بيروت | Clouds 28.7 c

عزة إبراهيم جرأة الموقف، وصلابة العقيدة / بقلم المحامي حسن بيان

مجلة الشراع 28 تشرين الأول 2020

الرجل الذي ورد اسمه سادساً في لائحة الـ 55 المطلوبين لسلطة الاحتلال الأميركي، كان ثانياً في هرمية الدولة والحزب منذ آل الموقعين للرئيس المظلوم صدام حسين عام / 1979.

بعد عام / 2006، آلت إليه مسؤولية أمانة سر القطر في العراق وسمته القيادة القومية أميناً عاماً لها، وتولى موقع القائد الأعلى للجهاد والتحرير، وهي الجبهة التي ائتلفت فيها كافة فصائل المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الأميركي.

الرفيق عزة إبراهيم الذي ولد عام 1942 في بلدة الدور من محافظة صلاح الدين، انتسب للحزب عام 1958، وتعرض للاعتقال مراراً ما بين 1963 و1967، وعندما اتخذ الحزب قرار إسقاط السلطة العارفية، عشية يوم السابع عشر من تموز / 1968 لم يكن مدرجاً في عداد الرفاق الذين اختيروا ليكونوا قوة الاقتحام للقصر الجمهوري..

 وعندما وصلت التحضيرات إلى دقائقها الأخيرة، للبدء بالتنفيذ  وكان حاضراً، قفز إلى متن المدرعة، مصراً على ان يكون في طليعة المقتحمين للقصر، عندها تقدم منه رفيقه صدام حسين حاضناً ومخاطباً، لتكن لك شرف المشاركة ولك  ماتريد.. و على بركة الله.

لقد تكللت العملية بالنجاح، وبعدها أخذ موقعه في الدائرة السياسية والحزبية التي ترسم مسار السياسة الاستراتيجية للثورة، واتخاذ القرارات المتعلقة بالبناء الداخلي والعلاقة مع الخارج.

إن الرفيق عزة إبراهيم الذي لم يكن مطلاً على الإعلام، كان كثير الاطلالات على الداخل التنظيمي للحزب، وعلى الداخل الوطني للعراق قبل الاحتلال وبعده، وهو الذي شغل الموقع المحوري للقوى التي قاومت المحتل الأميركي ...

وإذا كانت سمات عديدة تميزت بها شخصيته التي صقلتها التجربة النضالية الممتدة على مدى نيف وستة عقود، ومنذ تفتح وعيه السياسي على القضايا الوطنية والقومية وقضايا التحرر الاجتماعي، إلا أن سمة أساسية تميز بها ،وهذه شاركه بها الرئيس أحمد حسن البكر والمظلوم صدام حسين، وهي معرفتهم واستيعابهم لطبيعة شعب العراق وتكوينه النفسي ومزاجه العام.

إن الثلاثة الذين تناوبوا على إدارة الدولة والحزب كانوا يعوون  جيداً، كم هي قوية جينات التكوين الوطني للبنية الشعبية العراقية ، كما إدراكهم ان الانفعالات التي تحركها بعض الغرائزيات، هي انفعالات طارئة، تزول لحظة عودة الاستقرار النفسي خصوصا عندما تعود النفوس إلى سريرتها الوطنية.

ولو لم تكن الجينات الوطنية لدى شعب العراق هي الأقوى، لما استطاع هذا الشعب أن يقاوم ويصمد  في مواجهة الحروب التي شنت عليه وأشكال الحصار الذي فرض عليه، وهذا ما يؤكد بأن الوطنية لدى شعب العراق متجذرة فيه، وهي تعود في بداياتها إلى قرن من الأمن عندما كانت مشهدية ثورة العشرين أبرز تجلياتها، وهي وأن عبرت محطات هامة، كثورة 1958 وقبلها ثورة رشيد الكيلاني إلا أن المشهدية الأبرز هي التي أطل العراق من خلالها على ذاته وعلى أمته وعلى العالم من خلال معطى ثورة السابع عشر / الثلاثين من تموز 1968.

إن الرفيق عزة إبراهيم، الذي بقي مرابطاً على أرض العراق، على الرغم من إدراكه بأنه في دائرة الاستهداف المعادي، كان يتكئ على حاضنة شعبية، ويعرف جيداً أن الولاء الوطني هو القاعدة، وأما الاختراق والتسلل  عبر ضعاف النفوس فهو الاستثناء، وما كان الاستثناء ليشكل قاعدة في تقييم الأوضاع.

إن ما يشكل مأثرة للحزب، أن كل القيادات الرأسية من هرمية الدولة والحزب لم تغادر أرض العراق، فمنهم من اغتيل ومنهم من اعتقل وبقي قيد الاعتقال حتى وفاته، ومنهم من جرت لهم محاكمات صورية وانتهت بالتصفية الجسدية عبر مشهدية الإعدام.

والرفيق عزة، الذي عجزت القوى المعادية من أميركية وإيرانية وكل شبكة عملائهما من الوصول إليه وهي التي قدمت إغراءات مالية لمن يشي ويدل عليه، لم تجد عراقياً واحداً تتكرر معه تجربة من ضعفت نفسه أمام الإغراء المالي كالذي وشى بالرئيس صدام حسين.

لقد بقي "ابو أحمد" على أرض العراق يشرف على هيكلة الحزب وإدارته وعلى قيادة فعاليات المقاومة الوطنية.لقد  كان موقع تقدير  كل رفاقه في القاعدة  والقيادة وكل من عرفه وعايشه عن قرب  لتفانيه وتواضعه في بساطة حياته وهو الذي لم تنل من عصاميته ومناقبيته كل إغراءات الحياة يوم كان في السلطة، وبقي على نهجه في حياته قابضاً على جمر الموقف المبدأي ومقدم النموذج المثال للإنسان الثوري المنسجم مع نفسه والملتحم بقضايا شعبه وأمته.

"ابو أحمد" الذي تميز بجرأة الموقف، وعدم المساومة حول القضايا المبدأية المتعلق منها ببنيه الحزب وبالمشروع السياسي لإعادة بناء العراق بناء وطنياً متحرراً من كل أشكال الاستلاب والارتهان، تميّز بالقدرة على نقد الموقف الذي  كان يرى  في اتخاذه تقديراً خاطئاً. وموقفه من التداعيات الناجمة عن أزمة الكويت خير مثال على ذلك.

وإذا كان المجال لا يتسع لتقييم التجربة ببعديها العام والخاص والتي كان الراحل الكبير واحداً من صانعيها، فإن المجال يتسع  للقول بأنه كان جريئاً في إطلاق الموقف، لا تلومه لومه لائم في قول ما يراه حقاً، وكان صلباً بتمسكه بمبادئ العقيدة التي أشبع نهلاً من معينها الفكري وانعكست في سلوكه وتفاصيل حياته.

وهو أن فارق الحياة في لحظة ، الحزب فيها  والعراق والامة بحاجة لامثاله ،الا ان القدر لايرد والتاريخ سوف يسطر بين صفحاته بأن عزة إبراهيم كان فارساً من فوارس هذه الأمة ورمزاً من رموزها، وقائداً من قادتها. قد يختلف المرء معه او يتفق، لكن لا يمكن للمرء ‘الا أن يحترمه من موقع الاختلاف او الاتفاق. هذا حال الكبار وما أكثرهم في أمتنا العربية وهم الذين ستخلد أسماؤهم في سجل الخالدين.

المحامي حسن بيان

عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي

رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي

الوسوم