بيروت | Clouds 28.7 c

خاص – "الشراع" / قصة الصاروخ الاسرائيلي الذي دمر مرفأ بيروت ..وملحقاته السابقة واللاحقة

مجلة الشراع 14 كانون الأول 2020

صاروخ حديث ومتطور" لا يرى ولا يسمع" اطلقه العدو الاسرائيلي على العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت لتفجير المواد المخزنة من نيترات الأمونيوم ،هو الذي تسبب بالانفجار الهائل الذي دمر نصف بيروت في الرابع من آب – اغسطس الماضي، ووصف بانه الاكبر في التاريخ ويوازي في قوته انفجاراً نووياً ، الى درجة القول بانه يعادل ما حدث في هيروشيما اليابانية ابان الحرب العالمية الثانية.

وفي المعلومات ايضاً، فان العدو الاسرائيلي كان يعلم بوجود الكميات الضخمة من نيترات الامونيوم منذ تخزينها في العنبر رقم 12 قبل نحو سبع سنوات، وقد وضع معلوماته في هذا الخصوص في اطار امتلاكه ورقة استراتيجية يمكنه استخدامها في اي لحظة لاسيما اذا ما اندلعت حرب بينه وبينه حزب الله ، لتكون احد الاهداف  المؤثرة والموجعة التي سيقوم بضربها من اجل حسم هذه الحرب لصالحه.

قد لا يكون هذا الكلام في بعض جوانبه جديداً، الا انه في تفاصيله خطير وكبير لجهة الاشارة الى الحرب المفتوحة ضد لبنان ، وجاء اطلاق الصاروخ المشار اليه ليمثل ذروة الاستهداف الذي يتعرض له اللبنانيون على امتداد ال10452 كلم مربع.

اما سبب الاضاءة على هذا الامر اليوم فيعود الى ثلاثة اسباب هي:

  1. الاول انه يستند الى معلومات مستقاة من اكثر من جهة معروفة عادة بصدقية ما تقوله كونها  تستند في ذلك الى علاقات واسعة تملكها لاسيما على المستوى الاميركي. وكان لافتاً في الآونة الاخيرة ان بين هذه الجهات او المصادر المشار اليها مسؤول لبناني كبير سابق له صولات وجولات في عالم البحث عن الخفايا والكشف عن الاسرار، اضافة الى شخصية لبنانية تملك علاقات واسعة في الولايات المتحدة ولا تفوت مناسبة زيارة يقوم بها مسؤول اميركي الى لبنان الا وتغتنمها من اجل الاجتماع به.مع الاشارة الى ان بين هذه المصادر ايضاً صحافي مخضرم له باع طويل في عالم اكتناه خفايا ما يحدث من خلال علاقات واسعة تربطه  مع مسؤولين نافذين في واشنطن. واللافت اكثر في هذا السياق هو ان كل مصدر من هذه المصادر له روايته الخاصة به المختلفة عن رواية الاخرين ، الا ان ما يجمع بين كل هذه الروايات- الشهادات هو الجزم بان اسرائيل هي المسؤولة عما جرى.
  2. السبب الثاني يتعلق بمعلومات جديدة تتحدث عنها هذه المصادر حول الصاروخ الذي استخدم في عملية التفجير، وهو كما ورد انفاً "لا يرى ولايسمع "ومتطور جداً وقد حصل عليه العدو الاسرائيلي من الولايات المتحدة قبل ايام قليلة من انفجار الرابع من اب – اغسطس الماضي ، او يوم واحد كما يجزم احد المصادر المشار اليها من اجل تفجير هيروشيما لبنان ، ما يشير وفي الحالتين معاً الى وجود بصمة اميركية على ما جرى لتحريك الاوضاع باتجاهات محددة يندرج ما حصل حتى الان في اطارها التصعيدي ضد بلاد الارز. ومعروف في هذا المجال ان كميات نيترات الأمونيوم لا يمكن ان تنفجر من دون وجود صاعق  لتفجيرها، وما اشيع عن ان السبب يعود الى عملية تلحيم لفجوة في العنبر رقم 12 لا يكفي لحدوث التفجير، كما يؤكد اكثر من خبير عسكري ومتخصص، ما يعني حكماً هو ان التفجير لا يمكن ان يحدث الا في حال توجيه صاروخ كما فعلت اسرائيل وفقا للمعلومات الواردة انفاً.
  3. اما السبب الثالث ، فله صلة بما يجري حالياً على اكثر من مستوى، يضع انفجار الرابع من آب- اغسطس الماضي في سياق من الارتدادات المدمرة  بدورها  لا سيما على صعيد الادعاء على رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، وهو ادعاء بصرف النظر عن خلفياته و وجوهه القانونية لن يكون من شأنه الامساك بخيط الكشف عن حقيقة ما جرى, في غياب القدرة على ذلك لاستحالة الحصول على صور الاقمار الجوية  من قبل الجهات الدولية عموماً والاميركية خصوصاً  والتي تجاهر بان  أمن  الكيان الصهيوني في صدارة أولوياتها ، وفي غياب اي امكانية في بلد مثل لبنان للكشف عن عمل المنظومة التي رصدت نيترات الأمونيوم ووضعت خطة ضربها بصاروخ متطور لا بل بصاروخ هو اليوم الاكثر تطوراً لتنفيذ عملية بهذا الشكل المعقد والبالغ الخطورة.

وبالطبع،

 فان  لا احد ينتظر من العدو الاسرائيلي ان يعمد عبر احد مسؤوليه لتبني العمل الاجرامي غير المسبوق او المجاهرة بما حصل ، لاسباب عديدة أهمها ما يتصل بالعمل على تثمير تداعيات هذه الجريمة في الداخل اللبناني وبشكل يضمن للعدو الاسرئيلي ضرب اكثر من عصفور بحجر واحد.

وقد قيل الكثير عن ان بين اهداف تفجير الرابع من آب- اغسطس الماضي  هو ضرب مرفأ بيروت وموقعه الاستراتيجي والمميز  على البحر المتوسط ، ودوره كنقطة ارتكاز للتواصل بين منطقة المشرق العربي واوروبا والعالم ، كما قيل الكثير عن ان ما حصل يتصل بالضغوط الاسرائيلية لجر لبنان الى مفاوضات لترسيم الحدود البحرية والتسليم بالشروط الاسرائيلية ...

 كما قيل الكثير عن أهداف اخرى..

الا ان الأهم من كل ذلك على خطورته وأهميته الكبيرة هو الدفع بلبنان الى مزيد من التفتيت والانقسام والتناحر.

ولم يكن صدفة ان يأتي انفجار الرابع من آب- اغسطس  في ذروة الحصار المفروض على لبنان لعزله واغراقه في سلسلة من الازمات من قبل ادارة دونالد ترامب التي لم توفر وسيلة الا واعتمدتها من اجل الضغط على اللبنانيين ،وعزل بلاد الارز واغراقها في سلسلة من الازمات والنكبات تارة تحت عناوين الاصلاح ومحاربة الفساد ووقف الهدر وتارة اخرى تحت عنوان حماية اسرائيل من صواريخ حزب الله الدقيقة ووقف تدخله في دول مجاورة .

واذا كان بعض المراقبين ينتظر من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ووزير خارجيته جان ايف لودريان الافصاح عما يملكاه من معلومات في هذا الصدد، خصوصاً بعد  تحذيراتهما  من الانهيار الكامل للبنان ومن شيوع الفوضى ومن نشوب حرب اهلية، فان باريس لا بد وانها مدركة لحقيقة ما حصل ويحصل ، ولم يكن صدفة ان الرئيس الفرنسي حضر الى لبنان عقب الانفجار المشؤوم مباشرة لادراكه خطورة الخطة التي بدأ تنفيذها.

وبالطبع،

 ليس المقصود في هذا المجال التشكيك بالمحقق العدلي القاضي فادي صوان او النيل من هيبة القضاء، الا ان التعاطي مع هذه القضية يجب ان يتم وعلى اكثر من مستوى ولاسيما  من قبل الطبقة السياسية برمتها - باستثناء من يراهن بينها على تحقيق مكاسب خاصة - يجب ان يتم من منطلقات أوسع وأشمل ، فلا يحجب مشهد الشجرة المنظر العام للغابة المحيطة بها.

 كما ينبغي العمل من قبل هذه الطبقة  ولمرة واحدة استثنائية على الاقل من اجل تقديم العام على الخاص، فلا يتم التعاطي في ملف قضائي وفي تحقيق  بقضية بالغة الحساسية ، بطريقة لا هدف لها الا تصفية الحسابات السياسية .

واذا كان من تقصير او اهمال او حتى فساد، فمن المفترض ان لا يعمي كل ذلك بصيرة اصحاب الارادة الصلبة والواعية والحريصة على البلاد وشعبها وأمنها ومصيرها ،عبر التصدي لمحاولات زيادة التفتيت والانقسام والتناحر في لبنان وفقاً لما تريده اسرائيل وتعمل لتحقيقه، كون لبنان الرسالة وملتقى الاديان والعيش المشترك كما عبر البابا يوحنا بولس الثاني، هو العدو الاول للكيان الصهيوني العنصري .

ومع التسليم بوجود تقصير واهمال وعدم متابعة وغيرذلك من انواع الأداء غير المبرر، هل يجوز استخدام كل ذلك للنيل من مقام الرئاسة الثالثة وهي لا تخص طائفة او حزباً بقدر ما هي احد العناوين الوطنية الجامعة. وكيف يمكن للامور ان تستقيم على هذا النحو مع التسريبات التي اشارت الى ان الادعاء على دياب هو مقدمة او جزء من  ادعاء سيشمل  ثلاثة رؤساء حكومة سابقين تولوا المسؤولية خلال السنوات الماضية وهم  الرئيس المكلف سعد الحريري والرئيسان نجيب ميقاتي وتمام سلام.

ولم يكن صدفة برأي بعض المراقبين ان يشمل الادعاء وزيرين سابقين ورد اسمهما في لائحة العقوبات الاميركية وهما علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، وهي اشارة  الى ان المستهدف هو ما يمثله الوزيران المذكوران في السياسة ، والذي يطال مرجعيتهما اي الرئيس نبيه بري والنائب السابق سليمان فرنجية .

الادعاء المشار اليه، أحدث عاصفة من الردود والتعليقات والسجالات، وكأن ما يحصل -عن قصد او غير قصد- هو ملحق  جديد لانفجار الرابع من آب – اغسطس الماضي، ثمة ملحقات سابقة له وملحقات لاحقة ومقبلة له ايضاً  بهدف الوصول الى هدف واحد ووحيد وهو المزيد من التفتيت والانقسام والتناحر، في اطار حرب مفتوحة على لبنان ،لم تعد خفية بعد ان صارت معلنة بوجوهها المتعددة.

 

الوسوم