بيروت | Clouds 28.7 c

موسى الصدر زاهد في لبنان طامح في ايران ! / بقلم حسن صبرا

مجلة الشراع 31 آب 2020

 

جاء السيد موسى الصدر الى لبنان من إيران عام 1959 وغادر الى ليبيا عام 1978, وقد مرت في سجله قيم تستحق ان يعلمها الجيل الذي لم يعرف عنه الا الإحتفال السنوي بذكرى غيابه في الجماهيرية التي زارها بدعوة من مؤسسها العقيد معمر القذافي حيث اختفى عشية الإحتفال الذي دعي لحضوره

ابرز قيم موسى الصدر انه امضى في لبنان عقدين من الزمان خرج منه نظيف الكف عفيف اللسان ، لم يترك متاعاً ولا رصيداً في مصرف او عقارات تورث

 قيمته الثانية انه لم يحمل ولداً منه الى السياسة او مؤسسة المجلس الإسلامي الشيعي الذي اسسه ولم يعرف احداً صهراً له ولا زوجاً تجمع المال ولا تشبع ولم ينشغل في تدبير اي من اقاربه في مواقع النفوذ او الصفقات او الجاه او التشبيح

والقيمة الثالثة للإمام المخطوف منذ 42 سنة انه كان يتناول وجبته الغذائية في اي مكان ببساطة المتقشف في منزله اذا تيسر ، في بيت احد حوارييه ، لفافة خبز على الطريق الى موعد أو لقاء , في مطعم او في فندق حين سفر ، لم يحرم الا ما حرمه الله ولم يحلل الا ما اراده الله حلالاً للناس .

القيمة الرابعة للإمام الصدر وهو في اعلى موقع ديني- سياسي لشخصية شيعية في التركيبة اللبنانية ، لم يقطع الطريق على اي سياسي شيعي في لبنان لم يمنع ولم يمنح ، ومن اتاه احتضنه ومن خاصمه احترمه، وكانت الديمقراطية كونها حكم الاغلبية عنوان تعاطيه السياسة داخل البيت الشيعي .

  ويسجل للإمام موسى الصدر سعة صدره وهو اول رئيس للمجلس الذي اسسه حين انتخب الذين انتسبوا بحكم القانون اليه خصومه السياسيون في هيئته المدنية فكان فيها المستقل عنه وعن الآخرين وكان في الهيئة اليساري والقومي ، الشيوعي والبعثي والناصري .. هو لم يختر احداً منهم بل نازلوه في عقر مجلسه وانتصروا عليه ، وكان هذا سهلاً في انه لم يقبل الهزيمة فقط بل وحولها الى انتصار بأن خرج الى اللبنانيين معتزاً بتقدم الشيعة الذين مارسوا السياسة بالاستقلال والتفرد وهي احدى ميزاتهم عبر التاريخ وقدم للمجتمع اللبناني نخبة سياسية وسلوكية كانت عوناً للرجل الكبير وما كانت عبئاً كما اعتقدها البعض

احترم السيد موسى الصدر الحراك الشيعي وكبر به وعندما داعبه الرئيس سليمان فرنجيه شبه شامت بقوله له : يا سيد موسى اذا كانت البورجوازية الشيعية انتخبت اليسار اللبناني في المجلس الشيعي فمن تنتخب البروليتاريا الشيعية اذن؟ رد عليه السيد موسى بعمق المفكر : فخامة الرئيس اهمية الشيعة انهم يعيشون في ثورة دائمة

كان الامام موسى الصدر منفتحاً في السياسة على كل الإتجاهات الوطنية ، وخصوصا في الاوساط المسيحية ، حتى لو سجل عليه انه خرج عن المؤسسات الإسلامية الجامعة لينشىء كياناً شيعياً خارجها ومن مفارقات المذهبية اللبنانية انه في الوقت الذي اعتبر بعض الشيعة أن انشاءه المجلس الشيعي كان خروجاً عن الوحدة الإسلامية وأنه كان يمكن ان يقبل فكرة تداول رئاسة مؤسسة اسلامية  مع مفتي الجمهورية ، فإن الاغلبية الشيعية قبلت الامر الواقع بعد هزيمة العروبة وجمال عبد الناصر عام 1967

واستسلمت لقيام مؤسسة مذهبية تخرج من رحم مؤسسة كبرى ، مع التذكير سابقاً وحالياً ولاحقاً بأن الجدل الثقافي ما زال قائماً حول مسار الحركة الشيعية المستقلة ، هل هي من نتائج هزيمة العروبة ام أن الهزيمة تتكون من مجموعة تداعيات في الثقافة وفي الوعي الديني- المذهبي على حساب الإنتماء الوطني- القومي كما في الإقتصاد والإجتماع قبل الهزيمة العسكرية؟

قبل هزيمة 67 العسكرية كان الحراك الوطني القومي اليساري في ذروته ، وكانت حركة السيد موسى تواجه صعوبة فائقة في اختراق الحيوية الشيعية التي كانت تجوب وتمد كل تيارات الوطن العربي السياسية والحزبية والثقافية مساهمة في تشكيل نسيج العروبة حزبياً وسياسياً وثقافياًنضالياً وفعلاً ومظاهرات كانت هي جمهورها الاغلب وعمليات فدائية في كل انتماء

لذا حق للناس الاستماع الى القول بأن صعود شيعية السيد موسى الذي مهدت له الهزيمة ثم الاحتلال السوري للبنان الذي وضع نصب عينيه تدمير البنى السياسية والتنظيمية الوطنية المستقلة هي نتاج كل هذا، وكان امراً ذا مغزى ان يخرج من اليسار والعروبة الى حركة السيد موسى قادتها بعد العاملين السابقين وهما هزيمة العروبة وإحتلال حافظ الاسد للبنان بتكليف من هنري كيسنغر

  يبقى ان الامام الصدر بعد ان ادى دوره في لبنان كان يتطلع الى دور سياسي كبير في بلده الثاني ايران فاعلاً في حركتها الوطنية التي اسسها الدكتور محمد مصدق وتابع مسارها صديقه د مهدي بازركان الذي توج نضاله ضد شاه ايران بترؤسه اول حكومة ورثت حكمه بعد الثورة الاسلامية التي قادها الامام الخميني ( صيف 1978,شتاء 1979)

وتشاء الاقدار معاكسة طموح الامام الصدر اذ بينما كانت جماهير ايران تخرج بالملايين ملبية نداء الامام الخميني للتظاهر ضد حكم الشاه في كل مدن وبلدات وقرى ايران ، كان الامام الصدر يلقى مصيراً مجهولاً في آخر زيارة له خارج لبنان في 31/8/1978

 في ذكرى اختفائه سيبقى الامام موسى الصدر علماً لكل من يريد ويطمح ان يكون كل من عمل في السياسة نظيف الكف هو وكل افراد اسرته

الوسوم