بيروت | Clouds 28.7 c

خاص – "الشراع" / حزب الله ينتقل  من الدفاع الى الهجوم في مواجهة الخصوم

مجلة الشراع 7 كانون الاول 2020

اقدام النائب ابراهيم الموسوي على رفع شكوى امام القضاء بحق النائب السابق فارس سعيد وموقع "القوات اللبنانية" بتهمة العمل على اثارة الفتن والتحريض ضد حزب الله وتحميله مسؤولية انفجار الرابع من اب- اغسطس الماضي، جاء لافتاً في توقيته ومغزاه والاهداف المحتملة من ورائه.

وبصرف النظر عن الموقف من الشكوى بين المؤيدين لها والمعارضين، فان الخطوة جديدة وينبغي التوقف امامها ملياً كونها مؤشر الى طريقة تعاطي جديدة يعمد اليها حزب الله  اليوم ، وهي طريقة مختلفة عما كانت عليه في الفترة السابقة ،ليس فقط على مستوى  الرد على ما يساق ضده يومياً من اتهامات تكاد لا تترك ازمة او معاناة او خلافاً او مشكلة الا وتعلقها على حائط الاستهداف المباشر له ،بل وايضاً على مستوى خروجه من مرحلة الصمت والمراقبة وتحمل "الاهانات والظلم والافترءات ضده" الى مرحلة التحرك والمبادرة والمواجهة  والرد على الصاع صاعين على حد تعبير احد المقربين منه .

كما ان اللافت في هذا السياق هو الاسلوب ، من خلال الاحتكام الى المؤسسات والقوانين المرعية الاجراء ، خصوصاً وان الشكوى ضد فارس سعيد وموقع "القوات" ما هي الا مجرد بداية كما عبر ابراهيم الموسوي لان الشكاوى سيتوالى تقديمها ضد كل من وجه الاتهامات جزافاً ضد الحزب ، وهي الاتهامات الهادفة الى الاستفادة  سياسياً من انفجار الرابع من اب- اغسطس الماضي  ولا ترتكز الى سند او برهان او دليل كما انها تتسبب في الوقت نفسه بشحن الاجواء واثارة العصبيات واستفزاز المشاعر التهديد بالفتن وضرب السلم الاهلي.

واذا كان البعض ومنهم من رفعت شكوى حزب الله امام القضاء ضدهم ، عمل وبشكل حثيث على توجيه اصابع الاتهام للحزب منذ اليوم الاول للانفجار غير المسبوق في العنبر رقم 12 في المرفأ والذي وصف بانه يوازي انفجاراً نووياً وادى الى تدمير جزء من العاصمة وقتل وجرح الالاف وادى الى تهجير عشرات الالاف ، فان حزب الله اعتبر انه استهدف من الانفجار مرتين : الاولى عند وقوعه وحصول الاضرار البليغة الناجمة عنه كونه احد المكونات الاساسية في لبنان ويعمل دائما على الاستقرار الداخلي الذي تعرض لهزة كبيرة بسببه ، والثانية عندما تفرغ عدد من الابواق والاحزاب وبتدبير منظم ومتعمد وممنهج الى اتهامه بالوقوف وراء التفجير سواء من خلال اطلاق سيناريوهات بدأت بالحديث في الايام الاولى بعد انفجار 4 اب بان ما انفجر سببه صواريخ يملكها الحزب في عنبر مجاور ولم تنته بالحديث عن ملكيته للمادة المخزنة من نيترات الامونيوم واستخدامه لها في صنع مواد تفجير الى ما هنالك من سيناريوهات ضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي فضلاً عن بعض وسائل الاعلام المعروفة بمواقفها العدائية للحزب.

واستمر الامر على هذا المنوال في غير مناسبة وعلى اكثر من مستوى، فما ان يحصل على سبيل المثال لا الحصر خطأ في التلحيم في منطقة ما حتى تتم المسارعة الى اتهام الحزب بالوقوف وراء الامر ، والامر نفسه يحصل لدى اندلاع اي حريق في اي منطقة  او لدى حصول اي احتكاك كهربائي في منشأة او مؤسسة او حتى لدى وقوع اشتباك فردي ، الى درجة ان احد القياديين في الحزب علق وبسخرية على ذلك بالقول :"حتى لو اختلف رجل مع زوجه فان السبب هو حزب الله".

كل ذلك ، اي اتهام خصوم الحزب من قبله بانهم يلعبون لعبة المتاجرة بالكوراث في محاولة لتعزيز مكاسبهم واوضاعهم الحزبية ، لم يكن سوى "غيض من فيض" وفق تعبير اوساط مقربة من الحزب ، بعد ان خرج رئيس حزب القوات سمير جعجع ليتحدث عن ان الاجواء اليوم مشابهة لاجواء العام 1975 التي سبقت اندلاع الحرب الاهلية في ذلك العام اضافة للحديث عن مقاومة كتلك التي قال "الحكيم" انها نشأت ضد الفلسطينيين ، وهو ما اعتبره كثيرون بداية لاعمال معينة تنوي القوات المضي بها ، من دون نسيان الاتهامات التي تكاد لا تحصى عن ان الحزب عازم على السيطرة على لبنان تارة باسم العمل على تعديل النظام وتارة اخرى من خلال الحديث عن المثالثة... الخ.

وجاء ما كشف عن لقاء جعجع مع النائب السابق وليد جنبلاط  مؤخرا في منزل النائب نعمة طعمة ،وكلامه عن انه اقوى اليوم مما كان عليه بشير الجميل في ذلك التاريخ وان حسن نصرالله اضعف مما كان عليه ياسر عرفات في الفترة نفسها ، ليطرح علامات استفهام في اوساط حزب الله وقيادته حول ما يتم تحضيره ، من دون ان تقف امام ما نسب الى جعجع في اللقاء المذكور عن امتلاكه قوة تضم 15 الف مقاتل وهو الامر الذي لم يؤكده جنبلاط ونفته القوات اللبنانية.

ولعل بين ما دفع الحزب للتوقف امامه طويلاً هو ما جرى قبل ايام في انتخابات جامعة القديس يوسف في الاشرفية ، عندما حاولت القوات اللبنانية استثارة العصبيات المسيحية الطائفية ضد الحزب من اجل كسب اصوات الطلاب المسيحيين بعد ان تظهر نفسها بمظهر الحامي لهم في وجه "تمدد " حزب الله ، او بمظهر من يقود حراك السابع عشر من تشرين الاول – اكتوبر ، ففشلت على المستويين عندما تقدم التيار العلماني على كل الاحزاب وعلى رأسهم القوات اللبنانية رفضا لمنطق الانكماش والتقوقع والانعزال الطائفي ورفضا لسرقة من يعتبرون انفسهم صناع ثورة او حراك تشرين.

وبمعزل عما يمكن ان يعنيه هذا المتغير في اداء الحزب وعما اذا كان متصلاً كما يرى لبعض المراقبين  ببداية تبدل في المشهد الاقليمي الذي ينعكس على لبنان مباشرة ، مع الاقتراب من نهاية ولاية الرئيس الاميركي دونالد ترامب في العشرين من الشهر المقبل وتسلم الرئيس الفائز جو بايدن الذي بدأ طاقمه تسلم ملفات الادارة ومنها المتصل بعلاقات واشنطن الدولية، فان ما يريد الحزب قوله من الان وصاعداً وفقاً لرمزية الخطوة التي كلف ابراهيم الموسوي بالاقدام عليها باسم قيادة الحزب هو ان هذا الحزب لن يسكت من الان وصاعداً على الاساءات الموجهة لها ، وعماده في هذا السياق القضاء وليقول لكل من يعتبرهم شتامين واصحاب اختصاص في السباب وتشويه الحقائق : كفى ، ولسان حاله هو :هاتوا برهانكم.

وليس معروفاً بعد ما اذا كانت خطوة الحزب القضائية مرتبطة بالمبادرة الفرنسية ، في ظل الكلام عن انه اراد توجيه رسالة الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مفادها انه ملتزم بالقوانين اللبنانية ويحتكم الى القضاء في اي قضية يمكن ان تواجهه كما انه يعمل ومن خلال القضاء الى الرد على محاولات اثارة الفتنة والحرب الاهلية التي سبق لسيد الاليزيه ووزير خارجيته جان ايف لودريان التحذير من الانزلاق اليها، فان خطوة حزب الله اليوم في الرد على موجهي الاتهامات له تكتسب اهمية كبيرة ليس في كونها فقط للدفاع عن نفسه بل في كونها مؤشر على ان الحزب يقوم حالياً بتشغيل محركات الهجوم ضد كل من استهدفه وكل من يعمل في خدمة أجندات استهدافه ، ولكن بوسائل مدنية وقضائية واعلامية مفتوحة .

ولهذا السبب فان خطوة النائب ابراهيم الموسوي ما هي الا مجرد بداية على هذا الصعيد.

 

الوسوم