بيروت | Clouds 28.7 c

السيد المسيح عليه السلام / بقلم الشيخ أسامة السيد

مجلة الشراع 24 كانون الأول 2020

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: {إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقَه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون} سورة آل عمران.

لا شك أن الإيمان بالأنبياء الكرام هو جزءٌ من العقيدة الإسلامية فنؤمن بهم جميعًا ونعتقد تعظيمهم وحقِّية ما جاؤوا به وبلَّغُوه عن الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى:{لا نُفرِّق بين أحدٍ من رسله} سورة البقرة، أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما قاله ابن الجوزي في "زاد المسير" وغيره، بل نؤمن بهم على السواء. فمن قال على سبيل المثال َ"أنا أؤمن بالأنبياء إلا بإبراهيم أو إلا بموسى أو إلا بعيسى أو إلا بنوحٍ" فليس بمؤمن، ومن كفر بواحدٍ منهم كان كمن كفر بهم كُلِّهم وبالتالي فإن إيماننا نحن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم بسيدنا عيسى كإيماننا بسيدنا محمدٍ عليهما السلام، وشرفٌ لنا أن نُبيِّن للناس بعضَ ما نعتقده في سيدنا عيسى المسيح عليه السلام فنقول: هو عبد الله ورسوله عيسى ابن مريم بنت عمران أفضل نساء العالمين بشهادة القرآن الكريم، قال تعالى: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين} سورة آل عمران. ويتصل نسب السيدة مريم بنبي الله داود عليه السلام، وإنما سُمي بالمسيح لكثرة سياحته (سعيه) في الأرض لنشر الإيمان وقيل لأنه كان يمسح على الأكمه (الذي وُلِد أعمى) والأبرص فيشفَيان بإذن الله.

ولادته المباركة

 روى مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لم يكن بيني وبينه نبي" أي هو أخصُّ الناس بعيسى عليه السلام، وحيث كان نبينا صلى الله عليه وسلم أولى الأنبياء بسيدنا عيسى فإن أمته صلى الله عليه وسلم أولى الأمم بنبي الله عيسى عليه السلام.

وقد خلق اللهُ سيدَنا عسى عليه السلام من أمٍ بلا أبٍ ومن غير نطفة أبوين بدليل الآية أول المقال وغيرها من الآيات، وقد قصَّ الله تعالى خبر مولد عيسى عليه السلام في سورة مريم فمن شاء فلينظر القرآن والتفاسير المعتبرة لمعرفة حقيقة هذا المولد الكريم، ولكننا نقول باختصار: خرجت مريم عليها السلام من محرابها أي حيث كانت تتعبَّد في بيت المقدس لحيضٍ أصابها وسارت جهة شرقي بيت المقدس فلمَّا طهرت إذا هي بجبريل عليه السلام قد تمثَّل أمامها بصورة رجلٍ، قال تعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثَّل لها بشرًا سويَّا} سورة مريم. والمراد بالروح هنا جبريل عليه السلام ففزعت مريم واضطربت إذ لم تعرفه وقالت ما أخبر الله عنها في سورة مريم: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيَّا} أي إن كنت تقيًا مطيعًا لربك فلا تقربني بسوء فطمأنها جبريل عليه السلام، وكان ما جاء في سورة مريم أيضًا: {قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلامًا زكيَّا} فتعجَّبت مريم عليها السلام عند ذلك، قال تعالى: {قالت أنَّى يكون لي غلامٌ ولم يمسسني بشرٌ ولم أك بغيَّا}سورة مريم. أي كيف يكون الولد ولست متزوجةً ولست بزانية، فأجابها جبريل عليه السلام عن تعجُّبها بأن خلقَ ولدٍ من غير أبٍ سهل هينٌ على الله الذي لا يُعجزه شىءٌ وهذا دليلٌ على كمال قدرة الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: {قال كذلكِ قال ربك هو عليَّ هينٌ ولنجعله ءايةً للناس ورحمةً منَّا وكان أمرًا مقضيَّا} سورة مريم.  

وبأمر من الله تعالى نفخ جبريلُ عليه السلام روحَ سيدنا عيسى في أعلى جيب قميص السيدة مريم، وجيب القميص الشَّق أي فتحة القميص عند النحر، قال تعالى: {ومريمَ ابنتَ عمرانَ التي أحصنت فرجَها فنفخنا فيه من روحنا} سورة التحريم. ومعنى "فنفخنا" أي نفخَ جبريلُ عليه السلام بأمر الله، وأصل كلمة الفرج الشَّق، قال تعالى في صفة السماء {وما لها من فروج} أي شقوق، ووصلت الروح بنفخته من فم مريم إلى رحمها بقدرة الله تعالى فحملت بالسيد المسيح عليه السلام، وقيل: كان عمرُ السيدة مريم حينها ثلاث عشرة سنة، وقد اختلف العلماء في مدة الحمل والأصح أنه كان تسعة أشهر، ثم وضعته عند جذع نخلة يابسة في بيت لحم.

 

عبد الله ورسوله

وخطَرَ للسيدة مريم ماذا سيقول فيها الناس فتمنت الموت، فناداها جبريل عليه السلام مطمئنًا إيَّاها آمرًا لها بوحيٍ من الله أن تصوم عن الكلام وكان هذا الصوم مشروعًا في زمانهم ولذلك حين أتت به تحمله إلى قومها فاتَّهموها بالسوء أشارت إليه ليتكلم فأنطقه الله بما برَّأ به أمه، وتمام ذلك كله في سورة مريم في القرآن الكريم، قال تعالى:{فأشارت إليه قالوا كيف نكلِّمُ من كان في المهد صبيًا قال إني عبدُ الله ءاتاني الكتاب وجعلني نبيًا وجعلني مباركًا أين ما كنتُ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمتُ حيًّا وبرًّا بوالدتي ولم يجعلني جبَّارًا شقيًا والسلام عليَّ يوم ولدتُ ويوم أموتُ ويوم أُبعثُ حيًّا} سورة مريم. فكفَّ عندئذ الطاعنون في السيدة مريم ألسنتَهم وأمسك عيسى عليه السلام فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المبلغ المعتاد في نطق الصبيان. ولما بلغ ثلاثين سنةً أوحى الله إليه بالنبوة فقام يدعو الناس إلى عبادة الله وحده واتِّباع دين الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء، قال تعالى: {وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدُوا الله ربِّي وربَّكم إنه من يُشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} سورة المائدة. وقد أيَّده الله بمعجزاتٍ كإحياءِ الموتى بإذن الله وغيرها  كما صرَّح بذلك القرآن الكريم. وحين كثرَ أتباعه المؤمنون اغتاظ اليهود فخطَّطوا لقتله فنجَّاه الله منهم ورفعه إلى السماء الثانية حيًّا. قال تعالى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم} سورة النساء. وسينزل سيدُنا عيسى في آخر الزمان فيقتل المسيحَ الدَّجالَ الكافر وينشر العدلَ كما صحَّ في الأخبار.

واعلم أن الكلام في تفصيل كل تلك الأحداث يطول جدًا ولكن جاء ما ذكرناه كعنوان دالٍ على عقيدة المسلمين بسيدنا عيسى وأمه الصِّديقة عليهما السلام قال تعالى: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتَّخذ من ولدٍ سبحانه إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربُّكم فاعبدوه هذا صراطٌ مستقيم} سورة مريم.

والحمد لله أولًا وآخرا.  

 

الوسوم