بيروت | Clouds 28.7 c

أضواء على فريضة الحج / بقلم: الشيخ أسامة السيد

أضواء على فريضة الحج / بقلم: الشيخ أسامة السيد

 

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: ((وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍّ عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيَّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تَفَثهم وليُوفوا نذورهم وليطَّوفوا بالبيت العتيق)) سورة الحج.

ما إن ودعنا شهر رمضان المعظَّم حتى بدأ المسلمون في أنحاء الدنيا يتجهزون لأداء فريضة الحج المباركة، ولا شك أن للحج أحكامًا لا بد من مراعاتها ليصح القيام بهذا الفرض على ما يُحب ربنا، والكلام في تفصيل مناسك الحج يطول ولا يكفي هذا المقال لاستيعاب ذلك كله، ولكني أريد أن أنبه إلى مسائل مهمة فأقول وبالله التوفيق.

 

المسألة الأولى

نرى كثيرًا من الناس ممن عزموا على الحج إذا ما جرى الكلام بيننا وبينهم في أمر الحج والاستعداد له يقول لك أحدهم مثلاً: قد أعددتُ ما أحتاجه من أغراضٍ وأدواتٍ وطعام وشراب ودواء وثياب إحرام وكذا وكذا ورتبتُ أمور السفر وحجزتُ في الفندق الفلاني قريبًا من الكعبة في شقة مطلة على الحرم تتوافر فيها كل أسباب الراحة. ويطول كلامه في مثل هذه الأمور حتى لربما حسب السامع أنه مسافر للاستجمام لا للحج، وإذا ما قلت له: ((هل تزودتَ للحج بما هو أهم من كل ما ذكرته)) علتْ وجهه ملامح الدهشة والاستغراب وبادرك بسؤال المتعجب فيقول: وماذا بقي؟ وما الذي ينقصني؟ فتقول له ((ينقصك العلم فإنه ينبغي لك الاهتمام بأمر العلم حتى تضمن صحة حجك بدل أن يذهب المال والتعب والجوع والعطش والسفر سدىً بلا طائل، فإن من جهِل أحكام الحج فدخل فيه بغير علم لا يضمن صحة ما يقوم به)). فيقول لك: إذا ذهبت إلى هناك نظرت ماذا يفعل الناس ففعلت مثلهم، أو يقول: نيتي حسنة وأنا قاصدٌ طاعةَ الله. فيقال لمن كان هذا حاله: قال العلماء: ((يجب على كل مسلم أن لا يدخل في شيء حتى يعلم ما أحلَّ الله تعالى منه وما حرَّم فإن الله عزَّ وجل تَعبَّدنا أي كلّفنا بأشياء فلا بد من مراعاة ما تعبَّدنا الله تعالى به)). ومعنى ذلك أن من دخل في عبادة ما أو معاملة من المعاملات كالتجارة والشركة والرهن مثلاً بغير علم فقد عصى الله، وفي الغالب يقع بسبب جهله في مُفسدٍ من المفسدات فلا يصح عمله وهو لا يدري، وبالتالي لا بد من العلم لمريد الحج أو الزكاة أو الصلاة أو غير ذلك من سائر العبادات والمعاملات. ولو فرَضنا أن الجاهل دخل في عبادةٍ أو معاملةٍ بغير علم وأتى بأركانها وشروطها صحيحةً من باب المصادفة كمن دخل في الحج مثلاً فأتى بالمناسك صحيحةً بالمصادفة فإنه لا يسلم من المعصية لأنه دخل في هذا العمل بغير علم وأهمل تحصيل العلم الذي كان واجبًا عليه طلبه قبل الدخول في هذا العمل وقد روى البيهقي عن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم)) ولأهمية العلم قبل العمل رتَّب الإمام البخاري في ((صحيحه)) بابًا سمَّاه ((باب العلم قبل القول والعمل)).

وحيث عُلم هذا ظهر للقارئ أن الاعتناء بأمر العلم أولى وأهم مما يشتغل به أكثر الناس اليوم قُبيل سفرهم للحج من تحضيراتٍ يمكنهم الاستغناء عن أكثرها ولكن لا يمكنهم الاستغناء عن العلم، والعاقل من قدَّم الأهم ثم المهم فالحج عبادةٌ يُراد منها مرضاة الله تعالى لا نزهة للترفيه عن النفس، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر)) رواه ابن ماجه.

وكما قد يُصلي البعض ويصوم ولا يكون له من ذلك حظٌ إلا التعب والجوع والعطش فكذلك ربما طاف الجاهل وسعى ورمى صورةً ولا يصح له من ذلك شيء، فلماذا التكاسل في أداء فرض العلم إذًا؟؟!! فعلى مريد رضا الله تعالى وسلامة دينه أن يحرص على ما ينفعه فيتعلم ما يحتاجه ليصح حجه وتصح عمرته.

 

المسألة الثانية

لقد جعل الله تعالى للحج مزيةً ليست لغيره من العبادات وهي أنه يُكفّر الذنوبَ الكبائر والصغائر فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من حجّ لله فلم يرفُث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) رواه البخاري. ولكن ينبغي العمل بأسباب نيل هذه المغفرة العظيمة، فإن الشرط في كون الحج يُكفِّر الذنوب ويجعل الإنسانَ كيوم ولدته أمه أن تكون نيته خالصة لله تعالى وحده لا يُخالط ذلك أي حظ من حظوظ الدنيا، وأن يكون المال الذي تزود به لحجه طيبًا حلالاً بخلاف من يقصد الحج بمال حرام كمال الربا أو غيره مما يُحصٍّله كثير من الناس اليوم بطرق فاسدة خارجة عن حكم الشرع فلا تكون له هذه المزية، كما يشترط أيضاً لنيل هذه الفضيلة أن يحفظ نفسه أثناء الحج من الفسوق أي من كبائر الذنوب ومن الجماع مدة إحرامه.

وليُعلم أن هذه المغفرة لا تعني أن هذا الحاج قد تخلَّص بمجرد الحج من تبعات الناس من غير أن يُبرّىء ذمته، فمن تعلَّقت في ذمته حقوقٌ للناس فلا بد من إعادة الحق إلى صاحبه أو أن يُسامحه صاحب الحق، ولا تسقط هذه الحقوق بمجرد الحج ولو حجّ مائة مرة، فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت له مظلمة لأخيه من عِرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهمٌ)) رواه البخاري. وكذلك لا يُسقِط الحج ما تعلق برقبة الحاج من قضاء ما فاته من الفرائض كالصلاة وغيرها مما استقر في ذمته، فعن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نسي صلاةً فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) رواه البخاري.

  والحمد لله أولاً وآخراً.

الوسوم