بيروت | Clouds 28.7 c

خاص – "الشراع" / رداً على العقوبات الاميركية: باسيل لا يستفز واشنطن ويرد داخلياً بالتصعيد

مجلة الشراع 9 تشرين الثاني 2020

لم يعمد النائب جبران باسيل الى اتخاذ مواقف تصعيدية ضد واشنطن بعد العقوبات الاميركية ضده ، مستجيباً لنصائح عديدة وجهت له.

ومن بين من وجه له النصيحة ، نائب مستقيل كان متحالفاً في الانتخابات النيابية الاخيرة مع التيار الوطني الحر  وتربطه علاقة جيدة بعدد من المسؤولين الاميركيين .

النائب المستقيل وبعد اتصال مع مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى دافيد شينكر ، طلب من باسيل التروي وعدم اتخاذ مواقف تؤدي الى" كسر الجرة" مع واشنطن او الى "اقفال خط الرجعة"، ناقلاً عن المسؤول الاميركي المذكور ان اي كلام من باسيل في هذا الاطار سيعرضه لمزيد من الاستهداف عبر نشر وثائق ومستندات ادت الى الاعلان عن فرض العقوبات ضده وفق قانون ماغينتسكي.

شينكر كان في الاتصال المشار اليه متشددا في الحديث عن باسيل، وهو أمر لم يكن مفاجئا خصوصاً انه استثناه في زيارته الاخيرة الى لبنان ولم يجتمع به على الرغم من الحاح رئيس التيار الوطني الحر في طلب اللقاء به وعلى الرغم من ان المسؤول الاميركي لم يترك احدا من القيادات السياسية البارزة الا واجتمع به.

واول ما قام به باسيل بناء على النصائح الموجهة اليه هو منع التيار الوطني الحر من التوجه الى مقر السفارة الاميركية في عوكر للتظاهر والاعتصام هناك احتجاجاً على العقوبات ضد رئيسهم . وقد جرت محاولات وعلى مدى يومي السبت والاحد الماضيين من اجل التجمع والتوجه الى عوكر ، الا ان باسيل عمل شخصياً وبتشدد للحؤول دون حصول اي تحريك للشارع في تياره ضد الاميركيين ، تحسباً لكل ما يمكن ان يرافق ذلك من توجيه شتائم وشعارات "تزيد من الطين بلة " بالنسبة له، معتبرا ان رده في اطلالته الاعلامية يوم الاحد سيكون كافياً في تفنيد ما استهدفه من عقوبات .

لهذه الاسباب كلها ، عمد باسيل الى محاولة الدفاع عن نفسه والرد على ما ورد في حيثيات الاعلان عن العقوبات ضده من دون ان يتخذ مواقف استفزازية او مواقف من النوع الذي يعرف انها تزعج الاميركيين ،متحدثاً عن انه ليس هناك اي اثبات او دليل ضده.

لم يترك عبارة لترطيب العلاقة مع الاميركيين الا واستخدمها ،  مسهباً في الحديث عن خلافه مع حزب الله عقائدياً وفي الموقف من اسرائيل والسلام معها وحقها في الامن الخ، كأنه بذلك يعيد تقديم اوراق اعتماده اميركيًا من خلال الحديث عن ظلامية تعرض لها بفعل العقوبات. مستفيداً بالطبع من الجو الجديد المتمثل بانتقال السلطة في واشنطن من الجمهوريين الى الديمقراطيين والتغيير الذي سيحصل مع الرئيس المنتخب جو بايدن والذي سيطال كل من كان وراء العقوبات ضده وبينهم مايك بومبيو ودافيد شينكر.

باسيل كشف وبشكل لافت عن اربعة مطالب اراد الاميركيون منها تنفيذها ، ولم يكشف الا عن احدها وهو قطع علاقة التيار الذي يترأسه بحزب الله ، بشكل بدا معه بوضوح ان حزب الله يريد تثمير رفضه لهذا المطلب على مستوى حزب الله وعلى مستوى المحور الذي ينتمي اليه.

واللافت في كلام باسيل هو انه تحدث عن استمرار السير بتفاهم مار مخايل مع حزب الله على قاعدة ابداء الخشية على البلد من الفتنة في حال لم يكن هذا التفاهم موجودا ،وليس على قاعدة تنفيذ ما ورد من بنود في التفاهم المذكور ميثاقياً ووطنياً واصلاحياً ، او قاعدة التحالف الذي مكًنه من الوصول الى الوزارة قبل التسوية الرئاسية منذ اربع سنوات وتعزيز وجوده فيها بعد انتخاب عمه  ميشال عون رئيساً للجمهورية.

لم يكشف باسيل عما طلبه الاميركيون وما اذا كان ذلك على علاقة بملف ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني ، وهو امر يطرح علامات استفهام عديدة حول المطالب الثلاثة المتبقية والاسباب التي دفعت رئيس التيار يتحدث عن وجودها والتي لا يمكن وضعها الا في محاولة السعي لجني الارباح ، وعلى طريقة رب ضارة نافعة.

واذا كان الحديث بدأ بشكل واسع في لبنان وفي الولايات المتحدة عن أفول زمن دافيد شينكر احد رموز الصقور في ادارة دونالد ترامب الذي سيصبح قريباً رئيساً سابقاً، فان رهان جبران باسيل هو على الادارة الجديدة والطعن الذي سيعمل على الوصول اليه من خلال مكتب محاماة اميركي كما اعلن ، من اجل الغاء العقوبات التي صورته فاسداً ومرتكباً ومسؤولا او احد المسؤولين البارزين عن حال الانهيار الذي يعيشه لبنان حاليا.

وقد عبر في هذا السياق عن ان قرار العقوبات ضده سياسي ، ويمكن شطبه بشحطة قلم كما قال مثلما جرى اتخاذه بشحطة قلم.ولعل هذا ما دفع الرئيس ميشال عون الى ان  يكون اول من وجه برقية تهنئة الى الرئيس المنتخب جو بايدن ، املاً بان يكون ذلك فاتحة لعلاقة مع ادارته تختلف عما شهدته علاقة  العهد مع الادارة الحالية.

الا ان مشكلة باسيل لا تنحصر في هذا السياق ، كون المسألة تطال طموحه لا بل "حلمه" بالوصول الى رئاسة الجمهورية خلفاً لعمه، وهو امر كان وما يزال يشكل الحجر الاساسي في أولوياته وأولويات عون الذي سبق له ان جاهر بهذا الامر.

كان جبران باسيل يمني النفس بانه اصبح قريباً من الرئاسة مع تراجع حظوظ ترامب بالبقاء في البيت الابيض ، وتقدم فرص جو بايدن . على اعتبار ان الاخير سيعيد العمل بالاتفاق النووي مع ايران ما يعني ان الطريق اصبحت امامه اي امام رئيس التيار الحر من اجل استنساخ تجربة عمه في الوصول الى الرئاسة عندما استطاع نيل لقب فخامة الرئيس بفعل الظروف التي انتجها الاتفاق المذكور الذي كان بايدن المسؤول عنه في عهد الرئيس الاميركي السابق .

لم يهنأ باسيل بما كان يتصوره ،بعد ان صدرت بحقه العقوبات التي كانت ترده معلومات حول امكانية اعلانها ضده ، الا انه كان يراهن على امكانية عدم صدورها وتولي الادارة الجديدة صرف النظر عنها الا ان حسابات الحقل بالنسبة لباسيل لم تكن مطابقة لحسابات البيدر، خصوصاً وان  العقوبات ضده وما تضمنته من توصيفات له باتت جزءاً من صورته سواء نجح او اخفق مع الادارة الجديدة في الغاء  هذه العقوبات.

وبطبيعة الحال ، فان حزب الله المتضامن مع باسيل في الموقف ضد العقوبات الاميركية ضده ، لن يتردد في مساعدة رئيس التيار الوطني الحر على الخروج من من الوضع الجديد  الذي يعيشه، الا ان هذا الامر ليس مرتبطا في الاساس بترشيحه للرئاسة ، خصوصا وان الحزب كان يتجنب على الدوام الالتزام او التعهد بان يكون "فلان او فلان"، جبران باسيل او سليمان فرنجية او غيرهما مرشحه للرئاسة في الانتخابات المقبلة، ولسان حال مسؤوليه كان على الدوام ولاسيما امينه العام السيد حسن نصرالله ان الامور رهن بمواقيتها ومن المبكر الحديث عن هذا الموضوع .

بكل الاحوال ، فان ما حصل مع باسيل نتيجة العقوبات الاميركية يمكن وصفه كما عبر احد خبراء العلاقة الاميركية – اللبنانية بانه ضربة صاعقة  له  ولن يستطيع التخلص من عواقبها وهي تتجاوز كل ما تعرض له من الشارع اللبناني و"الانتفاضة الوطنية ضد الحرامية" التي انطلقت في السابع عشر من شهرتشرين الاول- اكتوبر في العام الماضي عندما تركزت الحملات الشعبية ضده وركزت على مسؤوليته في وصول الوضع في البلاد الى ما وصلت اليه من أزمات وانهيارات تزداد سوءاً يوما بعد يوم.

ومع ما يحمله ما حصل  من انعكاسات على الوضع العام في البلاد، فان باسيل بدا وكأنه يقوم بالرد داخلياً على ما تعرض له اميركياً ، وذلك من خلال التصعيد الذي بادر اليه ضد الرئيس سعد الحريري دون ان يسميه في موضوع تشكيل الحكومة ، ومن خلال فتح النار على معظم اعضاء الطبقة السياسية ،ما ينذر كما يقول مرجع سابق بان الفترة المتبقية من ولاية الرئيس ميشال عون ستكون الاكثر صعوبة على لبنان، وان دور باسيل سيكون عنوانه في السنتين المتبقيتين العرقلة والتصعيد، وذلك باشكال وعناوين مختلفة منها ، بهدف استعادة الوهج الشعبي بين المسيحيين والذي تعرض لانحسار كبير من جراء السياسات المتبعة.

خلاصة القول هي انه اذا كان باسيل كما هو واضح من خلال ما شهدته الايام الاخيرة ، لا يريد التورط باي موقف او رد على واشنطن بعد ان فعل تهديد شينكر فعله في سلوكه وموقفه وردة فعله ، فانه يعمد اليوم الى الرد على ما تعرض له من عقوبات حيث يمكنه فعل ذلك اي في  الداخل اللبناني.

ومن خلال حديثه الاخير عن تفاصيل ما دار في موضوع تشكيل الحكومة وما سماه وحدة المعايير  يظهر بوضوح انه  ما زال يتعامل بالعقلية نفسها التي ادت قبل نحو عام ونصف عام الى الوضع الذي نجم عن احداث قبر شمون، كما انه يعمل على  محاولة الدفاع عن نفسه عبر الهجوم على الحريري الذي يسعى  اليوم الى تشكيل حكومة تتولى تنفيذ المبادرة الفرنسية ،الى ما هنالك من وقائع يعرفها القاصي والداني .

ولعل في ذلك ما يدفع الى القول اننا امام  فصل جديد  من فصول السيرة الجبرانية او الباسيلية الحافلة بالمشكلات مع كل الاطراف السياسية في لبنان ومن دون استثناء . وهي مشكلات  لم توفر حيويات نوعية  داخل التيار الوطني الحر نفسه.

 

الوسوم