بيروت | Clouds 28.7 c

خاص - "الشراع" / عون آخر رؤساء الجمهورية والحكومة المتنازع عليها لادارة الفراغ المقبل

مجلة الشراع 11 كانون الثاني 2021

التحذير الذي اطلقه المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش عبر تغريدة على "تويتر" ، يبدو ان احداً من المسؤولين والقيادات السياسية اعاره ولو الحد الادنى من الاهتمام.

كوبيتش كان قال "ان النظام الاقتصادي والمالي المصرفي في حالة من الفوضى . والسلام  الاجتماعي يبدأ  في الانهيار ، والحوادث الامنية تتصاعد ، وصرح لبنان يهتز في اساساته"، مضيفاً"ان قادة لبنان يبدو انهم ينتظرون بايدن ، لكن هذا لبنان وليس الولايات المتحدة".

وعلى العكس من ذلك ، صدرت تعليقات ضد كوبيتش وضد  ما وصف بانه  تجاوز لحدوده كدبلوماسي او كممثل للامم المتحدة في لبنان. الا ان كل ذلك وبصرف النظر عن خلفياته ومراميه لم يلغ واقع الازمة وصعوبة الاوضاع ومعاناة شرائح واسعة من الشعب اللبناني.

الانطباع نفسه ، لا يقتصر على كوبيتش، فهناك سفراء اجانب يتجاوز عددهم اصابع اليدين ، لهم اراء مماثلة وبعضها اكثر تشاؤماً وسوداية وانتقاداً مما وصل اليه المنسق الخاص للامم المتحدة.

وفي هذا الصدد ،يقول سفير دولة اجنبية انه حزين جداً لما آلت اليه الاوضاع في لبنان.

السفير نفسه الذي كان يتحدث في مجلس يضم اصدقاء لبنانيين بينهم عدد من المقربين لزعامات لبنانية متباعدة اليوم، قال انه يتعمد كل اسبوع ان يتجول في شوارع العاصمة وان يزور مناطق قريبة من بيروت للوقوف على احوال البلاد وما وصلت اليه من تدهور وتردي ولامبالاة من مؤسسات الدولة.

ويسأل السفير نفسه اين القيادات السياسية والحزبية في لبنان التي لا شغل لها هذه الايام الا الدفاع عن نفسها من خلال القاء تبعات الانهيار على الآخرين . ويضيف انه يأمل كلما جلس امام الشاشة المرئية لمتابعة مستجدات الوضع اللبناني ان يشاهد او يسمع عن جولة قام بها هذا الزعيم او ذاك للاطلاع مباشرة على معاناة الناس بدلاً من استقاء المعلومات من التقارير التي تريدهم او من المستشارين الكثر الذين تعج بهم دواوينهم والتي لا تعبر عن واقع الحال  وتنذر بعواقب وخيمة في حال بقيت زعامات البلاد وليس حكامها فقط يعيشون حالة انكار فاضحة ويتمترسون في عوالمهم البعيدة عن الواقع مع الرهان على الوقت وفي وقت يتسلحون بمتاريسهم الطائفية والمذهبية والحزبية من دون ان الاقدام على اية خطوة  باتجاه الانقاذ الحقيقي المطلوب الاستعجال فيه للحؤول دون الانهيار الكبير والكامل على مختلف الصعد والميادين.

السفير نفسه قال الكثير وبدا وكأنه يوجه رسائل من خلال اصدقائه الى عدد من الزعماء اللبنانيين على اختلافهم، من دون مراعاة لما يسمى الاصول الدبلوماسية في الحديث عنهم وخصوصاً اولئك الذين يتولون  مناصب رفيعة في الدولة.

والواقع ان ما قاله ويقوله السفير المذكور لا جديد فيه سواء على مستوى حجم الازمة الخانقة والمتفاقمة التي تشهدها البلاد منذ اكثر من سنة ونصف السنة او على مستوى العجز الرسمي والسياسي والحزبي الشامل عن مقاربة هذه الازمة والتعاطي معها بواقعية تضمن على الاقل وقف تصاعدها سواء من خلال حكومة جديدة يتم تشكيلها اليوم قبل الغد لتنفيد برنامج انقاذ شامل ،او من خلال خطوات استثنائية من نوع مؤتمر وطني جامع يتناول بحث كل ما يمكن بحثه من اجل التصدي للواقع المأزوم الذي وصل الى حد اعتباره أزمة وطنية بكل ما تعبر عنه هذه الكلمة من تهديدات ومخاطر .

مؤتمر وطني بات لبنان بحاجة ماسة له ، كون تشكيل الحكومة  وهو متعذر كما يبدو في الافق المنظور لا يكفي لمعالجة ابسط الازمات خصوصاً وان الخلافات والسجالات لن تنتهي عند الاتفاق على تشكيلة او تركيبة حكومية سرعان ما سيتبادل اعضاؤها الاتهامات سواء كانت من لون تمثيلي واحد او جامعة تضم الواناً عديدة من الوان الانقسام اللبناني.

وبات واضحاً ان الكارثة اللبنانية اليوم مردها الى عدة اسباب ،قد يكون على رأسها الحصار المفروض على البلاد بسبب سلاح حزب الله وما يوصف بهيمنته على القرار في لبنان، وقد يكون الفساد المستشري الذي يطالب المجتمع الدولي بمواجهته عبر الاصلاح، وقد يكون بسبب احتدام الصراعات الاقليمية وكذلك الصراع الاميركي – الايراني واستمرار الازمة في سورية والعراق ودول اخرى...

كل ذلك له دوره، خصوصاً وان لبنان كان تاريخياً وما زال وسيبقى خط تماس او ساحة من ساحات الصراع في اطار لعبة الامم والصراع المستمر على المنطقة وموقعها وثرواتها، فاذا هدأت الصراعات استقر وضعه واذا اشتعلت تعرض لما يتعرض له اليوم.

الا ان كل ذلك ،لا يلغي حقيقة ان المشكلة الاساس في لبنان كانت وما زالت في نظامه السياسي اولاً وفي المنظومة السياسية التي انتجها  هذا النظام السياسي، وهي منظومة لن يولد افضل منها في حال تمت الاطاحة بها في هذه المرحلة او في مراحل لاحقة بانتخابات نيابية او بغيرها، لان النظام السياسي سيعيد انتاج المنظومة نفسها وإن بوجوه جديدة كما كان يحصل في فترات ومراحل سابقة في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر.

ولهذا ، فان عدم النجاح حتى الان في تشكيل حكومة جديدة لا يعود فقط الى انعدام الثقة بين المعنيين بهذا الامر الحيوي في هذه الظروف الحرجة والقاسية التي يعيشها لبنان، كما انه لا يمكن معالجته بلقاء مصالحة يعقد بين رئيس جمهورية ورئيس مكلف كما اقترح البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، لان المسألة أعمق وأدق وأكثر تعقيداً مما قد يظنه كثيرون وبينهم سيد بكركي.

المسألة تتعلق بتموضع لبنان وموقعه داخل هذه الصراعات ، ومن الامثلة على ذلك في موضوع تشكيل الحكومة هو ما يلي:

اولاً:فريق  الرئيس ميشال عون يريد الامساك بقرار الحكومة من خلال من الثلث المعطل ، عبر الحصول على 7 من اصل 18 وزيرا (اي ستة وزراء مسيحيين اضافة الى ممثل حزب الطاشناق) ويتمسك بحقيبة الداخلية ومعها العدل فضلاً عن حقيبة الدفاع.

وقد راجت في  البلاد تقارير من كل حدب وصوب  تتحدث عن اسباب هذا التمسك، بين من قال ان فريق عون يتحسب لمرحلة ما بعد غيابه سواء بالوفاة او بانتهاء الولاية بعد عام وبضعة اشهر، وبين من قال  انه عازم على الامساك وحده دون حلفائه الاخرين (اي حزب الله وحركة امل وتيار المردة والحزب القومي) بالثلث المعطل لارتباط ذلك باستحقاقات انتخابية تبدأ بالبلدية منها وصولا بالرئاسية من دون نسيان النيابية في حال امكن انجاز هذه الاستحقاقات في مواعيدها. وليس سرا على هذا الصعيد ان كل خطوة يخطوها فريق عون انما يتم ربطها بمدى تأثيرها سلبا او ايجاباًعلى ترشيح جبران باسيل للرئاسة.

ثانياً:فريق الرئيس سعد الحريري الرافض لاي صيغة وزارية تكبل الرئاسة الثالثة سواء كانت الثلث المعطل او تولي حقائب وزارية من قبل فريق رئيس الجمهورية للتحكم بمسار السلطة الاجرائية.

واذا اراد المراقب ان يصدق ما يروج من اتهامات للحريري وفريقه فان توجهاته ترمي الى تجاوز اتفاق الدوحة وما نجم عنه بالممارسة ادت الى اهتزازه ، مقابل ما يسعى فريق عون لاجل تحقيقه بدءاً من تجويف اتفاق الطائف المهتز اساساً، ومروراً بتكريس اعراف وسوابق يمكن البناء عليها ووصولاً الى استعادة مما كان لرئيس الجمهورية من صلاحيات يعتبر العونيون وقسم من المسيحيين ان اتفاق الطائف أفقده اياها.

وطبعا فان هناك فريقا ثالثاً يضم الثنائي الشيعي الذي يريد استمرار منطق الشراكة على حساب منطق الثنائيات التي نشأت مع استقلال لبنان عام 1943 ، وهو اي منطق الشراكة يخرج ولو نسبياً الطوائف والمذاهب خارج الثنائيات من حالة التهميش التي كانت سائدة تاريخياً لها وتؤمن المناخات لضمان حماية الامن في مواجهة التهديدات الاسرائيلية.

وهناك ايضاً فريق رابع وخامس وسادس ، وكل فريق يضم الى الاشتراكي القوات والكتائب قوى واحزاباً اخرى تعمل كل منها على الانتظار لتبديد هواجسها والرهان على حماية مكاسبها بانتظار لحظة التغيير قبل التحرك لضمان حضورها في معادلات السلطة الجديدة طائفيا وحزبياً وسياسياً.

وعلى اختلاف الرؤى على هذا الصعيد فان الواضح ان التعاطي مع سيل الازمات المزدحم حالياً في لبنان يتم التعاطي معه من منطلق ان ميشال عون سيكون اخر رؤساء الجمهورية في لبنان وان المجلس النيابي سيكون اخر البرلمانات في جمهورية الطائف وان الحكومة المزمع تشكيلها لن تقتصر مهماتها على تلبية مطالب المجتمع الدولي في الاصلاح حسب المبادرة الفرنسية، بل ستتسع دائرتها  لتولي ادارة المرحلة الانتقالية المقبلة.

مرحلة انتقالية ستدخلها البلاد وتقوم الحكومة المفترضة المتنازع عليها الان بادارة ما سيسودها من فراغ .

وهذه المرحلة الانتقالية ستكون بانتظار  الوضع الجديد الذي سينتج عما سيكرس من معادلات مختلفة في المنطقة برمتها سواء في ما يتعلق بالامن الاقليمي المهتز او في ما يتعلق بمستقبل دول تشهد حروباً وانقسامات حادة .

وكل ذلك مطروح على الطاولة حالياً، خصوصاً وان رئيساً اميركياً جديداً سيتولى السلطة في البيت الابيض وسيعمل على اعادة ترتيب سياسات بلاده في العالم بكل ما سينجم عن ذلك من مفاوضات وتوافقات قد تصل الى مستوى يالطا الجديدة وقد لا تصل الى ذلك في حال استمرت النزاعات في اكثر من مكان في الكرة الارضية وفي مقدمتها منطقة المشرق العربي الذي كان على الدوام وسيبقى الى أمد غير منظور ساحة الصراعات الرئيسية في العالم مع وجود كيان من نوع الكيان الصهيوني له سلسلة وظائف ابرزها التهديد والعدوان والتفتيت والتجزئة وتعميم العنصرية.    

 

الوسوم