السماح بالمس به.

ولهذا السبب،

فان المطالبين او الساعين للاطاحة بعون من غير الطوائف المسيحية يريدون للمراجع والاحزاب والقوى المسيحية ان تكون سباقة في الاعلان عن ذلك لضمان عدم تطييف المطلب الذي يرون انه بات حاجة وطنية ملحة من منطلق الخشية من ان يكون ما تبقى من ولاية عون اكثر سوءاً وخطورة على الوضع في لبنان مما كان عليه الامر خلال السنوات الماضية.

وبعد فشل مبادرة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الاخيرة للدفع باتجاه تشكيل حكومة جديدة، فان ما يجري الحديث عنه من قبل مصادر واسعة الاطلاع هو ان عون لم يلتزم بما كان وعد البطريرك به عندما زاره في بعبدا عندما ابلغه بانه سيوافق على التشكيلة التي طرحها الرئيس المكلف سعد الحريري الذي كان قصد بكركي لهذه الغاية.

فبناء على هذا الوعد عقد اللقاء الثالث عشر بين عون والحريري الذي خرج فيه الاخير ليعلن عن تفاؤله بولادة الحكومة قبل عيد الميلاد، الا ان ما حصل في اللقاء الرابع عشر في نهاية العام المنصرم بينهما عكس تراجع رئيس الجمهورية عما كان تعهد به للبطريرك واشترط الحصول على حقائب العدل والداخلية والدفاع والطاقة في الحكومة الجديدة، وهو أمر صار معروفا وخصوصاً لجهة الاتهامات التي وجهت الى النائب جبران باسيل والمستشار سليم جريصاتي بالوقوف وراء عدم التزام عون بالوعد الذي قطعه للراعي وتراجعه عنه.

وهذا الامر اثار حفيظة واستياء البطريرك الذي كان يعتقد ان الامور حلت وان ولادة الحكومة صارت على السّكة، مما دفعه الى توجيه انتقاداته بشكل صريح لعون وان كان حمل الحريري جزءاً من المسؤولية في ما حصل، والباقي معروف لجهة عدم توجه رئيس الجمهورية الى كنيسة بكركي لحضور قداس الميلاد كما جرت العادة بحجة الظروف التي فرضها تفشي فيروس كوفيد – 19.

ومن المؤكد ان موقف بكركي من عون لا ينحصر فقط بإفشال مبادرته، فهو يتعلق ايضاً بحال البلاد واوضاعها والمخاطر التي يحذر الراعي في خطبه دائما من وقوعها لاسيما بعد تفجير المرفأ في الرابع من اب – اغسطس الماضي.

واذ يتلطّى البطريرك دائماً في توجيه انتقاداته الى الطبقة السياسية ككل من اجل انتقاد الرئيس ميشال عون وادائه، فانه كسر هذا التقليد في رسالته بعد افشال مبادرته بالتحدث مباشرة عن دور رئيس الجمهورية وادائه في تأخير تشكيل حكومة تحتاجها البلاد اليوم قبل الغد لتدارك المزيد من الازمات والبدء في عملية انقاذ فعلية وجدية وبما يلبي شروط المجتمع الدولي لمساعدة لبنان وما نصت عليه المبادرة الفرنسية التي تحظى بتأييد ودعم مطلق من الفاتيكان.

وبات اللبنانيون على موعد كل اسبوع بموقف او اكثر للراعي وهو يوجه انتقاداته الى الرئاسة الاولى وان كان يقوم بذلك باسلوبه او الطريقة المعهودة من بكركي، وهو امر يعكس حقيقة ان البطريركية المارونية طفح كيلها من رئيس الجمهورية وانه ماضية في دعوته الى القيام بما عليه القيام به من اجل تسهيل تشكيل الحكومة.

اما الخيار الثاني،

فهو الحفاظ على التقليد المتبع من بكركي ازاء الرئاسة الاولى والتمسك ببقاء رئيس الجمهورية  من دون الموافقة على المطالبة باستقالته او تنحيته.

واكثر الامثلة وضوحاً في هذا السياق هو الموقف الذي اتخذه البطريرك الماروني الراحل الكاردينال نصرالله بطرس صفير والرافض لازاحة الرئيس اميل لحود او الدعوة لاستقالته بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 وما اعقب ذلك من اصطفافات وانقسامات واحتجاجات ضد رئيس الجمهورية في ذلك الحين.

وثمة امثلة اخرى في هذا السياق، تشير بوضوح الى ان بكركي كانت دائماً الحصن الاساسي في الذود عن موقع الرئاسة الاولى بصرف النظر عن الاعتبارات التي تتعلق بالعلاقة بين هذه الرئاسة والبطريركية كما كان الحال في علاقة لحود وصفير.

ولذلك،

فان مصادر سياسية مسيحية رافضة للمس بموقع الرئاسة الاولى، ترى انه من الخطأ الرهان على موقف بكركي في هذا الموضوع، مشيرة الى انه ليس هناك سوى خيار واحد ووحيد امام البطريركية المارونية وسيدها وهو الالتزام بموقفها الثابت والتاريخي ومهما كانت الظروف والاعتبارات...

وهذا الموقف هو:

دعم رئيس الجمهورية بصرف النظر عن هويته او اسمه او توجهاته ورفض المس بموقع الرئاسة التي تعتبرها الحصن الحصين للدفاع ليس فقط عن حقوق المسيحيين بل وايضاً عن وجودهم ومصيرهم في لبنان خصوصاً وان موقع رئاسة الجمهورية هو الوحيد للمسحيين في المنطقة كلها.

 

الوسوم