بيروت | Clouds 28.7 c

الصراع على الاردن / بقلم:محمد خليفة

أم على قلوب أقفالها ..؟!

الصراع على الاردن / بقلم:محمد خليفة

 

من المفهوم أن جهات كثيرة لا تريد الاستقرار للاردن، ما دامت المنطقة كلها في حالة اضطرابات، تضربها الزلازل المدمرة وتلفها العواصف والصواعق السياسية والامنية. ومن المفهوم أن يكون هذا البلد الواقع في قلب مثلث التصدعات الاقليمية الكبرى هدفاً لهذه الجهات الاقليمية، عربية وغير عربية.

الاردن ضلع رئيسي في ثلاثة محاور جيوبوليتيكية، المحور السوري-  العراقي - الايراني، والمحور الفلسطيني – الاسرائيلي - السوري، والمحور العربي السعودي – الخليجي-  المصري. ومن الطبيعي أن يؤثر ويتأثر بتطوراتها وتفاعلاتها الداخلية والاقليمية، وسبق له أن واجه موجات وارتدادات الثورة الفلسطينية في ذروة صعودها، ثم واجه آثار حروب الخليج الثلاث، وتعرض لموجات الارعاب القادمة من العراق بعد 2003، ثم تعرض لموجات ورياح الربيع العربي بعد2011 ، وفي هذه المرات الثلاث أثبت الاردن بلداً ونظاماً مناعة تثير الاعجاب لدعاة الامن والاستقرار، وتثير حفيظة اعداء الاستقرار والامن، وأعداء العرب فسلطوا أذرعهم الارعابية والاجرامية عليه، وكان أبرزها مجزرة الفنادق عام 2005، وربما كانت العملية التي اجهضتها قوات الامن الاردنية قبل أيام بالحجم نفسه، إذ تشير المعلومات التي تكشفت عن التخطيط لهجوم وحشي على مهرجان ثقافي وفني يحضره آلاف المواطنين الآمنين بمتفجرات من النوع الخطير الذي يستهدف حصد أكبر عدد من الضحايا .. فقط!

هذا هو محتوى الرسالة الذي كشفته مجدداً هذه العملية الارعابية المزدوجة التي وقعت بين الفحيص والسلط، يومي الجمعة والسبت  10 و11  آب/ أغسطس. وقالت السلطات الامنية بعد تحقيقاتها الاولية إن ((الجماعة)) التي نفذتها تتبنى أفكاراً تكفيرية وتؤيد ((داعش))، ولكن التحقيقات لم تكشف حتى الآن ارتباطاتها الخارجية، ما يعني أن الأمر مفتوح على احتمالات عديدة، ولا يعني عدم وجود هذه الارتباطات.

للنظام السوري مصلحة كبيرة في نسف استقرار الاردن، لا سيما أن نظام الاردن السياسي أثبت دائماًَ عقلانية بالغة في التعامل مع احتجاجات شعبه المطلبية كلما انفجرت، وآخرها قبل ثلاثة شهور، وقبلها عام 2011 بتأثير ثورات الربيع العربي، كما أثبت تفوقاً حضارياً ونوعياً عن نظام دمشق الهمجي الذي لجأ للقتل والبطش - كعادته دائماً - في مواجهة أطفال درعا. وبالطبع فنظام دمشق لا يسره، ولا يرضيه - بل يؤذيه  -! أن يرى استقرار الاردن راسخاً بعد ثماني سنوات من الاضطرابات في بلده، لأن الشعوب باتت تقارن بين المستوى الراقي لتعامل الأجهزة الامنية والسياسية الاردنية مع المواطنين، والمستوى البربري للأجهزة السورية في تعاملها مع مواطنيها، وباتت ترفض أساطير الممانعة والصمود في وجه اسرائيل تبريراً للقمع ومصادرة الحريات منذ1963 .

وللنظام الايراني أيضاً مصلحة كبيرة في تفجير الاردن، خدمة لحليفه الاسد اولاً ولاستراتيجيته الخاصة. ففي عام 2014 عندما توترت علاقات الاسد مع عمان تولى مسؤولون ايرانيون مهمة السفر الى عمان لابتزازها وتهديدها اذا انحازت للثورة السورية. فضلاًَ عن أن المراقبين سجلوا مؤشرات متتالية على سعي ايران لنسف استقرار الاردن وخلق حالة فوضى تمكنهم من النفوذ اليه، والاقتراب من حدود اسرائيل، بهدف المساومة لا المقاومة طبعاً.! وقد عرض الايرانيون منذ سنين على الاردن بيعه النفط بسعر بخس مقابل تطوير العلاقات معه وابتعاده عن المحور العربي السعودي - الخليجي لكن قادة الاردن رفضوا، فكان لا بد من تهديده وابتزازه بالتعاون مع دمشق وعبر شبكات ارعابية مرتبطة بهما عضوياً وتاريخياً، واستخدمها نظام دمشق مرارا ًوتكراراً.

((الدواعش)) الذين خسروا الكثير من مواقعهم في العراق وسورية ولبنان لهم مصلحة كبيرة أيضا ًفي فتح جبهة جديدة ليثبتوا أنهم لم ينتهوا، وأنهم ما زالوا اقوياء، وكانوا منذ سنوات يحاولون التسلل الى الاردن بالتنسيق مع مشغليهم في دمشق وطهران.

ولا يخفى على المراقب مغزى أن تأتي حادثة السلط بعد مذبحة السويداء بأيام قليلة، وقبل أن تنتهي ارتداداتها. وهذه المذبحة إذا كان لها من ايجابية فهي أنها كشفت لكل السوريين مدى التنسيق بين اجهزة الاسد الاجرامية وارعابيي ((داعش))، بحيث لم يعد أحد يصدق أن ((الدواعش)) ليسوا جزءاً من الشبكات والعصابات التي تتعاون في ادارتها ايران والاسد، بل وروسيا في عموم المنطقة ضمن استراتيجية واحدة لغايات مشتركة، مؤداها أن المحور الثلاثي هو اللاعب الأقوى على مسرح الشرق الاوسط حالياً، وإما أن يعترف النظام الدولي له بقوته ونفوذه ويسلمه مفاتيح المنطقة، وإما يفجر المنطقة كلها. فهذا المحور يتمدد بين ليبيا غرباً والعراق شرقاً لملء الفراغ الذي خلفه انكفاء الولايات المتحدة في العقد الاخير. وكلما تعرض أحد أعضاء هذا المحور للتهديد-كما هو الحال بالنسبة لايران حالياً- رد محور الشر الثلاثي بعملية ارعابية في موقع جديد هنا أو هناك ليثبت قوته وجاهزيته لتفجير المنطقة وزرع الارعاب في جنباتها كافة.

ومن الواضح أن هذا المحور لا استراتيجية خيرة له. ولا يريد سوى نشر الحروب والدماء والخراب، ويعتبر الازدهار والاستقرار عدوين لدودين له، وإلا فما هي أهداف مجزرة السويداء التي أمر بها الاسد، ورعاها الروس..؟ وما هي اهداف ((دواعش)) الاردن من نسف مهرجان ثقافي يحضره آلاف المواطنين سوى اراقة الدماء وقتل أكبر عدد من المواطنين الآمنين، والتعبير عن عداء الارعابيين ومشغليهم لكل قيم ومعاني الفرح والنماء والجمال الانسانية..؟

لا يمكن لعاقل أو خبير أن يفصل بين ظهور هذه الشبكات التكفيرية والتوسع الايراني في المنطقة، وبينها وبين صراع الانظمة الشريرة كنظام دمشق وطهران واتباعهما من عصابات استولت على الدول ومزقت النسيج الوطني والانساني لشعوب المنطقة. فهذه الشبكات هي أدوات جرمية في ايدي أنظمة المحور الارعابي الذي يغزو الوطن العربي  غزواً منسقاً وشاملاً.

...
 

الوسوم