بيروت | Clouds 28.7 c

خفايا الخلاف بين أذربايجان وأرمينيا وأسباب الحرب بينهما / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 30 أيلول 2020

.استفاق العالم على اندلاع الحرب بين جمهورية آذربايجان وجمهورية أرمينا وسقوط ضحايا من الطرفين، وسارع مجلس الأمن الدولي إلى الإنعقاد والدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار بين الطرفين، وصدرت مواقف متباينة بين متضامنة مع آذربايجان وأخرى مؤيدة لأرمينيا، ويتحرك بعض الجهات للتوسط بين الطرفين المتحاربين وإيجاد مخرج لفرض هدنة مقدمة التفاوض بينهما..

لكن المتابع لمسار الجمهوريتين السوفياتيتين السابقتين وتاريخ البلدين قبل تأسيس الإتحاد السوفياتي يعلم أن جذور الخلاف بين البلدين تعود إلى عام ١٨١٣ حيث انتهت الحرب الإيرانية ـ الروسية التي دامت ١٠ سنوات في عهد الملك الإيراني القاجاري فتحعلي شاه مع القيصر الروسي الكسندر الاول بمعاهدة في قرية " گلستان " سُمّيت باسمها، وبموجب تلك الإتفاقية تخلت إيران عن مناطق واسعة شملت ١٤ ولاية من أراضيها في منطقة القوقاز قُدّرت مساحتها بأكثر من ٢٢٠٠٠٠ كيلومتر مربع وتمُ إلحاقها بروسيا، وخسرت إيران أيضاً حقها الحصري في السيادة على بحر قزوين، وكانت ولاية أرمينيا وآذربايجان من بين تلك الولايات المنسلخة من الأراضي الإيرانية.

لكن الهوية المميزة لأرمينيا كانت مسيحية ومواطنو أذربايجان هم من الشيعة الإثني عشرية، وأدّى الواقع الجديد إلى هجرة واسعة للمسيحيين الأرمن إلى إيران نتيجة السيطرة الروسية على بلادهم حتى صارت مدينة إصفهان مركزاً للبطريركية الأرمنية وهاجر كثير من باقي مواطني الولايات الـ ١٤ من الشيعة أيضاً إلى إيران والعراق وتوطنوا فيها، وكانت ثورة ١٩١٧ الشيوعية في روسيا فأصرت روسيا على الإحتفاظ بالأراضي الإيرانية التي ورثتها من القياصرة رغم البرقيات العديدة التي أرسلها مواطنو تلك الولايات إلى مؤتمر السلام الذي انعقد في باريس عام ١٩١٩ مطالبة بإلغاء إتفاقية " گلستان "وكذلك إتفاقية " تركمن چاي "'والعودة إلى سلطة إيران، بل عملت على التوسع في مناطق جديدة في إيران عبر تأسيس وتمويل أحزاب شيوعية في ولايات في شمال إيران وفي محافظتي آذربايجان الإيرانيتين ودفعهما للمناداة بالإلتحاق بالإتحاد السوفياتي، وتسارعت وتيرة الهجرة من منطقتي أرمينيا وآذربايجان ومناطق أخرى في جمهوريات الشيشان وجورجيا وتركمنستان وطاجيكستان بعد الثورة الشيوعية وإعلانها الحرب على المعتقدات الدينية وفرضها النظرية الإلحادية وإغلاقها الكنائس والمساجد، وحظرها أداء الفرائض الدينية، وإجبار مختلف القوميات على استعمال اللغة الروسية والتخلي عن ثقافاتها الخاصة، واحتضنت إيران القسم الأكبر من المهاجرين واستقبل المواطنون الإيرانيون برحابة صدر اللاجئين من المسيحيين والمسلمين في مدنهم على حد سواء حتى اندمجوا في المجتمع بشكل كامل محتفظين بمعتقداتهم الدينية وثقافاتهم القومية، واليوم توجد في مختلف المدن الإيرانية عائلات كثيرة تحتفظ في بطاقات هويتها الإيرانية بأسماء المدن التي هاجرت منها في البلاد التي تمّ اقتطاعها من الدولة الإيرانية نتيجة خيانات ملوك القاجار ونظام بهلوي، وهناك علماء دين كبار في إيران والعراق قديماً وحالياً يحملون أسماء مدن " إيروان " و " لنكران ""و "بادكوبه " " و" نخجوان " وغيرها كثير.

وبقيت منطقتي أرمينيا وآذربايجان تحت سلطة الإتحاد السوفياتي حتى انهيار الدولة الشيوعية في العام ١٩٩١ ما أتاح لهما الإنفصال عن روسيا وتأسيس دولتين مستقلتين معترف بهما دولياً، لكن بعض المناطق بقي التنازع عليها بين جمهورية أرمينيا وجمهورية آذربايجان حيث يدّعي كل طرف أنها جزء من اراضيها ومنها منطقة " ناگورني قره باغ "، ونتيجة فترة الضعف الشديد للدولة الروسية في عهد يلتسين وبدايات عهد بوتين كان كل من أرمينيا وآذربايجان يبحثان عمن يساندهما في موقفهما فلجأ حيدر علييف اول رئيس لجمهورية آذربايجان إلى تركيا العلمانية كونها الأقرب لعقيدته الشيوعية إذ كان هو رئيساً للجنة المركزية للحزب الشيوعي في آذربايجان، وهرباً من المطالبات الشعبية لغالبية المواطنين وهم الشيعة للإنضمام إلى الجمهورية الإسلامية في إيران واستناداً إلى اللغة التركية المشتركة بينه وبين تركيا، وأخذ طريق الخصام مع إيران حتى أنه نادى بتوحيد آذربايجان أي إلحاق محافظتين إيرانيتين بجمهورية آذربايجان وفصلهما عن إيران، وذلك بدعم ومساندة من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، لكن أرمينيا كانت في حينه الأقرب في مواقفها إلى الجمهورية الإسلامية حيث لا مطامع لها في إيران بل كان كل همّها التواصل مع المسيحيين الأرمن المنتشرين في العالم منذ عدة عقود واستجلاب من يمكنه العودة وإعادة بناء المناطق المدمرة، ونتيجة وجودة البطريركية الأرمنية العليا في إيران فإن التواصل كان بصورة دائمة بين جمهورية أرمينيا والسلطات الإيرانية.

 

استنجدت جمهورية آذربايجان بتركيا للسيطرة على إقليم " ناگورني قره باغ " وموقفها معادٍ لإيران، فاستدعى ذلك وقوف السلطات الإيرانية بقوة إلى جانب أرمينيا، فكانت نتيجة الحرب سيطرتها على الإقليم بالكامل إضافة إلى مناطق أخرى حيث تم تقسيم جمهورية آذبابجان بدل أن تتحقق أمنية إلهام علييف في تقسيم إيران.

 

لقد تغيرت أحوال تركيا بمجيء نجم الدين أربكان ذو التوجه الإسلامي والقريب من إيران إلى سدّة الحكم عام ١٩٩٦ فتلاشت أحلام علييف ومَن وراءه ضد نظام الجمهورية الإسلامية، وتوفي حيدر علييف عام ٢٠٠٣ وخلفه إبنه إلهام علييف فأخذ العبرة من أخطاء أبيه وسلك طريق التقارب مع الجمهورية الإسلامية في إيران ويوجد الآن إضافة إلى السفير الإيراني في العاصمة " باكو " ممثل لآية الله خامنئي في جمهورية آذربايجان هو سماحة السيد أجاق نجاد يشرف على الشؤون الدينية للشيعة هناك بالتنسيق مع السلطات الرسمية.

إن السياسة الجديدة لجمهورية آذربايجان وتخليها عن الموقف العدائي والأطروحات التقسيمية وسيطرة الإسلاميين على الحكم بشكل كامل في تركيا والتقارب الشديد بين السياستين التركية والإيرانية في كثير من التطورات في المنطقة، دفعت الخارجية الإيرانية إلى اتخاذ موقف وسطي حيث دعت إيران إلى الحوار وأبدت استعدادها للتوسط نتيجة العلاقات الوطيدة مع الطرفين المتحاربين، ونحن ندعو إلى استغلال الفرصة والتجاوب مع الوساطة الإيرانية والتوقف عن إزهاق الأرواح من الطرفين وتعميق حالة العداء بين الشعبين أكثر من ذي قبل ما يُفرح أعداء البلدين الجارين ويُدمي قلوب الشعبين في البلدين، ويقسّم شعوب المنطقة بين مسلمين متعاطفين مع الآذريين.

السيد صادق الموسوي

الوسوم