بيروت | Clouds 28.7 c

خاص – "الشراع" بعيداً عن توقعات المنجمين: نوافذ أمل بانتهاء مسلسل الازمات وبدء عام الانفراجات

مجلة الشراع 4 كانون الثاني 2021

لن يكون وقع العام 2020 في الذاكرة اللبنانية عادياً على غرار ما مرّ من اعوام سابقة بالنظر الى ما شهده من نكسات وأزمات ومحن.

فهذا العام سيحفر عميقاَ في تاريخ لبنان المعاصر والحديث ، بالنظر الى امتداداته التي لا بد ان تنحسب على السنوات المقبلة في غير مجال وعلى اكثر من صعيد.

ففي السياسة كما في الاقتصاد كما غير ذلك من قطاعات وكذلك  في أهلية النظام المعتمد وصلاحيته ، كان العنوان  واحداً في التعبير عن حدوث ما هو استثنائي وغير طبيعي لا سيما امام حدث من نوع انفجار الرابع من اب – اغسطس الماضي في مرفأ بيروت والذي وصف بانه ثالث اضخم انفجار في التاريخ.

والوقائع المريرة في العام المنصرم تكاد لا تحصى من انهيار الليرة اللبنانية الى اهتزاز القطاع المصرفي وتصاعد الصرخات خوفاً على ودائع ومدخرات وجنى اعمار اللبنانيين، مروراً باحتدام الانقسامات السياسية وسط حالة انكار مستفحلة ازاء المعاناة العامة ووصولاً الى بروز عورات النظام بشكل صارخ لاسيما في التصدي للمهام الاساسية المطلوبة من اهل السلطة لوقف الانهيار ، في ظل العجز الكامل عن الاقدام على اي خطوة اصلاحية تلبية لحاجات الداخل ومطالب الخارج.

والمقصود في هذا السياق ليس اجراء جردة شاملة  تتضمن خسائر ومصائب وأزمات ومحن العام المنصرم ، بل قراءة  ما يمكن ان يشهده العام الجديد  من خطوات واحداث في ضوء ما شهدناه على مدى الفترة القريبة الماضية .

قراءة هي اقرب الى المقاربة العامة والشاملة ، استناداً الى معطيات عديدة متوافرة داخلياً وخارجياً ، والى مقاربات لما يمكن ان تشهده مسارات وملفات عديدة لا بد وان يتأثر بها الوضع في لبنان بعد سنة المحنة او النكبة كما يمكن تسميتها التي مرت على البلاد.

فماذا عن العام 2021؟

هل سيكون عام نكبة على غرار العام المنصرم او عام الخروج منها؟

هذا هو السؤال المركزي المطروح حالياً ومن خلال الاجابة او الاجوبة المتوافرة يمكن رسم صورة ما هو مقبل من احداث.

وفي الواقع،

هناك ما يحفز في هذه الاجوبة على توقع انفراجات للخروج من دوامة الازمات والانطلاق نحو مرحلة جديدة في حال توافرت الارادات الداخلية اللازمة لها ، وفي الوقت نفسه هناك ايضاً ولو بنسبة اقل ما هو مثير للاحباط والخيبة الى درجة يمكن معها الترحم على ما شهده العام المنصرم قياساً بما يمكن ان يشهده العام الجديد من ازمات ومحن اخطر واكبر وتهديدات .

في الشق الاول من الاجوبة، اي انتظار الايجابيات، يبدو بوضوح ان هناك نوافذ أمل بمتغيرات مرتقبة سترخي بظلالها على لبنان...

 ومن ابرز هذه النوافذ ما يلي:

1-الاول: بلوغ مرحلة استهداف لبنان نهاياتها ، مع الفشل في تحقيق اهدافها. فمسلسل الحصار والتجويع والافقار والعزل لم توفر وسيلة الا واعتمدت فيه ، واذا كان المقصود في هذا المسلسل هو وضع لبنان على سكة جديدة من المواقف فان النتيجة جاءت مخالفة لما كان منتظر من الواقفين ورائه. وبمعنى اخر ان رأس حزب الله المطلوب ضربه من قبل ادارة دونالد ترامب وحلفائها لم يتأثر بكل ما جرى بدليل ان الاطلالة الاعلامية الاخيرة لامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وما عبر عنه من مواقف جاءت  كتعبير صارخ عن فشل كل ما كان الحزب عرضة له في مرحلة الاستهداف للبنان. كما جاءت لتشير الى ان الحزب وتحالفاته في المحور الذي ينضوي في لوائه على عتبة الانطلاق نحو مرحلة جديدة قد لا تكون بالضرورة للانتقال من الدفاع الى الهجوم ، الا انه حكما ستشهد طريقة مختلفة وجديدة في التعاطي مع الاوضاع لاسيما وان ذلك سيأتي متزامنا مع تسلم الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن مهامه في البيت الابيض مع طاقم ليس فيه احد من الوجوه التي عرفها اللبنانيون والعالم خلال فترة تولي دونالد ترامب الرئاسة الاميركية.

2-الثاني: دخول الفاتيكان على خط الاحداث في لبنان بحيوية وحماس وحرص على السعي بكل الوسائل والطرق من اجل مساعدته على الخروج من ازماته ووضعه على سكة مغايرة تضمن على الاقل عدم انزلاقه الى الانهيار الكامل والكبير والى الفوضى وما يمكن ان يرافق ذلك.

والمسعى الفاتيكاني بدأت طلائعه تظهر في مبادرة بكركي للمساعدة في تشكيل الحكومة. وهي اي مبادرة بكركي وان كانت فشلت حتى الان الا ان سيل المواقف من قبل البطريرك الماروني بشارة الراعي الضاغطة باتجاه الخروج من تعقيدات هذه اللحظة تتماهى مع الجهد الفاتيكاني الذي يعمل اليوم وفق معلومات ل"الشراع" على خلق مناخات جديدة من خلال الاتصالات التي يجريها اقليميا ودوليا لاخراج لبنان من دائرة الاستهداف والضغوط والحصار ، سعيا للحفاظ عليه بما يمثله كرسالة ونموذج وملتقى للحوار والطوائف والتعدد.

وبالطبع فان الموقف الفاتيكاني لا ينفصل عن المبادرة الفرنسية التي يصر الرئيس ايمانويل ماكرون على استمرارها وتزخيمها على الرغم من كل ما تعرضت له من نكسات سواء بسبب الموقف الاميركي – الترامبي او بسبب التعقيدات المحلية اللبنانية وعجز الطبقة السياسية عن الافادة من الفرصة التي وفرتها هذه المبادرة للبنان.

ولم يعد سراً بان هناك اليوم ما يمكن وصفه بالاحتضان الاوروبي للمبادرة الفرنسية لاسيما بعد تبنيها من قبل المانيا مع الاشارة الى الجهود المستمرة لضمان دعمها عربياً.

3-الثالث: الاجواء الجديدة التي بدأت تظهر  وقبل تسلم الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن مهامه ، باتجاه تنفيس حالة الاحتدام التي تطغى على الصراع الاميركي –الايراني وانعكست بشكل واضح على لبنان بسبب التعاطي الاميركي خلال ولاية ترامب معه وكأنه مقاطعة ايرانية او ملحق بطهران، خلافا لاي منطق او تبرير سوى خدمة مصالح الكيان الصهيوني.

وسواء تمت العودة الى الاتفاق النووي كما كان قبل الغائه من قبل دونالد ترامب او تم العمل بنسخة معدلة له، فان مجرد الذهاب مجددا الى طاولة المفاوضات بين واشنطن وطهران ، لا بد وان ينعكس على لبنان بشكل يخفف من الاجراءات السلبية التي كانت متخذة ضده خصوصا وانه ثبت للجميع بانها لم تؤثر على حزب الله كما ورد انفاً وكما راى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في اتصاله مع ترامب في اعقاب انفجار المرفأ في 4 اب الماضي عندما قال له صراحة ان ما تقوم به واشنطن يخدم حزب الله ولا يلحق الضرر به.

4-الرابع: اقتراب موعد التنقيب عن النفط والغاز في المناطق البحرية المتنازع عليها بين الكيان الصهيوني ولبنان، والذي لا يتجاوز العشرة اشهر من الان، ورفض الشركات المتلزمة عملية التنقيب هذه البدء بعملية استخراج المواد الغازية والنفطية قبل ان يتم التوصل الى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الاسرائيلي ، لاسيما بعد ان جاءت الادلة اللبنانية في المفاوضات المجمدة لترسيم الحدود برعاية اميركية قاطعة في اثبات أحقية لبنان في الحصول على مساحات اكبر من تلك التي كان رسمها خط هوف واعتقد الكيان الصهيوني ان لبنان يمكن ان يوافق على التخلي عنها بسبب ازماته.

واذا كان وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو عرض وساطة من اجل حل النقاط العالقة في المفاوضات التي جمدها العدو بعد تأكده بان موقف لبنان صارم ونهائي، فمعنى ذلك ان واشنطن يمكن ان تتخلى عن تمسكها بخط هوف ، في ظل الاستعجال الاسرائيلي  للوصول الى اتفاق  بشأن ترسيم الحدود بضمانة من الامم المتحدة كما تشترط شركات التنقيب عن الغاز ، اليوم وقبل الغد.

 وهذا الامر يعني في كل الاحوال بان لبنان يمتلك ورقة قوة يمكن البناء عليها في موضوع الترسيم وفي مواضيع اخرى تتصل بالحصار عليه، خصوصاً وانه يستند الى ارادة داخلية جامعة رافضة للتخلي عن الثروة الوطني كما يستند الى قوة المقاومة وصواريخها ، والجاهزة كما قال نصرالله مؤخراً للتعاطي مع هذه المسألة وفقا لما يحدده  الموقف اللبناني الرسمي  للقيام بكل ما يلزم من اجل عدم السماح بالمس بهذه الثروة او نهبها.

هذا بعض ما يمكن ان يحمله العام الجديد من مؤشرات يمكن البناء عليها للتفاؤل بان يكون العام الجديد مختلفا عن العام المنصرم، في مقابل عوامل اخرى سلبية وخطيرة ، وبينها على سبيل المثال لا الحصر احتمال قيام الكيان الصهيوني بحرب على لبنان في محاولة منه للوصول الى الذروة في خطة استهداف حزب الله، وهو امر يحتاج الى سياق منفصل من البحث في احتمالاته .

كما ان من العوامل السلبية الاخرى في هذا المجال هو استمرار بعض الاطراف الداخلية وفي مقدمتها العهد الحالي في الانقلاب على النظام ومحاولة تكريس اعراف جديدة سعيا لاستعادة صلاحيات وامتيازات تضرب عرض الحائط كل ما تحقق او نفذ  من الطائف على مستوى المشاركة وتطيح بامكانية ما لم ينفذ حتى الان من الاتفاق المشار اليه.

ومع ولادة العام الجديد، فان الامل يكبر بان يكون حاله افضل من العام المنصرم. ولذلك فان نقطة البداية على هذا الصعيد تتمثل بعنوان تشكيل الحكومة الجديدة.

فكيف يمكن الوصول الى ذلك؟

السيد نصرالله تحدث عن ان السبب في عدم ولادة الحكومة حتى الان هو انعدام الثقة بين الطرفين المعنيين بتشكيلها.

وقد ألمح نصرالله  في هذا السياق في ظل العلاقة التي تربط حزب الله بالرئيسين ميشال عون وسعد الحريري  الى ان الحزب سيعمل من اجل اعادة بناء الثقة المطلوبة. 

ويمكن اعتبار ذلك نافذة أمل اخرى او مؤشر اضافي على امكان ايجاد حل لهذه المسألة العالقة خلافا لكل الانطباعات المتشائمة او السوداوية، خصوصاً وان المطلوب اليوم مع بداية العام الجديد اعتماد صيغة: تفاءلوا بالخير تجدوه.

 

الوسوم