بيروت | Clouds 28.7 c

"الأخوّة الإنسانية" / بقلم: عبد الحسين شعبان

مجلة الشراع 10 شباط 2021

 

          احتفل العالم لأول مرة باليوم العالمي للأخوّة الإنسانية ، وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت قراراً في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2020، أعلنت فيه اعتبار 4 فبراير (شباط) اليوم العالمي للأخوّة الإنسانية، وذلك استجابة لمبادرة تقدّمت بكل من دولة الإمارات العربية المتّحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ومملكة البحرين، وكانت أبو ظبي قد احتضنت لقاءً تاريخياً جمع قداسة البابا فرنسيس (بابا الكنيسة الكاثوليكية ) وفضيلة الشيخ  د. أحمد الطيّب (شيخ الأزهر الشريف) وأسفر اللقاء عن توقيع " وثيقة الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" في 4 فبراير (شباط) 2019 .

           ويكتسب الاحتفال هذا العام أهمية كبرى، لاسيمّا وإن العالم يواجه جائحة كورونا "كوفد-19" حيث تزداد الحاجة إلى الوحدة في مواجهة الوباء وإلى التضامن والتعاون وتقديم المساعدة المختلفة للتصدّي لها ، علماً بأن قرار الأمم المتّحدة أكدّ على المساهمات القيّمة للشعوب من جميع الأديان والمعتقدات ، وأشار إلى دور التعليم في بناء قيم التسامح وتعزيزها والقضاء على جميع أنواع التمييز القائم على أساس الدين والمعتقد، كما أشاد بأهمية الدعوة للحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة.

          جدير بالذكر أن أبو ظبي كانت قد استضافت في 4 فبراير (شباط) 2019 المؤتمر الذي نظمه مجلس حكماء المسلمين بهدف تفعيل الحوار مع الآخر للتعايش والتآخي بين البشر وتعزيزه عالمياً، وهو المؤتمر الذي وضع ضمن أهدافه التصدي للتعصّب ووليدة التطرّف، ولا سيّما الفكري، وإذا ما انتقل الأخير إلى الفعل سيصبح عنفاً وحين يضرب عشوائياً يصير إرهاباً، وذلك بتأكيد علاقات الأخوّة الإنسانية التي ينبغي أن تُرسى على أسس جديدة قوامها احترام الاختلاف والتمايز والكرامة الإنسانية من أجل العيش المشترك والسلام العالمي، وهو أمر يقع على عاتق القيادات السياسية والمؤسسات الدينية والمنظمات العالمية والمحلية لكل من المسيحيين والمسلمين كما  جاء في نص الوثيقة.

          وسلطّت الوثيقة الضوء على عدد من الثوابت كما أسمتها ، من أهمها أن التمسك بالتعاليم الدينية الصحيحة التي تدعو إلى قيم السلام والتعارف والأخوّة والعيش المشترك، الذي من شأنه أن يعزز قيم الحريّة ، ولا سيّما حريّة المعتقد والتعبير والتفكير لكل إنسان، فضلاً عن الإيمان بالتعددية والمواطنة المتساوية والعدل للجميع، والاعتراف بحقوق المرأة والطفل والمسنّين والضعفاء ، ناهيك عن رفض الإرهاب والاعتداء على دور العبادة.

          وبقراءة ارتجاعية إلى حيثيّات الوثيقة ارتباطاً  بكلمات شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، ندرك الرسائل المهمة التي حاول كل منهما وعلى نحو متكامل توجيهها، وكانت دعوة الأزهر قد تضمنت أربعة أركان، أولها- الموجّهة إلى المسلمين بالانفتاح على المسيحيين مذكرّةً بالعلاقات التاريخية بينهم منذ فجر الإسلام، وثانيها- إلى مسيحيّي الشرق بالقول: أنتم جزء من هذه الأمة...وأنتم مواطنون كاملو الحقوق والواجبات ... ولستم "أقليّة" ، وثالثها - إلى أتباع الديانتين بالدعوة إلى الوحدة باعتبارها "الصخرة التي تتحطم عليها المؤتمرات"، ورابعها - إلى المسلمين في الغرب، بدعوتهم إلى الاندماج إيجابياً في مجتمعاتهم بالمحافظة على هويّاتهم الدينية من جهة،  والحفاظ على قوانين المجتمعات التي يعيشون فيها من جهة أخرى.

          وكانت دعوة البابا فرنسيس للأخوّة الإنسانية بقوله : إن كل الناس متساوون في الكرامة، فلا نستطيع عبادة اللّه دون احترام كرامة كل إنسان وحقوق كل فرد ، لأن اللّه لا ينظر إلينا بعين التفرقة التي تُقصي، بل بعين حاضنة للجميع، وركزّ البابا على حرّية المعتقد وحق الاختلاف معتبراً التعدديّة مشيئة الحكمة الإلهية مشيراً إلى أهمية العيش معاً لمواجهة التهجير والجوع والحروب والأوضاع غير الإنسانية .

          الوثيقة التي وقعها شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان ، هي أول وثيقة في التاريخ توقّع بين مسيحيين ومسلمين بهذه الرمزية على نحو متكافئ أساسها الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والدفاع عن قيم السلام والتسامح؛ وهي رسالة حضارية  ضد الكراهية في لحظة حساسة من لحظات التأمل في المصير الإنساني ، الذي استوجب شحذ الأمل وصولاً إلى كسر الحواجز والتابوات بين المجتمعات وأتباع الديانات والثقافات المختلفة وتعزيز التواصل حول القيم والحقوق الإنسانية ، لاسيَما بالحوار والتفاعل.

          والاحتفال من جانب الأمم المتحدة يُعدُّ اعترافاً كونياً للإنجاز التاريخي الذي حققته الوثيقة بمضامينها الإنسانية ، الأمر الذي يستوجب نبذ التصورات النمطية إزاء الآخر والعمل على بناء الجسور للتعاون والتضامن ضد العنصرية والتمييز والاستعلاء والاستتباع وجميع مظاهر عدم المساواة والتنكر لحقوق الإنسان، ولعل منح جائزة زايد للأخوّة الإنسانية للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريس مناسبةٌ لإعادة تأكيد الفاعلية للمشتركات الإنسانية وتعظيم الجوامع وتقليص الفوارق واحترام الخصوصيات في إطار قيم السلام ونبذ العنف ، وهو ما يحتاج العالم إلى تفعيله في جميع الثقافات والمجتمعات ولدى أتباع الأديان المختلفة، بابتكار وسائل جديدة ومبادرات مشتركة بحيث يستطيع الجيل الجديد استلهامها من خلال مناهج تربوية ودراسية ومجتمعية وقانونية تُعلي من شأن ثقافة السلام والتسامح والعدل والمساواة والشراكة  والمشترك الإنساني.

الوسوم