بيروت | Clouds 28.7 c

التمسك بالدين فضيلة / بقلم الشيخ أسامة السيِّد

مجلة الشراع 26 تشرين الثاني 2020

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى: {إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقومُ ويُبشرُ المؤمنين الذين يعملون الصَّالحات أن لهم أجرًا كبيرا} سورة الإسراء.

لقد أرسل الله تعالى الأنبياء الكرام ليُطاعوا فيما أمروا به الناسَ مما أُوحيَ به إليهم، وشرَعَ ربنا الشرعَ ليُعمل به وجعل في التمسك بالشرع الشريف السعادةَ في الدارين فإن سبيل الفلاح في الدنيا والآخرة أن يؤدي الإنسان ما أوجب الله عليه ويبتعد عمَّا حرَّم الله عليه، وتلك هي التقوى التي فرضها الله قال تعالى: {واتَّقوا الله} سورة الحجرات. وأنزل عزَّ وجلَّ القرآن نورًا للنَّاس فمن اتَّبعه اهتدى للطريق الأحسن، ولا يزال الملتزم بأحكام الدين في حصن السلامة فهو محفوظٌ في الدنيا بالتزامه بما لزم عليه وهو آمنٌ في الآخرة من الأهوال التي يتعرَّض لها الكفار والفاسقون. ولا شك أن الأحرى بمن كرمت عليه نفسه أن يسعى في خلاصها ولا خلاص إلا بطاعة الله ولا تتم الطاعة إلا بالتسليم لله تعالى فإن الله يحكم بما يشاء ويفعل ما يريد، ومن لم يقنع بهذا فلا يكون من المؤمنين، وبالتالي فليس لأحدٍ أن يعترض على ما شرعه الله وما حكم به من أحكام دلَّ عليها القرآن الكريم أو أوضحتها السنةُ النبوية المشرَّفة خلافًا لما يصدر من بعض الناس اليوم حيث يعترض بعضهم على بعض ما جاء في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فترى أحدهم يقول مثلًا: هذه الآية لا تعجبني، أو هذا الحكم لا يُراعي الحالة الاجتماعية السائدة اليوم، أو هذا الحديث لا يُواكب العملُ به هذا العصر، أو أن الدين كانت تعاليمه صالحةً في الأزمان الماضية أما اليوم فينبغي تعديلها، وكل هذا الكلام ضلالٌ مبين ومناقض لما نزل به الأمين جبريل من الوحي المبين.

 

 

الحق أحق أن يُتَّبع

 والعجب كل العجب كيف يتجرّأ هؤلاء على الطعن بكلام الله وعلى الطعن بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يُقرُّون بأنه مؤيدٌ بالوحي من العليم الحكيم، وأحرى بهؤلاء أن يُرمى كلامهم وراء الظهر وأن لا يؤبه لهم، وليس كلامهم أصدق من كلام الله وقد قال عزَّ وجل: {إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم ويبشرُ المؤمنين الذين يعملون الصَّالحات أن لهم أجرًا كبيرا} سورة الإسراء. قال السِّمعاني في "تفسيره" نقلًا عن الزَّجاج: ""يهدي للتي هي أقوم" أي للحال التي هي أقوم والحال التي هي أقوم توحيد الله واتِّباع رسله وطواعيته في أوامره".

وحيث حكم الله بأن القرآن يهدي للتي هي أقوم فعلى من يعترض مثلًا على قوله تعالى:{للذكرِ مثلُ حظ الأنثيين} سورة النساء، وقوله:{فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورُباع} سورة النساء، أو على بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على حجاب المرأة ويرى التقدُّم والرُّقيَّ في العري والمجون أو يدعو إلى تبديل أو حذف بعض نصوص القرآن والحديث، أن يفهم أن الله لم يشرع ذلك إلا لحكمةٍ وأن من لم يفهم معنى تلك الحكمة فإن المشكلة تكمنُ في سوء فهمه لا في نصوص الشريعة، فإن الذي خلق الخلق وقدَّر ما يجري وأحاط بكل شىءٍ علما هو أعلم سبحانه بمن خلق وأعلم بما هو أنفع وما فيه المصلحة العامة، وقد قال تعالى في سورة الملك: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} وقال في سورة البقرة:{والله يعلم وأنتم لا تعلمون} فالله أعلم بعواقب الأمور أما نحن فلم نؤت علم العواقب، ولكننا نؤمن أن ما شرعه الله وما كلَّف به العبادَ صالحٌ على اختلاف الزمان والمكان.

ثبات الأحكام

وليست أحكام الدين الثابتة اليقينية آنيةً تتبدَّل باختلاف الأزمان أو تتغيَّر بتغيُّر المكان، قال الحافظ تقي الدين السبكي في فتاويه: "فلا نقول إنّ الأحكام تتغير بتغير الزمان، بل باختلاف الصورة الحادثة، فإذا حدثت صورة على صفة خاصة علينا أن ننظر فيها فقد يكون مجموعها يقتضي له حكما". وإن من أخطر المخاطر ما نسمعه اليوم عن أناسٍ يريدون تبديل بعض أحكام الشريعة بدعوى الإصلاح أو التجديد أو الاجتهاد أو فتح آفاقٍ جديدة فإذا بهم يُخالفون بمجرد الرأي ما جاء به النص في القرآن أو الحديث مداهنةً لبعض المستشرقين أو سعيًا لنيل مآرب رخيصةٍ، ألا فليعلم هؤلاء أن دين الله ليس سلعةً تُحاك بقياس فلانٍ أو فلان، وجديرٌ بهؤلاء أن ينظروا في حال الأمة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الطاهرين وأي عزٍّ كنَّا فيه ببركة التَّمسك بالشريعة الغرَّاء، وكل من درَس التاريخ يعرف حقيقة ذلك وما آلت إليه الأمور حين ابتعد أكثر الناس عن تطبيق تعاليم الدين كما نشهد في زماننا المعاصر. ولقد جعل الله تعالى شريعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ناسخةً لما قبلها من الشرائع وبعث محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة فبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، وما زال يروم الإصلاح وينصحُ الأمة فلم يترك خيرًا إلا دلَّ عليه ولم يترك فضيلةً إلا رغَّب بها، وكم بلَغَنا عن أناسٍ اعترضوا على بعض ما جاء في نصوص القرآن والحديث ثم أثبتت الدراسات ما يترتَّب على الوارد الثابت من منافع وأسرارٍ عظيمة مع العلم أن إيماننا بما جعل الله من أسرارٍ ومنافع في تطبيق التعاليم التي دلَّ عليها نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم راسخٌ في القلوب سواءٌ أظهرت بعضُ الدِّراسات بعضَ الأسرار المتعلِّقة بتطبيق كذا وكذا أم لا، فإن المؤمن لا يهتز يقينه بتشويش المشوشين ولا يتوقَّف تمام يقينه على دراسات العصريين، وكل من ينبذ شيئًا مما شرَعه الله فهو معاند فإنه إن ردَّ شيئًا من الدين وهو مقرٌ أنه بوحيٍ من الله كان مهدرًا لقيمة العقل، ومن ينكر وجود الله كان مُهدرًا أيضًا لقيمة العقل وكل ذلك ضلالٌ مبين، ولذلك فإننا ندعو إلى عدم التأثر بما يُلقيه أعداء الأمة وعدم الانجرار خلف ترَّهات المغرضين والحاقدين على الإسلام فإن الدِّين غالٍ والحق يعلو ولا يُعلى عليه.

والحمد لله أولًا وآخرا. 

 

 

            

الوسوم