بيروت | Clouds 28.7 c

المجنون والأربعون عاقل / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 19 تشرين الثاني 2020

يقول مثل عربي قديم: مجنون يرمي حجراً في البئر وأربعون عاقلاً يعجزون عن إخراجه، وبالضبط هذا ما يريد فعله دونالد ترامب المنتهية رئاسته عبر مواصلته فرض العقوبات على مزيد من المؤسسات والشركات والكيانات والشخصيات الإيرانية في الأيام الأخيرة من حكمه، وهو يعلم أن الرئيس القادم جو بايدن في حال صمم على التقارب مع الجمهورية الإسلامية في إيران فإنه قادر على إلغاء كل القرارات الرئاسية التي أصدرها ترامب بقرارات رئاسية مضادة تؤدي إلى إلغائها جميعاً..

 لكن،

يبدو أن دونالد ترامب الذي لا يزال يعيش صدمة خسارة الإنتخابات الرئاسية والذي خسر رهانه على الفريق الكبير من المحامين الذين كلفهم رفع دعاوى قضائية للطعن بصحة الإنتخابات نتيجة انسحابهم واحداً واحداً..

وعقب تخلي أركان إدارته عنه واحداً تلو الآخر..

وجرّاء الضغوط الكبيرة عليه من كبار قادة الحزب الجمهوري ليعترف بخسارته الإنتخابات والتسليم بفوز جو بايدن، وبعد أن رأى قادة دول العالم كلهم ما عدا الرئيس الروسي بوتين يتسابقون على تهنئة بايدن بفوزه بالرئاسة، إنه امام كل هذا الضغط الهائل داخلياً وخارجياً قد فقد صوابه أكثر مما كان في السّابق، فإذا كان ترامب بتصريح علني من رئيسة مجلس النواب بيلوسي هو مجنون بالكامل وهو في عزّ رئاسته، وهو الذي صوّتت أغلبية نواب الشعب الأمريكي على عدم صلاحيته لممارسة الحكم بسبب فقدان توازنه العقلي..

فكيف يا ترى يكون حال هذا الرجل وهو يرى نفسه مضطراً إلى ترك البيت الأبيض بعد أقل من شهرين في حال أنه كان واثقاً من بقائه فيه لمدة 8 سنوات، بل إنه صرح مرة بأنه باق في السلطة لمدة 100 عام ؟.

والمضحك أن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو المنتهية مدته أيضاً يجول مودعاً حلفاءه وهو يؤكد أن الضغوط على الجمهورية الإسلامية كانت مؤثرة، علماً بأن الرئيس ترامب في بدايات فترة رئاسته كان يؤكد على أن رزمة عقوباته الأولى هي التي ستجبر المسؤولين في طهران على القبول بالجلوس معه على طاولة المفاوضات..

 لكن،

 الرزمة تلو الرزمة أعلنت والجمهورية الإسلامية صامدة، ومضت السنوات الأربع دون نتيجة، وهاهو الرئيس الأمريكي يضطر إلى الخروج من السلطة وإيران باقية، وعلى الرغم من شدّة الحصار والعقوبات لم ينحنِ المسؤولون الإيرانيون ولو قليلاً أمام الرئيس الأرعن.

إن السبب في كل هذا الفشل في سياسة دونالد ترامب والذي يجب أن يأخذ العبرة منه الرئيس الجديد، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت دوماً تتعامل مع قادة الدول في المنطقة على الخصوص على أساس نظرية " البقرة الحلوب " التي تعصر البدوية ثديها فيدرّ الحليب، فإذا توقف ثدي البقرة عن درّ الحليب رفعت البدوية مجسماً من جلد العجل مليئاً بالتبن شبيهاً بالعجل الرضيع ومررته على ثدي البقرة " المعترة " فاعتقدت أن عجلها لا يزال يحتاج إلى المزيد، فتفاعلت وبدأت بدرّ الحليب من جديد، وتتكرر هذه الحيلة مرات حتى تكتفي البدوية بحاجتها وتتوقف عن عملية الحلب...

إن المجنون دونالد ترامب رمى طوال السنوات الماضية أحجاراً في بئر المحاولات الأمريكية التي بذلها سلفه الرئيس باراك أوباما للتقارب مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وها هو جو بايدن الذي كان نائباً للرئيس طوال 8 سنوات يدخل بعد أيام إلى البيت الأبيض وهو الرئيس، وهو يعلم أنه لم يكن ليصل إلى مراده لولا الدعم الكامل والمطلق له من جانب الرئيس باراك أوباما..

 فماذا يا تُرى سيفعل بايدن بالإرث الذي تركه رئيسه سابقاً والذي هو كان شريكاً فيه أيضاً؟

وهل سيعيد الحياة للإتفاق النووي، ويزيل الأحجار التي رماها في البئر المجنون دونالد ترامب فيكون هو الفرد العاقل الأقوى من الأربعين، لأنه قدر على ما لم يقدروا عليه بحسب المثل المعروف الذي كان عنوان مقالنا ؟...

( فانتظروا إنّا منتظرون ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي

الوسوم