بيروت | Clouds 28.7 c

عودوا الى مشروع كمال جنبلاط / بقلم حسن صبرا

مجلة الشراع 5 تشرين الأول 2020

 

عام 1974 اقرت حكومة الرئيس رشيد الصلح مشروعاً تقدم به الزعيم الوطني كمال جنبلاط يقضي بتعزيز ملاك موظفي حماية المستهلك ومراقبة الاسعار في الاسواق..

فتحت وزارة الاقتصاد الوطني وكان وزيرها عباس خلف الابواب لاستقبال 200 موظف جديد لهذا القسم وكنت ممن دخلوا ملاك الوزارة بدعم من صديقي المهندس محمد قباني ( النائب السابق)

كان من اهم اعمال هذا القسم انشاء البطاقة التموينية التي وزعت على اللبنانيين في كل ارجاء لبنان وجال الموظفون الجدد كل محافظات لبنان وبلداته وقراه على الرغم من اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية 13/4/1975

عملنا في عكار كما طرابلس ، عملنا في بيروت في كل احيائها وفي البقاع والجنوب والجبل وكان نصيبي في بلدة كفر ذبيان وكانت مقر التوزيع ايضا لبلدتي بيقون والكحلونية وكان ما لفت انتباهي ان موارنة البلدة تقدميون اشتراكيون وحمل ابن عضو المجلس البلدي جورج عبد الساتر الوحيد اسم كمال تيمناً باسم كمال بيك ، وحمل بعض ابناء البلدة اسماء مسيحية كما ان مارونياً من البلدة حمل اسم حسن فلما سألته عما اذا كان الاسم حسن بوضع ضمة على الحاء او وضع كسرة عليها قال أبداً بل هو حسن كما يلفظ تيمناً بإسم صديق والدي حسن ، وهذا الصديق اطلق اسم والدي جورج على احد اولاده

 ليست هذه هي الملاحظة الوحيدة في هذا العمل بل لا بد من تسجيل الملاحظات السياسية أولاً..

 هاجمت الاحزاب اليمينية اي المسيحية يومها مشروع كمال جنبلاط لأنه يريد تطبيق المنهج الاشتراكي ليوفر المواد الغذائية للفقراء باسعار مدعومة وبذا تنصرف الناس عن شراء هذه المواد من الوكلاء الذين يستوردونها من الخارج ويحققوا ببيعها ارباحاً طائلة ، واذا عرفنا ان البطاقة تضمن تسليم هذا الكم من المواد وهي السكر والارز والسمن والصلصة والمعكرونة والشاي والمعلبات المختلفة بالخضار واللحمة ..وغيرها فإن هذا يعني توفيراً على الناس بما يخفف كثيراً من استغلال التجار.. واذا ادركنا ان وكلاء هذه المواد بمعظمهم من الموارنة (وما زالوا) ادركنا البعد السياسي - الطائفي الذي اعطي لمشروع جنبلاط بين من ايده ومن عارضه

ولم يكن هذا هو الإعتراض السياسي - الطائفي الوحيد ، فقد خرجت اصوات تزعم ان هدف كمال جنبلاط الحقيقي من وراء البطاقات التموينية هو عمل احصاء سكاني في كل لبنان، ولم تبرىء الاحزاب اليمينية - المسيحية جنبلاط من تهمة التمهيد لإنقلاب ديموغرافي، ولم يكن هذا رأي معظم المسيحيين الذين اشتغلنا في قراهم في كل محافظات لبنان لعدة اشهر حتى شملت الحرب الاهلية كل بلدنا ،. ولكننا كنا انجزنا مهمتنا بشكل شبه كامل وبات لدى اللبنانيين الذين حصلوا عليها الفرصة للبدء بشراء حاجاتهم بالاسعار المخفضة التي يتيحها حمل هذه البطاقة

كنا نجول قرى لبنان  وسط ترحاب شديد من كل اهلها ورؤساء بلدياتها الذين فتحوا ابوابها لاستقبالنا داعين الناس للحضور مع اخراجات قيدهم العائلية او بطاقات النفوس ، وفي القرى والبلدات التي لم يكن يتوفر فيها مجالس بلدية كان مختاروها يستضيفوننا بترحاب وكرم على الرغم من امكاناتهم المادية الضئيلة .

ومن طرائف عملنا في القرى ان بعض اهاليها كانوا يطلقون علينا اسم مآمير السكر ، وكان مختار بلدة كبيرة يتولى الاشراف على قرية صغيرة بجانبه ليكون مختاراً على قريتين في وقت واحد ، وقد دخلنا عدة قرى في عكار على اقدامنا لإنعدام وجود طريق للسيارات فيها، وعبرنا النهر للوصول الى قرية في عكار حاملين اوراقا بالآلاف لإنعدام وجود جسر فوق النهر ، وعندما وصلنا دار المختار وكان من آل المراد اطلق النار من بندقيته في الهواء فظننا انه يرحب بنا فإذا الإطلاق لإعلام اهل القرية بحضور مآمير السكر ليجتمعو عنده

مع هذا المختار المهضوم اخذنا راحتنا ونحن نتناول البيض المقلي مع طاسة من اللبن..

فسألناه: مختار ، اليس لهذه المنطقة نواباً  ؟

فرد متباهياً: كيف لكن؟

فأكملنا السؤال، الا يزوركم أبداً ؟

فردّ مأكد بيزرونا ..

متى يا مختار؟

فرد ضاحكاً: وقت الانتخابات..

وكيف يصل اليكم وانتخابات لبنان كلها تجري في الربيع ومياه النهر مرتفعة وليس عندكم طريق او جسر؟

ليفاجئنا المختار وهو يتباهى بالقول: الشباب بيحملوه عكتافن هو والزلم اللي معو !!!

  نكتب هذه الدعوة بمناسبة تصاعد الحديث عن ضرورة اعتماد البطاقة التموينية لندعو وزارة الاقتصاد في حكومة تصريف الاعمال الى العودة الى ملفاتها لتقرأ هذه التجربة علها تستفيد منها لسرعة انجازها والاستجابة لحاجات الناس في أسوأ مرحلة يمر بها ابناء الوطن حيث يقتصر الاقتدار على اغنياء ربما كانوا بعشرات الآلاف وينتشر الفقراء والمحتاجون على امتداد الملايين

الشراع في 5/10/2020

الساعة 1,40 بعد الظهر

الوسوم