بيروت | Clouds 28.7 c

خاص الشــراع / مبادرة ماكرون تتعثر في مواجهة خطة بومبيو لتطويع لبنان

مجلة الشراع 28 أيلول 2020

ثمة من يعتقد ان الانفجار الذي وقع في بلدة عين قانا الاسبوع الماضي هو نتيجة عمل اسرائيلي مدبّر.

لا يمكن تبني هذا الاحتمال كما لا يمكن استبعاده طالما ان حزب الله المعني الاول به لم يقل كلمته بعد ليكشف عما حصل بالضبط مع تعدد الروايات حول مسببات الانفجار وظروفه، في ضوء ما يتردد في بعض الاوساط عن  ان حزب الله يقوم باخفاء تفاصيل مهمة، ربما لاستكمال التحقيق حول ما جرى.

وقد يكون لامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله كلمته في هذا المجال ، علماً ان كثيرين في لبنان وخارجه وحتى في اوساط الرأي العام الاسرائيلي سيبنون على ما سيقوله لا سيما من قبل الكثيرين الذين يثقون عادة  بما يصدر عنه .

وقد يكون حزب الله على يقين  بان انفجار عين قانا مفتعل اسرائيلياً ، الا ان مجرد اعلانه عن ذلك سيترتب عليه التزامه  عملياً برد مواز بكل ما يمكن ان ينجم من تبعات قد تجر الى حرب فرض الاسرائيليون ومن يقف خلفهم توقيتها . وما تمهل الحزب بالرد على مقتل احد عناصره في سورية سوى خطوة وقائية من اجل عدم الانزلاق الى سياق تصعيدي لخطة وضعها الكيان الصهيوني  وحدد زمانها ومكانها واهدافها، وهو بطيعة الحال سياق لن يقع حزب الله في كمين منصوب له او الوقوع في أفخاخه ،علما ان الرد سيحصل عاجلاً او اجلاً ، وضمن قواعد الاشتباك التي وضعها الحزب .

ولذلك فانه اذا تم التأكد  بان تل ابيب وراء انفجار عين قانا، فان الرد عليه سيتم ايضاً ولكن في الزمان والمكان اللذين تحددهما قيادة المقاومة.

ولا بد في هذا المجال من التوقف عند دخول باريس بقوة على خط التحذير من حصول مواجهة بين المقاومة والكيان الصهيوني ، وفي معلومات خاصة ب"الشراع" فان اهتماماً خاصاً أولاه الفرنسيون لمعرفة ما حصل في بلدة عين قانا ، ولاستكشاف إمكانية  تصاعد انعكاساته بما يؤدي الى  حدوث مواجهة  من شأنها ان تؤثر بقوة على مسار المبادرة الفرنسية التي اطلقها ايمانويل ماكرون في زيارته الاخيرة الى لبنان وجدد التزامه بها الاحد الماضي( في السابع والعشرين من شهر ايلول- سبتمبر.

وقد يكون الموقف الفرنسي واحداً من الاسباب التي تدفع  قيادة الحزب للتمهل بتحميل تل ابيب المسؤولية  في حال ثبوت تورطها بانفجار عين قانا.

الا ان كل ما ورد ،لا يلغي حقيقة وقوع انفجار عين قانا خلال ما عرف بالايام الحاسمة لتحديد مصير مهمة الرئيس المكلف مصطفى اديب لتشكيل الحكومة والتي انتهت الى اعتذاره عن الاستمرار بها، مثلما جاءت العقوبات الاميركية ضد النائب علي حسن خليل والوزير السابق يوسف فنيانوس قبل ذلك لتؤثر على مسار تشكيل الحكومة . وقد يكون الامر مجرد صدفة الا انه قد لا يكون كذلك ، بمعنى انه قد يكون جزءاً من عملية ممنهجة تستهدف المبادرة الفرنسية في محاولة من الطرف الذي يقف وراء انفجار عين قانا وفرض عقوبات على شخصيات لبنانية ،لقولبتها وفق دفتر شروط يتوخى تحقيق اهداف تتعلق بدور لبنان وتموضعه في المرحلة المقبلة.

ولم يعد سراً بان باريس  جاهر كبار مسؤوليها بخوفهم من التهديدات المحدقة بلبنان ، من الحرب الاهلية التي تحدث ماكرون صراحة عنها لدى زيارته الى لبنان واعاد التحذير منها الاحد الماضي ، الى حرب اسرائيلية – لبنانية قد يؤدي اي تصعيد الى نشوبها. وهذا الكلام الفرنسي ليس للتهويل او المناورة لتسويق المبادرة الفرنسية وضمان نجاحها ، بل يستند الى معلومات يملكها الفرنسيون كما يبدو ولم يكشفوا عن تفاصيلها حتى الآن بانتظار ربما الوقت المناسب لذلك، في سياق لعبة الامم التي تشهدها المنطقة ومن ضمنها لبنان  وكل ذلك يندرج بالطبع في اطار السعي لانشاء نظام اقليمي جديد تسعى فيه الولايات المتحدة الى تأمين الغلبة لها فيه على حساب دول عظمى اخرى في العالم وكذلك في المنطقة .

وبصرف النظر عما قيل عن الجزرة الفرنسية مقابل العصا الاميركية لتطويع لبنان ، فقد جاء المؤتمر الصحافي الاحد الماضي لماكرون ليعبر عن خيبة امله  وحتى انفعاله مما حصل ، ولاسيما ازاء التدخلات ذات الطابع الخارجي  لوضع العصي في دواليب تشكيل حكومة مهمة تنفذ مبادرته، على الرغم من اتهامه باستخدام مفردات من القاموس  الاميركي العدائي ضد حزب الله . الا ان كنه المواقف التي اعلنها تشير بوضوح الى انه وضع ما يحصل في لبنان في اطار الصراعات الخارجية اولاً ولو تحت كم هائل من توجيه الاتهامات الى الطبقة السياسية اللبنانية ، بكل اطيافها واطرافها.

وقد بات واضحاً من خلال السلوك الاميركي في موضوع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة ان واشنطن لم توقف ضغوطها على لبنان ، ومع اعلانها موافقتها على المبادرة الفرنسية ، فانها من خلال جملة من التدابير والاجراءات تقوم بالعمل على تأطير المبادرة المذكورة بشروطها بطريقة تتيح لها استخدام المبادرة الماكرونية لتحقق من خلاله ما لم تستطع تحقيقه من خلال الاجراءات المالية والاقتصادية والعقوبات المفروضة على شخصيات لبنانية ، ضمن استهدافات باتت واضحة في عناوينها والغايات المتوخاة منها.

الا ان السؤال يبقى : هل يملك الفرنسيون معلومات عما هو محضر للبنان ؟ وهل ان تحركهم الرئاسي يهدف الى قطع الطريق على ما ما هو مخطط له لاسيما لجهة الحرب الاهلية وكذلك الحرب الاسرائيلية على لبنان؟ وهل ان اعتذار مصطفى اديب بعد تعذر تشكيل حكومة لاسباب داخلية كان يمكن تجاوزها ومعالجتها في ظروف مختلفة ولاسباب خارجية من غير اليسير اغفالها او تجاهلها كونها الاساس في تحديد المسارات المقبلة التي ستسلكها البلاد .

جوابا على بعض هذه الاسئلة ،تتحدث اوساط غالباً ما تكون مقارباتها  مستندة الى معلومات و معطيات واقعية عن ان لبنان يعيش منذ زيارة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى لبنان في اذار – مارس 2019 وحتى اليوم تحت وطأة ما تسميه براثن ومخالب خطة اميركية وضعتها دوائر القرار في واشنطن من اجل كسر ارادة خصوم عرقلوا ويعرقلون  ما ترى الولايات المتحدة ان على لبنان السير به دون اي تعديل.

الاوساط نفسها تتحدث عن ان بومبيو  سمع من المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم خلال الزيارة المذكورة ما أزعجه او لنقل ما  لم يستسغه، كون كل نقطة اثارها قوبلت بمناقشة ورفض ضمني او صريح لها وخصوصا في ما يتعلق بما تطرحه واشنطن  حول الصواريخ الدقيقة التي تعتبر اسرائيل انها تهدد امنها القومي وفي ما يتعلق ايضا بترسيم الحدود البحرية، الى درجة احس معها رئيس الدبلوماسية الاميركية وهو القادم من عالم الامن و"السي اي ايه" ان حكام لبنان يتحدثون معه بندية وكأنهم يتولون ادارة دولة عظمى وليس بلداً صغيراً بحاجة لدعم بلاده ومساعدتها.

الخطة المشار اليها كما تضيف الاوساط لم تنكشف كل تفاصيلها بعد، الا ان التعاطي الاميركي مع لبنان يدل على انها انطوت حتى الان على تعريضه لمخاطر غير مسبوقة لم يعشها في تاريخه القريب او البعيد ، خصوصاً لجهة الانهيار المالي والاقتصادي الذي يشهد فصوله المتلاحقة منذ اواخر العام 2019 وحتى الان بشكل ادى الى ارتفاع نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر بدرجة كبيرة مع تدهور قيمة الليرة اللبنانية والعمل بكل الوسائل من اجل منع ضخ عملات صعبة في اسواقه المالية سواء عبر المساعدات او الهبات او حتى اموال اللبنانيين في الخارج بعد ان عملت واشنطن بكل الوسائل لتضييق الخناق المالي والنقدي  والاقتصادي على لبنان ودائماً بحجة الفساد الموجود في لبنان ، وهو فساد- كما تضيف الاوساط نفسها - موجود ايضا في دول حليفة للولايات المتحدة التي لا تتحدث بكلمة واحدة عنها وعلى رأس تلك الدول الكيان الصهيوني المتهم لا بل المدان رئيس وزرائه وبأدلة قاطعة بالفساد ويتهرب من المحاكمة وليس لديه من خيار الا البقاء في سدة رئاسة الحكومة لضمان عدم سوقه الى السجن.

والمهم الاشارة في هذا السياق الى ان ما انكشف من الخطة المذكورة لتطويع لبنان هو التشكيك اولاً بشرعية الحكم او السلطة التي تتولى في لبنان ادارة اوضاعه رسمياً وسياسياً وعزل هذا الحكم واغراقه في سلسلة من المشكلات التي لا تنتهي مع كل مستلزمات ذلك من تجاوز لنتائج الانتخابات النيابية الاخيرة والمطالبة بانتخابات نيابية مبكرة وهو ما تم جزئيا بعد انتفاضة 17 تشرين الاول – اكتوبر الماضي من دون ان يعني ذلك بالطبع ان كل المجموعات التي شاركت في الانتفاضة يتم تحريكها واستخدامها.

كما ان ما انكشف من الخطة هو الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان احد فصوله الخطيرة حالياً والذي ينذر بفصول اكثر سوءاً واهداف ذلك واضحة وهي تحميل حزب الله وسلاحه المسؤولية عن كل الانحدار الذي يعيشه لبنان بالاضافة الى كم الازمات غير المسبوق الذي لم يشهده في تاريخه وذلك باتجاه تأليب كل اللبنانيين ضده بمن فيهم بيئته الحاضنة، خصوصاً في ظل تلاحق الاحداث الصادمة وعلى راسها انفجار مرفأ بيروت في الرابع من اب – اغسطس الماضي، حتى صارت التهمة جاهزة لدى وقوع اي حادث ضد الحزب سواء كان حريقاً او صداماً او انفجاراً او عملية تهريب، وهي تهم  يتم اطلاقها في غرف تعمل على هذا الصعيد وباتت مكشوفة وفقاً للاوساط نفسها لجهة مموليها والعاملين فيها وكذلك لجهة المروجين لها.

ولهذه الاسباب ، فان تلاحق الحوادث سيستمر ضمن هذه الخطة ، من دون ان يعرف بعد ما اذا كان انفجار عين قانا جزءاً منها بانتظار جلاء الحقيقة على هذا الصعيد.

يبقى ما لم ينكشف من الخطة الاميركية, ويتعلق بالحرب الاهلية والحرب الاسرائيلية التي ربما يملك الفرنسيون معلومات عنها ، كما ورد انفاً. واذا كانت مبادرة ايمانويل ماكرون توخت تجميد خطة بومبيو  الرامية الى تطويع لبنان . تجميد أقله لمرحلة زمنية محددة وقصيرة تتبلور خلالها صورة المشهد العام في المنطقة لجهة ولادة نظام اقليمي جديد يتيح للبنان عدم غرقه في صراعات لعبة الامم الدائرة حالياً، فان عدم تشكيل حكومة جديدة وفقاً للمسعى الفرنسي ادى الى اهتزاز مبادرة ماكرون ،قبل ان يعيد تعويمه وباصرار لافت الاحد الماضي محملا مسؤولية تعثر تشكيل الحكومة الجديدة لكل القوى السياسية في لبنان دون تفريق بينها ، ومعطياً مهلة جديدة من اجل تشكيل هذه الحكومة لتتولى عملية الاصلاح التي اكد ماكرون اهميتها لانقاذ لبنان.

ومع تزايد الحديث عن ان الاشهر القليلة المقبلة ستكون الأخطر على لبنان ، وان ما مرّ عليه لا يوازي ما سيشهده خلالها، فان الامر ما زال مرهوناً بعدة تحركات على رأسها ما يمكن ان يقدم عليه ماكرون بعد ان بات يملك تجربة لم يكن يملكها عن طريقة التعاطي مع الواقع اللبناني الشديد التعقيد داخلياً وخارجياً.

وهذا الوضع بحاجة الى فترة اختبار لمعرفة ما اذا كان يستطيع ماكرون ابتداع ما يجعل مبادرته ازاء لبنان قابلة للحياة وسط الكم الكبير للصراعات والازمات في المنطقة والآخذة في التصاعد اكثر فأكثر.

 

الوسوم