بيروت | Clouds 28.7 c

الفلسطيني، من المقلاع حتى الصاروخ الباليستي/ بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 10 شباط 2021

 

مرّ الشعب الفلسطيني في مراحل مختلفة من الكفاح ضد العصابات الصهيونية التي احتلت أرضه بناءً على وعد " بلفور " البريطاني المشؤوم، وبالتواطؤ مع حكّام وزعماء في المنطقة أوهموا الفلسطينيين أنهم يساندونهم بالسّلاح والعتاد والمال ويشاركونهم في القتال لطرد المحتلين، لكن في كل فترة كان التمدد الصهيوني أكثر وكان الإنهزام من جانب الأطراف التي كانت تدّعي العداء للصهاينة، حتى يكاد أن يكون اليوم كامل فلسطين تحت سلطة الكيان الغاصب...

في قراءة  سريعة في تاريخ الصراع الفلسطيني مع الغزاة والمحتلين نرى التأييد الكامل وبصورة دائمة لسلطة الإحتلال من جانب دول الشرق والغرب..

أما مساندة القضية الفلسطينية فإنها تأتي خجولة ومشروطة ومبتورة، حيث أن أصل وجود " دولة إسرائيل " هو أمر مبتوت فيه، ولا يمكن مناقشته في منطق دول الغرب والشرق على حد سواء، والإختلاف هو في الحدود التي يُسمح للفلسطينيين التحرك في ضمنها!

 فمرّة يكون تأييد إقامة الدولة الفلسطينية في حدود ما قبل حرب حزيران عام 67  ومن ضمنها القدس الغربية..

وفي مرحلة يتم التنازل عن القدس ويكون الإكتفاء ببلدة أبو ديس القريب من المدينة المقدسة كعاصمة للدولة الفلسطينية..

وفي مرحلة يُشترط في الكيان الفلسطيني أن يكون منزوع السلاح، وأن تكون الشرطة الفلسطينية تحت إشراف الكيان الصهيوني..

وبعد فترة يعيّن مقر القيادة الفلسطينية في مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، وهذه المباني أيضاً يفرض عليها الجيش الصهيوني الحصار الكامل ساعة يشاء، ويدخل إليها من دون حاجة إلى استئذان، وفي الوقت نفسه يتمّ طرد آلاف الفلسطينيين من بيوتهم ومزارعهم لأجل بناء مزيد من المستوطنات للصهاينة المستوردين من أقاصي الأرض، وأصحاب الأرض لا يجدون من يقف بصدق إلى جانبهم في كفاحهم للحفاظ على ما تبقّى من الأرض في قبضتهم، حيث كان الخيار الأخير للعرب " السلام في مقابل السلام "، بعد سنوات من طرح مبادرة  " الأرض مقابل السلام "، تلك المبادرة التي قال عنها الصهاينة انها لا تساوي قيمة الحبر الذي كُتبت به.

وكان الفلسطيني في كل مرحلة يُصاب بصدمة، حيث توجّه إلى مقاومته الخناجر من الخلف وفي السر والعلن، ولم يعُد يملك سلاحاً سوى المقلاع الذي به يواجه الجنود الصهاينة المدججين بأحدث الأسلحة، وغير سكين المطبخ الذي به يطعن الجنود والمستوطنين إن استطاع الإقتراب منهم.

وهكذا استمر الوضع المخزي حيث يحصل الكيان الغاصب ومن دون تردد وتحفظ على كل ما يريد من سلاح فتاك وأدوات لقتل الفلسطينيين، فيما تُغلق كل الأبواب أمام المقاوم الفلسطيني إن أراد التسلح بأبسط وسيلة دفاع للمحافظة على نفسه وعِرضه وأطفاله، وتُدمّر الأنفاق التي جازف الفلسطيني بحياته وقام بحفرها بشقّ الأنفس وبالادوات البدائية ليستورد عبرها بعض الإحتياجات الضرورية، ويتمّ إغلاق الحدود مع قطاع غزة ومنع الفلسطيني المريض من الخروج إلى أية دولة للعلاج بمختلف الذرائع.

أما اليوم،

فلم نعُد نشاهد صور المقلاع في مواجهة الفلسطيني مع جنود الإحتلال، بل أصبح بيد الفلسطيني صاحب المقلاع حتى الأمس صواريخ مدمّرة وذكية تصل إلى أية بقعة تخضع لسلطة الإحتلال، وتصيب حتى مقر رئاسة الوزراء في تل أبيب حيث يضطر رئيس الوزراء الصهيوني إلى الإختباء في الملجأ، بل إنه عقد بعض إجتماعات الحكومة المصغّرة فيه خوفاً من سقوط صاروخ أثناء الإجتماع، وصار الفلسطيني يملك أيضاً طائرات مسيّرة تصل إلى عمق الكيان الغاصب وهي قادرة على حمل صواريخ ذكية، بل صار العدوّ هو الذي يعيش حالة الرعب من جراء القوة الفلسطينية، والمستوطنون يخرجون منتصف الليل مذعورين إلى الشوارع كلما توهموا سماع صوت في أسفل غرف نومهم وظنوا أنه ناتج عن حفر المجاهدين الفلسطينيين الأنفاق تحت بيوتهم، وبات الجندي الصهيوني يخاف أن يقع أسيراً في أيدي المقاومين، وتجيز له قيادته الإقدام على الإنتحار لكي لا يتحول هذا الأسير وسيلة لفرض شروط مذلّة من قبل المقاومة الفلسطينية.

وقادة المقاومة كلهم يصرحون بأن الذي استبدل بالمقلاع الصاروخ الباليستي الذكي، وجعل مقابل المقاتلات الصهيونية مسيّرات فلسطينية مفخخة، وبدل سكين المطبخ البسيط أسلحة قادرة على التصدي لهجمات العدو وتمنعه من التقدم شبراً واحداً في قطاع غزة حتى بعد 33 يوماً من استعمال أقوى الأسلحة وإلقاء مئات الأطنان من القنابل المحرمةً دولياً على رؤوس المدنيين، بل أن يبادر هو إلى وقف عدوانه من جانب واحد، ويقوم بالإتصال ببعض الدول كي تتوسط لدى قيادة المقاومة لعلها تقبل وقف الحرب، وذلك بعد أن استهدفت صليات من الصواريخ عمق الكيان، وأصابت مراكزه الحساسة، وهدد المجاهدون بقصف مفاعل " ديمونا " النووي، وبعدما فشلت " القبة الحديدية " في صدّ الصواريخ،  وهذا ما بيّن أمام العالمين مدى ضعف الكيان الذي تباهى دوماً بأن جيشه لا يُهزم أبداً، والذي تغلب وحده على جيوش دول عربية مجتمعة في عدة حروب سابقة.

إن التحول الكبير في ساحة الجهاد الفلسطيني وتوازن الرّعب الموجود حالياً مع الكيان الصهيوني، هو ناتج من وقوف الثورة الإسلامية في إيران بصدق إلى جانب كفاح الشعب الفلسطيني المظلوم إستناداً لتعاليم الإسلام الحنيف، وعملاً بوصيّة أمير المؤمنين علي عليه السّلام لولديه الحسن والحسين عليهما السلام:

 " كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً "..

وهذا الموقف الصّادق والجادّ يُرعب أسياد الكيان الصهيوني وحلفاءه وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وعليه فإنهم يتوسلون بكافة الوسائل لفكّ العروة الوثقى بين الثورة الإسلامية في إيران والمقاومة الإسلامية في فلسطين، وذلك بهدف إرجاع الفلسطيني إلى عهد المقلاع، والتخلي عن القدرة العسكرية المتطورة، هذه القدرة التي أثبتت فاعليتها في ردع العدو وإجباره على التفكير ملياً قبل الإقدام على أية خطوة عسكرية.

لكن أي عاقل في إيران لا يمكنه القبول بالتخلي عن عناصر القوة التي حصلت عليها رغماً عن أنف الإستكبار العالمي،  خاصة أن مظاهر الرّعب الشديد باتت واضحة في الكيان الصهيوني من قوة الجمهورية الإسلامية في إيران، والتي يعبر عنها بصريح العبارة قادة العدو صباحاً ومساءً، ولكون الولايات المتحدة هي الحليفة الإستراتيجية لهذا الكيان الغاصب فهي أيضاً تبذل قصارى جهدها لمنع إيران من الحصول على عناصر القوّة التي تهدد هذا الكيان..

هذه القوة التي تصل إلى الفلسطيني على الرغم من الحصار الكامل لقطاع غزة برّاً وبحراً وجوّاً فيواجه بكل شجاعة العصابات المجرمة بها، بل يهدد عمق هذا الكيان ومراكزه الحيوية، وهذه القوّة هي التي أجبرت الصهاينة على الهرب من لبنان بعد عقود من احتلال أجزاء غالية منه من دون أن تنفع كافة المناشدات والتوسل بالمؤسسات الدولية، لكن دخول إيران على الساحة اللبنانية ودعمها للمجاهدين غيّر المعادلة رأساً على عقب، وصار الكيان الصهيوني العاجز عن الصمود يلجأ إلى تقديم الشكوى للأمم المتحدة، ويتوسل بهذه الدولة وتلك من أجل التوسط بينها وبين المقاومة الإسلامية.

وهناك بلاد أخرى استندت إلى التحالف مع الجمهورية الإسلامية فتمكنت من الصّمود أمام كل المؤامرات الخارجية ضدها، وقد اكتشف الذين عبروا المحيطات ورموا أنفسهم في أحضان الإمبريالية الامريكية أن لا ثبات في سياستها، وهي تتخلى بكل سهولة عن أقرب الحكام إليها وهو الشاه محمد رضا بهلوي، والذي كان الامين على مصالحها في المنطقة، وذلك عندما رأت أنه فقد القدرة على تأمين تلك المصالح.

إن التحوّل البادي في الخطاب الأمريكي مع بداية عهد جو بايدن بالنسبة للجمهورية الإسلامية، عن تلك السياسة التي ثابر عليها دونالد ترامب المعتوه طوال 4 سنوات يوجب على الجميع التخلي عن أسلوب المواجهة مع إيران والتي ثبت فشلها، ويسارعوا إلى حلّ المشاكل العالقة فيها ..

إن الإستفادة من هذه التجربة على الرغم من مرارتها هي أفضل من الإستمرار في السياسات الخاطئة التي أثبتت مراراً فشلها، وهدر ما تبقّى من اموال الشعب لاسترضاء هذا المسؤول في الإدارة الجديدة، وأخذ تصاريح إعلامية من ناقمين على إيران وهم كثيرون في بلاد العم سام، حتى يكاد القارئ العادي البسيط يعتقد بزوال النظام خلال أيام معدودة، لكن رحل الرؤساء الأمريكيون مع مؤامراتهم بكل الأشكال، وانتصرت الإرادة الإلهية وتحقق العهد الذي قطعه الله سبحانه على نفسه، وقد ورد ذلك في القرآن بقوله:

 ( إن تنصروا الله ينصركم ويُثبّت أقدامكم )

صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي

الوسوم