بيروت | Clouds 28.7 c

ماذا بعد " أفغنة " الولايات المتحدة / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 11 تشرين الثاني 2020

 

قبل أشهر جرت إنتخابات رئاسية في افغانستان وكانت المنافسة الرئيسية بين الرئيس الحالي أشرف غني احمدزي وعبد الله عبد الله نديم رمضان...

وكانت النتيجة:

ادعاء كل منهما نيل أكثرية أصوات المقترعين والفوز بمنصب رئاسة الجمهورية..

وأقام كل منهما حفل تنصيب لنفسه

وأدى القسم الدستوري في منطقة متقاربة جداً أمام قاضٍ من مؤيديه!!

وصار لأفغانستان الممزقة أصلاً والمحتلة أمريكياً رئيسان للجمهورية، وكادت الأمور تفلت كلياً من أيدي المجموعة الحاكمة شكلياً  والمهددة أصلاً من طالبان منذ القدم ومن تنظيم داعش الداخل على الساحة الأفغانية حديثاً، وتدخلت الولايات المتحدة بكل قوة حتى استطاعت إقناع أشرف غني بالتنازل قليلاً عن الرفض الكامل إعطاء أي دور لعبد الله، وتخلى الثاني عن تمسكه بحقه في الرئاسة استناداً إلى ادعائه نيل أكثرية الأصوات، وأصبحت أفغانستان نتيجة ذلك دولة واحدة برأسين في الحقيقة، حيث أصبح عبد الله الرئيس التنفيذي إلى جانب أشرف غني رئيس الجمهورية، لكن صمام الأمان وضابط الإيقاع بين الرجلين تبقى الإدارة الأمريكية.

لكن الحال في الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام تشبه بالكامل أجواء الفترة الإنتخابية في أفغانستان حيث يدعي دونالد ترامب أنه الحائز على أكثرية أصوات الناخبين الأمريكيين فيما جو بايدن يحتفل بالنصر وتنهال عليه برقيات التهنئة من الداخل والخارج، وترامب يبذل جهداً كبيراً للطعن بفوز بايدن والإدعاء بحصول تزوير كبير أثناء الإقتراع من خلال التصويت المتكرر للفرد الواحد مرة بالإقتراع عبر البريد ومرة بالتصويت في مراكز الإنتخاب، وأيضاً التصويت بهويات أشخاص متوفين، وشكّل فريقاً كبيراً من المحامين والقانونيين لتقديم شكاوى للمحاكم في مختلف الولايات، وجو بايدن الذي أُعلن فوزه يعمل بدوره بكل طاقته لتشكيل فريق عمله وتقسيم المناصب العليا بين المقربين منه غير آبه بتحركات خصمه اللدود.

ونتيجة لهذا الواقع المتشنج ينقسم الشارع الأمريكي، وينعكس ذلك في اندلاع مواجهات عنيفة ومسلحة بين مؤيدي الطرفين في مختلف المدن، إضافة إلى الإحتقان الشديد والإشتباكات المسلحة بين البيض وأصحاب البشرة السوداء، وتهيّؤ الأجواء لحرب أهلية واسعة في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا كانت الإدارة الأمريكية استطاعت ترتيب الأمور بين المتنافسين في أفغانستان وضبط  إيقاع الرأسين أشرف غني وعبد الله عبد الله فمن يا ترى يمكنه ترتيب الأمور بين دونالد ترامب العنيد المصرّ على حقه في الرئاسة للدورة الثانية، وهو يدعو أنصاره المدججين بالسلاح للتجمع في العاصمة واشنطن في الأيام المقبلة وبين جو بايدن الذي تم إعلان نيله أكثرية الأصوات وفوزه بالرئاسة من قبل وسائل الإعلام والمراقبين، فحتى المحكمة العليا مطعون بشرعية أحد أركانها وهي القاضية آمي كوني باريت التي اقترح اسمها ترامب بعد موت القاضية غينسبيرغ ووافق على تعيينها مجلس الشيوخ ذات الأكثرية الجمهورية على الرغم  من إصرار المرشح جو بايدن على ضرورة تأجيل تعيينها حتى انتهاء الإنتخابات الرئاسية!

ورئيسة مجلس النواب ذو الأكثرية الديمقراطية أعلنت بكل صراحة أن هذه القاضية غير شرعية كونها ستقف حتماً إلى جانب من جاء بها وقام يترشيحها وتعيينها في حال لزم تدخل المحكمة العليا لفض الخلاف بين المتنازعين، وإذا تدخل مجلس النواب في نهاية المطاف حسب الدستور الأمريكي لتصحيح الخلل والفصل النهائي بين المتخاصمين فإن الديمقراطيين الذين يملكون في ذلك المجلس الأغلبية سيؤيدون حتماً مرشحهم بايدن فيما سيصرّ ترامب على التشبث برأي المحكمة العليا في حال أيّدت حقه بالرئاسة..

والشارع المنقسم أصلاً يزيد كل يوم التهاباً، والنفوس يتم شحنها من قبل ترامب الذي حذر مسبقاً بالحرب الأهلية في حال لم يفُز بالرئاسة لدورة ثانية وصب وزير خارجيته بومبيو الزيت على النار بالتأكيد على أن التسلم والتسليم سيتم حتماً يوم 20/01/2020  لكن بين ترامب وترامب، والرئيس الأمريكي شرع في هذه الأثناء بتصفية المترددين في ولائهم المطلق له حيث أقال وزبر الدفاع أولاً، وهناك قائمة طويلة على الطريق، فالمستقبل في الولايات المتحدة من خلال هذا الشرح قاتم، والأجواء ملبدة بالكامل، والإستعدادات للمواجهة الدموية تكتمل، والسلاح موجود بوفور بين أيدي كل الأمريكيين، وأفراد قوى الأمن موزعو الولاء حسب سيطرة الطرفين على بلديات المدن كون الشرطة تتبع سلطة المجلس البلدي لكل مدينة، إضافة إلى الإنقسام الذي شاهدنا صوراً عنه أثناء المواجهات العرقية قبل الإنتخابات حيث انضم قسم من العسكريين إلى صفوف المتظاهرين وبعضهم رفض الأوامر بإطلاق النار ووقف على الحياد..

 والجيش الأمريكي الذي يعاني من تضعضع في قياداته نتيجة التغييرات المتعددة في المستويات العليا، وما الحديث في الأيام الماضية عن إمكانية تدخل الجيش لإجبار الرئيس ترامب على مغادرة البيت الأبيض في حال إصراره على البقاء فيه بعد 20/01/2020  المقبل وإقدام ترامب على إقالة وزير الدفاع وتصريح الوزير بعد ذلك بأنه لم يكن أداة تنفيذ طيّعة لترامب، كل هذا يذكرنا بما أصاب الأمم السالفة التي تكرس الظلم في سلوك حكامها وتفشى الفحشاء والمنكر في صفوف أبنائها، حيث يشير إليها الله سبحانه بقوله تعالى:

( قد مكر الذين من قبلهم فأتى اللّه بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي

الوسوم