بيروت | Clouds 28.7 c

خاص – "الشراع" / لبنان ونصرالله في دائرة المفاجآت الاخيرة لترامب

مجلة الشراع 23 تشرين الثاني 2020

حالة ترقب وانتظار تشغل العالم  برمته اليوم في متابعة  ما ستؤول اليه الاوضاع في الولايات المتحدة على ضوء  الانتخابات الرئاسية الاميركية التي باتت مسألة وصول جو بايدن الى البيت الابيض نتيجتها محسومة وإن تطّلب ذلك بعض الوقت وفقاً لمعنيين وخبراء في الملف الاميركي وانعكاساته في كل المجالات والميادين على امتداد الكرة الارضية.

حالة الترقب والانتظار ، تتركز حالياً على ما يمكن ان يقدم عليه الرئيس الاميركي دونالد ترامب خلال ما تبقى له من ولايته التي تنتهي رسمياً في العشرين من شهر كانون الثاني – يناير المقبل، والتي يمكنه خلالها اتخاذ تدابير واجراءات قد تصل في بعض مناطق العالم الى مستوى الحرب خصوصاً مع الإقالات الواسعة التي أقدم عليها في ادارته وفي وزارات معينة ابرزها وزارة الدفاع والتغييرات الناجمة عن ذلك ، بما يخدم ما يمكن ان يكون بصدد القيام به في اي لحظة من الوقت المتبقي له في البيت الابيض.

مبدئياً ، هناك نحو شهرين لترامب سيمضيهما في البيت الابيض  على الرغم من ان هناك سيناريوهات تتحدث عن ان الامر قد يطول ، وان الفترة الانتقالية قد تمتد نحو سنة ونصف قبل حسم مسألة الرئيس الفائز في الانتخابات الاميركية، مع كل ما يعنيه ذلك من احتمالات يتحدث معظمها عن ان الرئيس الاميركي المشكك بنتائج الانتخابات ، سيعمل في الداخل الاميركي على استدراج منافسه لصفقة تضمن انتقالاً هادئاً وسلساً للسلطة  للاخير ولكن مقابل  ضمانات يعطيها للخاسر اي لترامب  بعدم ملاحقته قضائياً  او التشهير به بناء على  حجم الدعاوى المرفوعة ضد شركاته واستثماراته بتهم رشاوى وتهرب ضريبي وارتكابات  في مجالات عديدة .

اما على مستوى الخارج ، فان ما هو متوقع -لا بل المرجح وبقوة - هو ان ترامب ماض في محاولات خلق أمر واقع جديد يتحتم على الادارة الجديدة مراعاته والسير به وفقاً لتوجهاته المرسومة ، حتى لو لم يكن الامر من ضمن برنامجها او من ضمن السياسات الاميركية التقليدية.

وأبرز الامثلة على ذلك هو الجولة التي قام بها وزير خارجيته مايك بومبيو قبل ايام وشملت مستعمرات صهيونية في فلسطين المحتلة لتوكيد ما يسميه حق اسرائيل في رفض ازالتها  في حال اقر حل الدولتين ، هذا بالاضافة الى زيارته الجولان السوري المحتل ليضفي على قرار ضمه من قبل تل ابيب غطاءً اميركياً لإلزام الحكام المقبلين للولايات المتحدة بعدم تجاوزه . وكذلك الامر بالنسبة لخطوات التطبيع مع اسرائيل الذي تتسع دائرته بشكل واضح وببصمة اميركية تفاخر ادارة ترامب بما بذلته للوصول اليه.

كما ان سياسة فرض امر واقع جديد المتبعة من قبل ادارة ترامب تشمل ايضاً وفي الاساس محاولة قطع الطريق على جو بايدن في ملفات عديدة وبينها ما كان التزم به بالنسبة للعودة الى الاتفاق النووي مع ايران، وهو ما يضع الادارة الجديدة امام خيارات صعبة للجمه عن الوفاء بما تعهد به خصوصاً وان مضيه به قد يؤثر سلباً على علاقات الولايات المتحدة مع الدول العربية ولاسيما مع دول الخليج .

الا ان كل ذلك ، قد يكون عادياً ازاء خطوات اكبر واكثر تأثيراً يمكن ان يقدم عليها الرئيس الاميركي في الاسابيع الاخيرة المتبقية له، وما الحديث عن العقوبات الاميركية ضد شخصيات لبنانية سوى عينة من الامر الواقع الذي تريد فرضه في لبنان من اجل تكبيل توجهات الادارة الاميركية الجديدة بسلسلة من الالتزامات التي لا تستطيع التراجع عنها بسهولة ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر رفض تمثيل حزب الله في الحكومة الجديدة مباشرة او مواربة ، وهو الامر الذي يؤخر حتى لا نقول انه يعطل تشكيل هذه الحكومة.

وبات واضحاً ان بعض الاطراف في لبنان ينتظر بفارغ الصبر تسلم جو بايدن الرئاسة الاميركية ، لوقف السياق الاميركي التصعيدي والبالغ الخطورة المعتمد من ادارة ترامب التي تتعاطى في موضوع استهداف حزب الله على قاعدة ان المطلوب هو رأس الحزب حتى لو كان كلفته انهيار لبنان الكامل وتدميره واغراقه في وحول جديدة من الازمات والمحن ليس بامكانه تحملها.

وذهب الامر بالبعض الى المجاهرة بان لبنان قد لا يكون قادراً على انتظار تسلم بايدن وخروج ترامب من البيت الابيض ، خصوصاً في ضوء ما يسرب من معلومات وتقارير حول ما تعتزم واشنطن القيام به ، سواء على مستوى فرض عقوبات جديدة ستطال الحزب وحلفائه واي متعاون معه حتى لو كان من قوى 14 اذار ، او على مستوى ما يمكن ان تحمله مفاجآت ترامب المتوقعة والتي لن يكون لبنان بمنأى عنها ، في وقت يجري الحديث في بعض الاوساط عن ان لبنان سيكون في صدارة الاستهدافات ضمن المفاجآت الترامبية المشار اليها.

وما تسرب من كلام عدائي وعنفي للوزير الاميركي مايك بومبيو في العشاء الذي اقامته السفيرة الاميركية في باريس لدى زياته الى فرنسا وحضره لبنانيون تجمعهم صداقات مع الاميركيين ، قد يكون احد العناوين الخطيرة لما يمكن ان تقوم به ادارة ترامب ضد حزب الله خصوصاً ولبنان عموماً.

اما الأكثر خطورة فهو الحديث عن ضربات جوية اميركية معلنة قد توجه لمنشآت ايرانية نووية ، سواء لاستدراج ايران الى رد يؤدي الى تأزم العلاقة الاميركية – الايرانية لسنوات طويلة هذا في حال لم تؤد الى حرب ،  وهو ما لاتريده الدولة العميقة في الولايات المتحدة كما لا يريده جو بايدن الذي كان اشار بوضوح الى عزمه على اعادة العمل بالاتفاق النووي مع ايران.

وما كشفته وسائل اعلام اميركية مؤخرا عن ان ترامب كان بصدد توجيه ضربة لاحدى المنشآت النووية الايرانية ، وعن ان مستشاريه نصحوه بعدم القيام بذلك هو مؤشر على ان مثل هذا الخيار يبقى مطروحاً في اي وقت خلال الفترة المتبقية للرئيس الاميركي الحالي في السلطة.

اما السبب في تمهل ترامب في ذلك فيعود الى "ان اي ضربة اميركية لايران او احد المفاعلات النووية فيها سيدخل المنطقة في حرب لن تكون اسرائيل بمنأى عنها ، لابل انها ستكون في قلب العاصفة التي ستهب بسبب هذه الحرب".

هذا ما اكده خبير عسكري متخصص نقلاً عن ضباط اميركيين كبار بينهم من كان معه لدى تخرجه من دورة اركان في الولايات المتحدة ، مشيراً الى ان ايران المدركة جيداً الى ان استراتيجية الولايات المتحدة التي تركز على أمن اسرائيل وكذلك أمن النفط ستتعرض لضربات موجعة في الرد الايراني على اي ضربة يمكن ان تتعرض لها طهران ، ولاسيما بما يتعلق بامن اسرائيل كون أمن النفط لم يعد له القيمة نفسها التي كانت له في مراحل سابقة بعد اكتشاف النفط الصخري في الولايات المتحدة وبالنظر الى ان ايران قد لا تركز على ابار النفط في المنطقة حتى لا تثير في وجهها ازمة عالمية او تدخل في صراعات اقليمية لا تريدها .

وحسب الخبير نفسه-نقلا عن زملائه الاميركيين - فان لدى ايران عبر حلفائها وفي طليعتهم حزب الله لائحة مفصلة بالمواقع الحيوية في اسرائيل والتي يمكن اصابتها بالصواريخ الدقيقة لا بل بالغة الدقة التي تستطيع اصابة اي مكان في الكيان الصهيوني ومن أمكنة غير بعيدة جغرافياً( من لبنان او سورية) وهو ما سيخلف اذى بالغ الضرر وغير مسبوق على هذا الكيان ،  كما سينتج عنه واقع وحقائق سياسية جديدة تعيد خلط الاوراق في المنطقة كلها على الرغم من ان الثمن الذي قد يدفعه لبنان على مستوى الدمار والقتل لن يكون عادياَ.

ويتابع الخبير نفسه ان هذا هو السبب الاساسي الذي دفع بمستشاري دونالد ترامب لاقناعه بعدم الاقدام على اي خطوة من هذا النوع، على الرغم من  انه كانه مقتنعاً بان قيامه بتوجيه مثل هذه الضربة لن يكون كبيراً بسبب اوضاع ايران المتدهورة اقتصادياً ,وقد يكون مشابهاً لرد الفعل" الهزيل" على اغتياله الجنرال قاسم سليماني.

كل ذلك لا يلغي احتمال قيام ترامب بعمل مفاجئ ضد ايران او حلفائها في اي وقت ، وهو الذي قدم نفسه للعالم من خلال المفاجآت التي لا يتردد في احداثها في اي ملف من الملفات المطروحة امامه.

وقد يكون بين هذه المفاجآت ، استهداف امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بعملية عسكرية على غرار ما حصل مع اللواء سليماني ، وثمة معطيات لدى العديد من المعنيين بهذا الامر لا تستبعد مثل هذه الخطوة الكبيرة والتي يراد منها خلق فراغ لن يكون بامكان الحزب تعويضه بالنظر الى الشخصية القيادية التي امتاز بها نصرالله والتجربة الواسعة التي اتيح له اكتسابها والشعبية الواسعة التي يحظى بها فضلا عما يتمتع به من صدقية وشفافية ومزايا اخرى .

وما عزز الكلام عن استهداف نصرالله هو الاجراءات غير المسبوقة المتخذة من قبل الحزب لحمايته ، علماً ان امين عام الحزب طالما كان موضع استهداف من قبل الاسرائيليين الذين ما كانوا ترددوا في محاولة اغتياله لو كان بامكانهم فعل ذلك او ضمان نجاحه.

يضاف الى ذلك، فان ما كانت واشنطن طالبت المسؤولين اللبنانيين به في مراحل سابقة ويتعلق بما تسميه مصانع ومخازن الصواريخ الدقيقة قد تكون من بين الاهداف التي يمكن ان تكون من ضمن مفاجآت ترامب، من منطلق وجود قناعة بان توجيه ضربات قاصمة وسريعة وحاسمة ومدمرة لهذه المواقع من شأنها شل قدرات حزب الله وسحقه والحؤول دون قيامه بتوجيه ضربات موجعة او مؤثرة لاسرائيل كما حدث في حرب ال33 يوما في تموز- يوليو 2006.

لا شيء مؤكداً حتى الان في هذا السياق ، كما انه لا يمكن استبعاد اي خطوة يمكن ان يقدم عليها ترامب في اطار مفاجآته التي لا تتوقف عند حدود او قواعد او ضوابط او روادع سواء كانت قانونية او اخلاقية او انسانية او سياسية تتعلق بالصورة الجديدة وغير المعتادة عن الولايات المتحدة.

باي حال ، فان حالة الترقب والانتظار لما يمكن ان يقوم به ترامب تبقى قائمة حتى يومه الاخير في البيت الابيض وهو ما يجعل الامور مفتوحة على شتى الاحتمالات والمفاجآت وحتى المغامرات.

 

الوسوم