بيروت | Clouds 28.7 c

اكتوبر شهر ولادة إبن النيل بليغ حمدي قمرٌ في سماء الموسيقى / بقلم نداء عودة

مجلة الشراع 8 تشرين الأول 2020

يوثّق البحاثة الموسيقيون ميلاد بليغ حمدي انه في السابع من أكتوبر ويؤكد أقرباءه ومقرّبيه أنه من مواليد الثامن من أكتوبر حيثُ كثيراً ما إحتفل بعيده مع الصوت الذي رافق ألحانه في منفاه بدمشق مطربة الجيل ميادة الحناوي التي وُلدت في الثامن من أكتوبر أيضاً.

ووسط غُمرة الأحداث الأليمة التي يمرّ بها الوطن العربي، علينا أن لا ننس أنّ التراث الإبداعي الموسيقي والشعري والسينمائي وغير ذلك، شكّلوا إثباتاً لهوية الأمة ورسخوا جماليات حضارية كثيراً ما تعرّضت وتتعرّض لمحاولات التهميش والمَحو...

وأيّاً يكن أليوم الذي وُلد فيه "بليغ عبد الحميد مرسي" من شهر اوكتوبر العام ١٩٢٩، فالإحتفاء  به يشكّل وفاءً لواحد من صنّاع التراث الموسيقى العربي الحديث وهو إستمرارية للّبنة التي وضعها موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب في تحوّل الموسيقى العربية من المقامية والتطريب الصرف إلى إعتماد التعبير والحداثة في أداء هذه الموسيقى.

وإذا كان رفاق الدراسة والشباب معه، شكلوا كلّ حالة على حدىً

فكمال الطويل أيضاً علامة خاصّة في الموسيقى والتلحين، منير مراد لم تسعفه المعطيات السياسية على إستكمال نواة ما بدأه في الموسيقى فقد خفتت اشراقته باكراً بتأثير الأحداث التي تبعت نشوء الكيان الصهيوني اواسط الخمسينات، ونن المعروف أن منير مراد أو موريس موردخاي اصولين يهودي الديانة، يبقى من رفاق شباب بليغ حمدي الملحن المنفرد بتميّزه والذي تتراءى لك عظمة خاصّة في ألحانه حتى الشعبية منها محمد الموجي، وكان بليغ حمدي، الأكثر غزارة بين رفاقه الشباب هؤلاء، والذين تعرّضوا في بداياتهم لشيء غير قليل من السخرية والإستخفاف والضرب بالبندورة على المسرح كونهم أرادوا الخروج من الأطُر الموسيقية والغنائية النمطية.

ويقال في سرّ غزارة إنتاج بليغ حمدي الموسيقى أنه تعامل مع ذلك كهاوٍ، فمذ تخرّج من كلية الحقوق عام ١٩٥٢ وواظب على دراسة الموسيقى في المعهد العالي للموسيقى، ظلّ يمتلك الرغبة في التجديد والهروب من قيود اللحين التي تركها من سبقوه، هذا بدأ واضحاً منذ لحنه الأول للإذاعة المصرية "ليه فاتني ليه" ثم  كان لحن "عزالك علموك الهجر" لفايزة أحمد و الذي أوصل شخصية بليغ الموسيقية لمحمد عبد الوهاب وهنا وصف موسيقار الاجيال بليغ حمدي بأنه "نمط جديد في التلحين" اما اللحن الذي اختطف بجمالياته انتباه أم كلثوم فكان" تخونوه" كلمات اسماعيل الحبروك والذي أداه عبد الحليم حافظ في فيلمه الشهير "الوسادة الخالية"،وكان بليغ الملحن الأصغر سناً بين الملحنين الذين تعاونوا مع سيدة الغناء العربي وأثمر عن ١١ لحناً كان آخرهُ" حكم علينا الهوى" عام ١٩٧٣.

ولم تختلف غزارة إنتاجه لعبد الحليم حافظ عن إنتاجه لوردة التي الهمهُ عشقه لها بزخم من الألحان وضعها في المصاف الأول بين مطربات العصر، كذلك آلاف من الألحان لنجاة الصغيرة وشادية وصباح ووديع الصافي ومحرم فؤاد ومحمد رشدي وفايزة أحمد وسميرة سعيد وموسيقى تصويرية لأفلام ومسلسلات وأعمال مسرحية وكذلك التلحين لمطربين من جيل صاعد آنذاك من المطربين كان مسك ختامهم ميادة الحناوي.

أما عن هذا الختام، فقد عاش بليغ حمدي المرحلة الأخيرة من حياته في باريس يعيله مردود اعماله  المسجلة في جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى "الساسام"  بعد أن اختار أن ينفي نفسه إلى باريس على إثر حادثة أليمة وقعت منتصف الثمانينات في بيته بمصر، وقالت لي ميادة الحناوي، إن بليغ كان كريماً كرماً حاتمياً وكان بيته مفتوحاً حتى أنه حين يعود إلى منزله متعباً، كان يطلب من ضيوفه أن يتصرفوا على أنهم في منزلهم في حال شعر بالنعاس ودخل إلى غرفته ليخلد للنوم. في منتصف الثمانينات، عجِزَ بليغ حمدي عن إثبات براءته من تهمة قتل المطربة المغربية سميرة المليان، والتي وجدت ملقاة من شرفة منزله بعد سهرة جمعت عدداً من الفنانين ولم يُعرف ما أسرار هذا الانتحار من عدمه، لكنّ ما جزمه كل من عرف بليغ عن قرب، هو بيته المفتوح وقلبه  الطيب وثقته باصدقائه.لم يستطع بليغ إثبات براءته وهو لا يحتمل السجن ولذا اختار الهروب وكان يزور دمشق وبيروت بشكل مستمرٍ، وكتب كما كان يكتب تحت اسم ابن النيل ولحّن أجمل الأعمال لمطربة الجيل ميادة الحناوي التي طرحت بذلك كمطربة منافسة لوردة الجزائرية. وكان تسجيل هذه الأعمال يتمّ تارة في اليونان وطوراً في استوديو نبيل ممتاز ببيروت.

مات بليغ حمدي في مستشفى سان روسيه الفرنسي بتاريخ ١٣ سبتمبر أيلول ١٩٩٣ شاباً كألحانه التي لازالت تتردد على اسماع الشباب حتى يومنا، ومات شاباً كنهر النيل الذي يظل متدفقاً وصبيّاً مهما شاخَ الدهر ولذلك كان من لقبه كشاعر الذي إختاره لنفسه نصيباً. "إبن النيل".

نداء عودة

الشراع ٨ أكتوبر ٢٠٢٠

الحادية عشرة صباحاً

الوسوم