بيروت | Clouds 28.7 c

فرنسا المناقضة نفسها / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 16  تشرين الثاني 2020

النظام في فرنسا رئاسي يعين رئيس الجمهورية رئيس الوزراء، وفي لبنان النظام برلماني يسمي النواب رئيس مجلس الوزراء ومُلزم رئيس الجمهورية إعلان إسم من نال غالبية الأصوات.

الرئيس في فرنسا ينتخبه الشعب مباشرة، وفي لبنان يختاره نواب المجلس.

النظام في فرنسا يعتمد الكفاءة في تقلد المناصب وتبوّء المواقع بمعزل عن الدين والمعتقد، وفي لبنان المعيار الأول للوصول إلى أدنى وظيفة في الدولة هو الإنتماء الطائفي، وهذا ما هو منصوص في الدستور، ثم يأتي دور الولاء لهذا الزعيم وذاك، ولا أهمية أبداً للكفاءة ولا قيمة للإختصاص.

النظام في فرنسا " علماني " إلى حد معاداة كافة الأديان، والنظام في لبنان " طائفي " إلى حد التشبث بالتقاليد البالية لبعض الطوائف.

النظام في فرنسا يقيم الإحتفال بمناسبة التحرر من سلطة الكنيسة من خلال ثورة شعبية، وفي لبنان رسموا هذه الدولة على مقاس رأس الكنيسة البطريرك الحويك عام ١٩٢٠ وهم يؤكدون دائماً على أن مجد لبنان أعطي لبطريرك الموارنة في بكركي.

الرئيس في فرنسا لا يذهب إلى الكنيسة تقيداً بمبدأ فصل الدولة عن الدين، والرئيس في لبنان يأخذ بركته من الكنيسة بعد فوزه باكثرية أصوات النواب.

النظام في فرنسا لا ذكر للدين في بطاقة الهوية لمواطنيه، وفي لبنان يقيّد في هوية المولود لحظة ولادته إلى جانب اسمه إسم مذهبه وطائفته.

إذن لا قاسم مشتركاً أبداً بين فرنسا العلمانية حتى الإلحاد ولبنان الطائفي حتى النخاع، لكن الغريب أن قسماً من اللبنانيين " السياديين " يعشق فرنسا إلى حد مطالبتها باحتلال لبنان من جديد، وقسم آخر من الطائفيين يراها أمّاً حنوناً يطلب الرضاع من ثدييها كلما أحسّ بالجوع، وقسم ثالث نسي أن فرنسا لا تزال دولة استعمارية حتى يومنا هذا، وهي لم تزل تفرض سلطتها على شعوب رغماً عن إرادتها في بلاد تبعد آلاف الأميال عن فرنسا، وهو يرى هذه الدولة الرافضة لمبدأ حق تقرير المصير للشعوب في مستعمراتها أنها حريصة على سعادة الشعب اللبناني واستقلال لبنان.

إن الرئيس الفرنسي ماكرون الذي طار إلى لبنان فور انفجار مرفأ بيروت الكارثي من دون طلب أو دعوة من أحد قد وجد فرصة ذهبية للتغطية على أزمته الداخلية، والهروب من مواجهاته المستمرة مع شعبه المتظاهر في مختلف المدن الفرنسية، والعمل على تغيير صورته المهشمة أمام الرأي العام الفرنسي من خلال الظهور في العاصمة اللبنانية وهو محاط بالمسؤولين ومرحب به من حشود المواطنين، والتأكيد بذلك على أنه الشخصية المحبوبة لدى الناس وإن في بقعة جغرافية خارج الأراضي الفرنسية، واللبنانيون الذين كانوا في حالة صدمة وذهول عقب الإنفجار الكبير سارعوا إلى الإحاطة بالرئيس الفرنسي والترحيب بقدومه والتسابق في الإلتقاء بحضرته وأخذ الصور التذكارية مع فخامته، والمتخاصمون الذين لم يكن يجمعهم سقف واحد منذ سنوات تجمعوا في دقائق في السفارة الفرنسية حول طاولة واحدة على رأسها صاحب الفخامة المبجل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو تحدث بلغة الأمر مع المجتمعين قارئاً على مسامعهم برنامجاً معيناً تمت صياغته مسبقاً وسُمّيت المبادرة الفرنسية، وأخذ من جميع المجتمعين عهداً للإلتزام به، ثم حدد أياماً معدودات لتنفيذ إملاءاته، متوعداً المترددين والمعارضين بالعقوبات الفردية والجماعية، وهكذا أصبحت المبادرة الفرنسية " الوسيلة الوحيدة والأمل الأخير لإنقاذ لبنان " في تصريحات مختلف الأفرقاء وكافة المسؤولين.

وعاد الرئيس الفرنسي إلى لبنان في التاريخ الذي أعلنه في ختام زيارته الأولى موبّخاً المسؤولين اللبنانين لتأخرهم في تنفيذ اقتراحاته، وحلّ ايمانويل بون رئيس المستشارين في قصر الإليزيه، محل رئيس المخابرات السورية في السابق وصار هو يُصدر التعليمات لكافة المسؤولين ويملي عليهم كيف تكون التشكيلة الوزارية وحتى الأسماء المقبولة وغير المقبولة بالوزارة المقبلة، وكافة الأطراف تردد كل يوم تأكيد التزامها بالمبادرة الفرنسية.

إن الشعب اللبناني الذي يعاني من المشاكل على اختلافها ويتخبط في الأزمات المتلاحقة هو وحده القادر على الخروج مما يعاني منه، لكن بشرط أن يخرج أبناؤه أولاً من أسر تعصبهم لقياداتهم المصطنعة والتي انكشف للجميع أنها فاقدة للشخصية، ورأوها بأم العين أنها خاضعة أمام الأجنبي، والتي عرف كل الناس أنها منغمسة في الفساد بكل كيانها، ومشاركة في نهب أموال الشعب المسكين، وفي حال ظل الناس متشبثين بالزعماء الحاليين على اختلاف طوائفهم وألوانهم، وإذا بقوا مستمرين بالولاء لمن يبيعونهم كل يوم في سوق النخاسة هنا وهناك (  بثمن بخس دراهم معدودة ) ثم يتقاسم تلك الدراهم المستوفاة رموز الأطراف المشاركة في السلطة فيما بينهم، ثم لا يكون للمتعصبين أي نصيب في الحصة التي نالها كلٌ رأس منهم، ولا يشمّ المناصرون أبداً رائحة المغانم التي كان من نصيب كل قطب في طائفة أو زعيم في تنظيم أو رئيس في حزب، بل يجب أن يتذكّروا دائماً قول الله سبحانه وهو أصدق القائلين في كتابه المجيد: ( إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي

الوسوم