بيروت | Clouds 28.7 c

لغز الحرائق في الساحل السوري /بقلم محمد خليفة

 مجلة الشراع 12 تشرين اول 2020

أصبحت حرائق الغابات في الساحل السورية كارثة وطنية وانسانية كبرى ، لو حدثت في بلد آخر لاحتاج مساعدات أجنبية ، كما حصل في اسبانيا واليونان والولايات المتحدة في الأعوام الماضية ، إلا أن ظروف سورية السياسية حاليا تحول دون حصولها على مساعدة تقنية من الدول المجاورة . الأمر الذي يهدد بمضاعفة حجم وأثر الحرائق ، ويزيد الخسائر الهائلة في الثروة الحراجية والزراعية والاقتصادية ، ويرفعها الى مستوى كارثة وطنية ضخمة بحق ، لا تقل خطرا وضررا عن بقية الكوارث التي يعيشها الشعب السوري في كل مدنه وقراه ، اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية ، ما يجعل البلد كله كأنه على شفيردمار كامل ، انساني ومادي واقتصادي ، بدون اكتراث من أحد . حتى روسيا التي تتخذ من الساحل السوري مركزا رئيسيا لقواتها ، لم تتحرك إلا في اليوم الثالث ، وحين اقتربت النار من مواقعها ، وما زال تحركها محدودا حتى الساعة

وما يشغل تفكير السوريين اليوم هو ( اللغز ) البوليسي الكامن في ثنايا هذه الكارثة الجديدة  التي تقع في مناطق ظلت طوال عشر سنوات مستقرة ، وتنعم بحياة هادئة وآمنة ، نسبيا ، بحماية النظام وشبيحته وقواته ، وحماية روسيا ، في الوقت الذي كانت حرب الأسد وآلته العسكرية تلتهم بقية المدن تدميرا وتهجيرا وحصارا وبما يشبه الإبادة الشاملة ، بلا استثناء ، من درعا جنوبا الى القامشلي شمالا

اللغز هو هل هذه الحرائق التي حولت الساحل الساحر بطبيعته الخلابة جهنما مستعرة تتدحرج عبر ثلاث محافظات ، حمص وطرطوس واللاذقية هي من فعل الطبيعة ، أم من تدبير البشر ..؟

ومن هم هؤلاء البشر الذين أشعلوها ؟

وما مصلحتهم في ذلك ؟

ولماذا الآن ؟    

لا يختلف المراقبون داخل سورية وخارجها على أن الطبيعة بريئة تماما من إشعال هذه الحرائق ، وربما تنحصر مسؤوليتها في إذكاء نيرانها بقوة الرياح القوية ، وأن أصابع الاتهام موجهة للبشر . وهي بذلك تختلف عن الحرائق المشتعلة بسبب عوامل بيئية ومناخية في بقية دول الساحل السوري ، أي فلسطين المحتلة (اسرائيل) وفي بعض مناطق لبنان .  ونقل عن رئيس اتحاد الفلاحين في اللاذقية حكمت صقر قوله : ( لا يمكن لعشرات الحرائق أن تشتعل في وقت واحد في أماكن متباعدة . هناك عمل تخريبي متعمد ) .

والمعلومات الرسمية تدلل على ذلك بشكل واضح ، وهناك ما يشبه الاجماع بين المسؤولين الرسميين والمواطنين في تلك المناطق على أن الفعل مدبر من مخربين .

 فالنار اشتعلت في مواقع مختلفة بلغ عددها في اللاذقية 35 موقعا ، و54 في طرطوس في وقت واحد من ليلة الجمعة السابقة ( 9 / 10 / 2020 ) حسب مدير الزراعة في اللاذقية منذر خيربك ، ومدير الاطفاء . وانتشرت خلال يومين الى أكثر من منطقة وموقع والتهمت أكثر من 130 قرية ، ووصلت الى مدخل بلدة القرداحة ، مسقط رأس حافظ الأسد وأسرته. وأجرت قناة " الاخبارية السورية " مقابلة مع مجموعة من سكان المنطقة المؤيدين للأسد ، أكدوا بالاجماع إنه عمل تخريبي ، موجهين الاتهام الى (المعادين ) للأسد .

 يذكر أن هناك أكثر من مائة قرية فر سكانها منها بالكامل خوفا من النار أو الدخان الكثيف الذي غطى سماء المنطقة ، وحجب الرؤية على الطرق العامة والفرعية بين حمص وجبلة وطرطوس ، واللاذقية ، وأوقع العديد من الضحايا والجرحى والمختنقين .

 وتقوم قوات عسكرية اضافة لأفواج الاطفاء في المحافظات الثلاث ، وآلاف المتطوعين من المواطنين ، بمحاولة اخماد الحرائق ، وانقاذ السكان بوسائل شبه بدائية ، لأن الدولة لا تملك أمكانات مناسبة للتعامل مع حرائق بهذا الحجم والقوة .

وتنحصر الشبهة والمسؤولية بجهتين يعتقد أن لهما مصلحة في هذه الجرائم :

الأولى - هي عصابات من المجرمين والفاسدين يتعاملون مع تجار الحطب والفحم ، ومن مثلهم ، تقوم بإشعال النار في هذا الوقت من السنة لتوفير كميات كبيرة من مادة الحطب والفحم التي ارتفعت أسعارها مؤخرا لسكان القرى والمدن الجبلية الباردة في الساحل ، مع اقتراب فصل الشتاء وشحّ مادة المازوت والغاز والكهرباء . وهي عصابات لا تفكر سوى بالربح والمال،  ولا تكترث بحجم الأضرار التي تحدثها في ثروة الغابات والأحراش والبيئة الوطنية ومحاصيل الفلاحين  .

وما يدعم هذه الشبهة أن حرائق مشابهة وقعت في نفس التاريخ من العام الماضي (15 / 10 / 2019) والتهمت مئات الهكتارات . ويتحدث المواطنون عن عصابات اجرامية تقوم بهذه العمليات ، وهي منظمة ومسلحة ومحمية من جهات مسؤولة في الشرطة والدولة تحترف كل ما يدر عليها الأرباح ، وهي تشعل النيران ولكنها أحيانا تفقد السيطرة عليها .

الثانية -  مجموعات من الثوار والمعادين للنظام ، وخاصة الذين تضرروا ماديا وانسانيا ، وقتل منهم أبرياء ، أو لهم معتقلون ومغيبون ، أو فقدوا مساكنهم وقراهم ومزارعهم ، بفعل أعمال اجرامية ارتكبها شبيحة النظام وأعوانه في عموم المحافظات الأخرى ولا سيما ادلب وحماة وحمص ، وهم يتعمدون إشعال هذه الحرائق للثأر والانتقام من النظام ومن حاضنته الشعبية التي اعتادت دوما على التعبير عن سرورها وغبطتها كلما قصفت قوات النظام المدن والقرى في المحافظات غير العلوية ، وتهجير أهاليها وتشمت بهم علنا . ويقول بعض السكان هناك إن هؤلاء المعادين للنظام بدأوا بتشكيل مجموعات من ( الذئاب المنفردة ) تتحرك في مناطق نائية وجبلية في الليل ، تشعل النيران ، ثم تنسحب بسرعة وتختفي .

وما يدعم هذه الشبهة هو العدد الكبير للحرائق والتوزع الجغرافي لها في وقت واحد ما يدعم فرضية التخطيط والتدبير . ومن المعتقد أن الفاعلين يأخذون بعين الاعتبار هذا الوقت من العام الذي يعتبر موسما لكثير من الأشجار المثمرة والمواسم التي يعيش عليها الفلاحون والمزارعون في قرى الساحل .

المهم أن أجمل وأغنى مناطق سورية يحترق اليوم ، كما احترقت الغوطة ، واحترقت مواسم وحقول الفلاحين في الرقة والحسكة ، وكما احترقت ادلب بنيران النظام والعصابات المحسوبة على المعارضة والثورة .

يقول أحد السوريين : سورية كلها ستحترق ما دامت هذه السلطة مستمرة في الحكم .. هذه رسالة الى الروس وحلفائهم !

 

 

الوسوم