بيروت | Clouds 28.7 c

قراءة في عملية اغتيال محسن فخري زاده / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 27 تشرين الثاني 2020

 

إن الحرب الأمريكية ـ الصهيونية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران بدأت منذ اليوم الأول لانتصار الثورة الإسلامية عام 1979، وهي أخذت أشكالاً مختلفة وتصاعدت وتيرتها يوماً بعد يوم..

فكانت عملية الإنزال العسكري في صحراء " طبس " وبعد الفشل دخلت الولايات المتحدة بصورة مباشرة الحرب وقامت بقصف منصات النفط الإيرانية في الخليج، وأسقطت بارجتها العسكرية الطائرة المدنية الإيرانية المتجهة إلى دبي وقتلت جميع ركابها، ولما فشلت المؤامرة ولم تتحق الأهداف الأمريكية في مواجهة إيران، بدأت الولايات المتحدة وبالإشتراك مع الدول المتحالفة والكيان الصهيوني في اتباع أسلوب جديد وهي حرب باردة تُستخدم فيها اجهزة الإستخبارات ويتم البحث خلالها عن عملاء داخل المجتمع الإيراني وفي المؤسسات المختلفة..

وكانت منظمة مجاهدي خلق بزعامة مسعود رجوي المناوئة للنظام الإسلامي على اتمّ الإستعداد لتقديم كافة الخدمات المطلوبة للمخابرات المركزية الأمريكية والموساد الصهيوني، وتسخير كافة إمكانياتها في داخل إيران لخدمة مخططات الأعداء، ولا شك أن عناصرها في الخارج لهم ارتباطات مع الداخل بأشكال مختلفة ويمكنهم من استقاء معلومات مهمة من هنا وهناك بصورة متقطعة ممن يتواصلون معهم من دون أن يعرف كثيرون أن غاية المتصلين هو التجسس، وفي حالات عديدة أيضاً يكون أشخاص قد أصابهم اليأس من تحقق اهداف الثورة الإسلامية، ولا يعنيهم إلى ما يؤول إليه نظام الجمهورية الإسلامية، فيسهل حينئذٍ على من في الخارج التأثير عليهم والإستفادة من تجاربهم ومعلوماتهم وأيضاً من علاقات هؤلاء مع زملائهم السابقين في مختلف المؤسسات المدنية والعسكرية، وتكون النتيجة وجود بنك معلومات مهم لدى المخابرات المركزية الأمريكية ومخابرات الكيان الصهيوني.

ولا شك أن مخابرات دول المنطقة، وأقمار التجسس المتطورة المنتشرة في الفضاء، ووسائل الرصد في مواقع الإنترنت، وشبكات الإتصال المختلفة، كلها تتكاتف جهودها وتتكامل معلوماتها لتصل إلى النتيجة التي يريدها عدوّا الجمهورية الإسلامية الرئيسيان وهما الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

ومن جانبها تملك الجمهورية الإسلامية أجهزة إستخبارية قوية أثبتت مراراً قدرتها في تنفيذ العمليات واختراق صفوف الأعداء حتى بلغ حد استخدام الوزير السابق في الحكومة الصهيونية غونين سيغيف، إضافة إلى قدرتها على اختراق شبكات الإتصال السرية للقادة العسكريين والأمنيين الكبار في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والوصول إلى كافة المعلومات الحساسة والسرية المتبادلة فيما بينهم، وكذلك قرصنة كافة المؤسسات الحيوية والإستفادة من مخزون معلوماتها، وحتى السيطرة الإلكترونية على أحدث الطائرات المسيرة الأمريكية والصهيونية وإنزالها سالمة في الأراضي الإيرانية.

وبعد إطلاق قمر صناعي إيراني في مهمة عسكرية إلى الفضاء صارت الجمهورية الإسلامية في إيران بمقدورها كغيرها تصوير المواقع الحساسة لأعدائها كما يرصدون هم المواقع الإيرانية.

إن أجهزة الإستخبارات في كل بلد تعمل لصالح الدولة نفسها، لكن المصالح المشتركة بين بلد وآخر أو بين مجموعة دول تدفع أجهزة المخابرات في البلدين أو في تلك الدول إلى تبادل المعلومات فيما بينها، فيستفيد كل طرف من تجارب الطرف الآخر في كيفية استقاء المعلومات، والتعرف على الشبكات المتعاونة معه، ومدى قدرة أفرادها على تنفيذ المهام التي توكل إليهم، وهكذا يمكن تنفيذ خطة محكمة وعملية ناجحة تخدم أهداف الأطراف المتعددة ذوي المصلحة المشتركة.

إن جميع محاولات الولايات المتحدة لم تنجح في وقف التقدم العلمي على مختلف المستويات في إيران وخاصة في المجال النووي والعسكري رغم كل العقوبات والحرب الإقتصادية التي بلغت ذروتها في عهد دونالد ترامب، بل أنتجت إيران كل يوم صاروخاً جديداً بمدى أبعد وبقوة تدميرية أكبر وبدقة في إصابة الأهداف أكثر.

وفي حقل القوة النووية فقد تمكنت الجمهورية الإسلامية في إيران من الوصول إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 5%  ثم تطورت إمكانياتها فبلغت نسبة التخصيب حد الـ 20% وهي قادرة تقنياً اليوم على رفع مستوى التخصيب أكثر من ذلك في حال قررت القيادة ذلك، وإيران تملك الآن مخزوناً كبيراً من اليورانيوم المخصب من إنتاج معاملها تثير قلق المفتشين التابعين للوكالة الدولية للطاقة النووية.

ولأن قرار الولايات المتحدة هو أن يكون الكيان الصهيوني هو الأقوى في المنطقة كلها، وأن تنفرد هي دون غيرها بالقوة النووية في الشرق الأوسط، فإن أية دولة مهما كان شكلها لا يجوز أن تكون ذي قوة نووية ولو في حدها الأدنى، فهذا العراق الذي لم يكن يوماً في الخط المعادي للولايات المتحدة، ولم يكن قد بلغ مرحلة متقدمة في المجال النووي، لكن في أوج التعاون بين صدام حسين والتحالف الدولي ضد الجمهورية الإسلامية قامت الطائرات الصهيونية بقصف المفاعل النووي العراقي وتدميره، وكانت أيضاً الذريعة الرئيسية للحرب على العراق هو القضاء على القدرات العراقية في المجال النووي وتدمير أسلحة الدمار الشامل التي باعتها له الدول الغربية بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية، وعقب الغزو الأمريكي بدأ اغتيال العلماء النوويين العراقيين واحدا تلو آخر ونُقل من رضي بالتعاون معهم إلى أمريكا ليكونوا هم ونتاجاتهم العلمية في خدمة مخططات وسياسات الولايات المتحدة.

ولذلك فإن الهاجس الأساسي عند الأمريكيين والصهاينة هو قدرة إيران على التطور المستمر في المجال النووي والعسكري على الرغم  من كافة أشكال الضغوط والعقوبات والحصار العلمي  والمالي والإقتصادي، وهذا الأمر ليس خافياً بل يكرر كل يوم المسؤولون في واشنطن وتل أبيب خوفهم من دخول إيران في نادي الدول النووية وفزعهم من قدرتها على التطوير في مجال تخصيب اليورانيوم، وايضاً إنتاجها لأحدث الصواريخ الذكية التي يبلغ مداها عدة آلاف من الكيلومترات.

أمام هذا الواقع،

لا يبقى سبيل أمام الولايات المتحدة وبالتعاون مع الكيان الصهيوني وبالتنسيق مع عدد من دول المنطقة سوى الإقدام على اغتيال العلماء الإيرانيين في مجال التطوير العسكري والنووي على يد عملاء مرتزقة او فرق متخصصة من عملاء الـ CIA والموساد تدخل إيران خلسة عبر  الحدود البرية أو حتى عبر المطار الدولي بجوازات مزورة واسماء غير حقيقية..

ولا يمكن لأي جهاز مخابرات مهما بلغت قدرتها أن تمنع بالكامل وصول عملاء إلى البلاد، لكن أجهزة الإستخبارات الإيرانية المختلفة تكتشف كل يوم شبكات عديدة من العملاء وتعتقل أعداداً منهم قدموا إلى إيران بحجة البحث العلمي أو السياحة وحتى تحت عنوان زيارة مقام الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام..

 لكن،

عملاء العدو يفلتون أحياناً من قبضة أجهزة المخابرات الإيرانية فيقومون بالمهام التي كلفتهم بها أجهزة المخابرات المعادية لإيران..

 وجاء في هذا الإطار اغتيال الدكتور محسن فخري زاده رئيس مؤسسة التحقيق والإبداع العلمي التابع لوزارة الدفاع اليوم وهو يقود سيارته في منطقة " آبسرد " القريبة من مدينة "'دماوند " عبر تفجير شاحنة صغيرة مفخخة قرب سيارته واشتباك عناصر المجموعة الإرهابية المترصدة مع حراسه...

وقبله كان اغتيال أربعة آخرين من العلماء في الحقل النووي على يد عملاء للموساد أيضاً لكن بأساليب أخرى، وكذلك كان قتل بعض العاملين في حقل تطوير صناعة الصواريخ.

إن الجمهورية الإسلامية في إيران لها ذراع طويل يطال قلب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ولها مناصرون كثيرون في أنحاء العالم يساعدونها في تنفيذ المهام إذا دعت الحاجة، ويمكنها أن تصل إلى من تريد حيث يكون، وإن اختطاف عبد المجيد المعروف بعبد الملك ريگي زعيم " جند الله " واستدراج روح الله زم مدير المحطة التلفزيونية "'آمد نيوز " وهما تحت الحماية الإستثنائية الأمريكية والفرنسية والإتيان بهما إلى إيران لهما نموذجان فقط من قدرة المخابرات الإيرانية على الوصول إلى أهدافها، واختراق صفوف مختلف أجهزة المخابرات حتى لدى الدول الكبرى لتنال من الذين يخونون الوطن والدين ويخدمون أعداء الإسلام والمسلمين، لكن أجهزة المخابرات الأمريكية والصهيونية أيضاً تنجح أحياناً في النيل من بعض الشخصيات التي تقضّ مضاجع المستكبرين، فتكون الشهادة من نصيبهم وهم يسعون في خدمة شعبهم ويعملون لاستعادة عزة الأمة الإسلامية ودكّ حصون المستكبرين، ولهم من الزملاء والتلاميذ من يكملون المشوار بعزيمة أقوى وسرعة أكثر، وبعد حين يعضّ الاعداء أصابعهم ندماً حيث يرون الفشل الذريع في تحقيق أهدافهم ويشاهدون التقدم المستمر في كافة المجالات على الرغم من كثرة المؤامرات...

والله سبحانه قد وعد المؤمنين بالنصر والغلبة والإستخلاف بعد أن يختبر صدق إيمانهم وخلوص عقيدتهم وصبرهم على المكاره بقوله:

( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكّنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليُبدّلنهم من بعد خوفهم أمناً ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي

الوسوم