بيروت | Clouds 28.7 c

متى ينهض السنة؟ / بقلم حسن صبرا

مجلة الشراع 25 آب 2020

منذ ان ارتكب سعد الحريري جريمة انتخاب ميشال عون للرئاسة الاولى يوم 31/10/2016، بدأ التباكي على صلاحيات رئيس الوزراء السني في لبنان لأن الصفقة التي جاءت بعون رئيساً وقضت بأ ن يرأس الحريري حكومات لبنان الى حين انتهاء فترة حكمه عام 2022 كان لها ملحق سري مارسه صهر عون الصغير داخل مجلس الوزراء ، فإذا هو رئيس الحكومة الفعلي فضلاً عن ان عمه كان يوحي بأن صهره كان هو رئيس الجمهورية أيضاً .

عندما كان ميشال عون قائداً للجيش متمرداً ومغتصباً لقصر الرئاسة في بعبدا وصف نواب لبنان الذين عقدوا اتفاق الطائف عام 1989 بأنهم خونة ، وها هو في بعبدا من جديد يلغي عملياً الطائف في قرارات عديدة في حكومتي الحريري الابن الخاضع لبنود الملحق السري إياه  .

كان رفيق الحريري احد صناع الطائف الذي جعل السلطة التنفيذية داخل مجلس الوزراء سواء حضره رئيس الجمهورية ام لم يحضره. ومنذ ان اصبح الحريري رئيساً للحكومة في اكتوبر / ت١ 1992 , مارس صلاحياته كرئيس للسلطة التنفيذية فعليا ، كما هو نص الدستور الذي ضم اتفاق الطائف بالكامل ، حتى ان هناك من المسيحيين من كان يعتبر  ان صورة الحكم انقلبت في عهد الحريري- الهراوي، وكانوا يقولون ان رئيس الجمهورية اصبح هو الباشكاتب في عهد الحريري بينما كان رئيس الحكومة باشكاتباً عند رئيس الجمهورية قبل الطائف !!

طوال ست سنوات من حكم الحريري كرئيس عدة مرات لحكومات 1992-1998, كان رفيق الحريري رئيساً للحكومة والجمهورية وزيراً لخارجية لبنان  وسورية وجامعاً لمجد العلاقات بين السيد حسن نصر لله والبطريرك صفير ، وبين اميركا وروسيا ، وبين السعودية وسورية وبين اليونان  وتركيا وبين مصر وقطر .

  وعندما جاء اميل لحود رئيساً عام 1998 , لم يحارب الحريري كمسيحي ضد سني بل واجهه كصاحب نفوذ طاغ لم يستطع لحود ان يجاريه بعشره، الى جانب البعد الشخصي، في توتر العلاقات بين الرجلين، حيث يعيش لحود الحياة العسكرية المتزمتة بينما عاش الحريري مدنية منفتحة، وكان اختيار بشار الاسد للحود رئيساً للبنان هو التحدي الاكبر للحريري الذي ايد التمديد للهراوي في محاولة لم يكتب لها النجاح لإبعاد لحود  فإذا حلف لحود -بشار هو حائط صد في وجه استمرار الحريري في الدور الذي اداه قبل ترئيس لحود ، خصوصاً مع الكراهية الشخصية - العلوية التي اوغرت صدر الاسد الصغير على الحريري الكبير  .. تلك هي الحكاية.

 نجح رفيق الحريري في معادلة يد تبني ويد تحمل السلاح.. هو الذي كان يبني وحسن نصر الله يقاتل اسرائيل ، صحيح انها معادلة صعبة كانت ترهق الرجل اذ يلحق كل انجاز معماري له هدم صهيوني  لما انجز ، لكن رفيق الحريري لم ينس يوماً انه ابن حركة القوميين العرب الناصري الذي كان يردد في نهاية ستينات القرن الماضي : إن ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ، وهو الحريري الذي كان يمول عمليات ضد العدو الصهيوني

وعلى الرغم من قناعة الرجل ان هذه القيم فقدت الكثير من تأثيرها الا ما كان يمثله قتال حزب الله في الجنوب وكان يعبر عن تقديره له امام نصر الله، الا انه لم يفقد ايمانه بأن هناك حضناً عربياً( دولياً) كان يحميه، حتى وهو يعرف بأن حافظ الاسد ووريثه الطويل هما اعدى اعداء العروبة والسنة في لبنان  وسورية ، وكان دهاء حافظ يحاول اخفاء كراهيته للسنة بتظليلها عقائديا بكراهيته للإقطاع والرأسمالية والبورجوازية السنية في المدن والقرى لينتهي الامر بتسليم جماعاته العلوية والسنية مقدرات المال والسلطة والمشاريع والاسواق الحرة والهاتف الخلوي والجمارك والتبغ وكل ما ينتج مالاً لتتكون في سورية ( ولبنان) فئات طفيلية كل همها هو جني المال بالحرام والحرام ولا شيء غير الحرام لا ثقافة ولا معارف فقط شهادات مزورة يكتبها مرتزقة لذوي النفوذ .

 جاء الحريري من خارج البيوتات السياسية التقليدية في لبنان وهذا ما جعل حافظ الاسد يتقبله فهو ليس من بيت زعامة كصائب سلام الزعيم ، وهو ليس رياض الصلح صانع زعامة من نوع آخر لم يحتفظ له الاسد بأي ود وهو طالب بعثي لأنه وافق على استقلال لبنان بفصله عن سورية .

كان الاسد يكره كل زعامات السنة في لبنان وسورية لكنه كان يرى في رشيد كرامي الشخصية السنية التي من المفيد التحالف معها وكان رفض كرامي التحالف الانتخابي مع البعثي العراقي عبد المجيد الرافعي في طرابلس نقطة ايجابية في سجل كرامي السوري!!

لم يأت الحريري من بيت سياسي ولم يترك بيتاً سياسياً على الرغم من عدد الذكور فيه، لكنه ادرك جيداً ان قوته هي في عروبته، عندما كانت حواضر العرب مؤثرة في لبنان على درجات ، وعندما كانت علاقاته الشخصية مع حكام هذه البلدان توازي اهتمامها بلبنان .. وكان الحريري يدرك ان التي كانت قلب العروبة النابض اي دمشق باتت اسيرة نهج مذهبي معاد للعروبة والسنة ، نهج يعتبر اولويته هي الإنتقام من التاريخ وفي سبيل ذلك هادن حكام سورية اسرائيل وحاربوا الشقيق العربي في العراق  وفي فلسطين  وفي والاردن ، ونفذ كل ما يريده الاميركان بدءاً من كيسنغر حتى بوش الاب ، امر بوش حافظ الاسد ان يتوجه بجيشه الى السعودية  لمحاربة العراق، فأذعن الاسد الامر ليقبض الثمن بتمديد ولايته على لبنان، وفي ظل هذه الولاية جاء بالحريري الاب رئيساً للحكومة.

كانت قوة الحريري انه جاء بالعرب الى لبنان بعد طول غياب سلمي عنه وكان نفوذ بعضهم قبل ذلك بالدعم العسكري من بعضهم لمقاتلين عروبيين وناصريين وفلسطينيين، كان حافظ الاسد يراقب الحريري في مشروعه العميق ويترك لإستخباراته في الداخل تكليف مخبرين يتعاطون السياسة بمراقبته والتطاول عليه لتقييد حركته،

حصل الاسد من حضن الحريري العربي والدولي على مغانم مالية وتنازلات سياسية وخطوطاً يمدها الحريري بواسطة الرياض احياناً وبواسطة القاهرة احياناً اخرى على دول العالم التي كانت تحاصر دمشق لإحتضانها جماعات لا ترضى عنها ، ليفتح لها الحريري كوة تمر منها لإدامة نظامها.

بهذه الهالة التي صنعها الحريري بنفسه للبنان ومكانته فيه ، اشتكى كثيرون في لبنان وفي سورية مسيحيون وعلويون واتباعهم من كل الطوائف من تعاظم دور رئيس الحكومة، ليرافق كل هذا تنازلات لا تحصى قدمها الحريري على حساب اللبنانيين الطبقة الحاكمة من سوريين سياسيين لبنانيين تسلقوا على كتفي الرجل العريضتين، وجعلت الفساد ثقافة ، والصفقات تجري كشربة الماء وتوزيع المغانم على اصحاب السلطة سوريين ولبنانيين هو شرط لبدء اي مشروع..

 كان العرب ما زالوا بخير الى حد ما، وكان الحريري  وفياً للعرب وخيرهم.. فكان للصلاحية التنفيذية برئاسته فارس اسمه رفيق الحريري.

لكن اغتيال الفارس كان مؤشراً ليس الى تراجع وضعف العرب، بل ان الرجل ما كان ليقتل لو كان العرب اقوياء ، ولم يكن احد ليتجرأ على قتل الحريري، لو كان هناك حضناً عربياً يحميه.  لقد هرم العرب بعد عبد الناصر حكاماً وشعوباً وارادة وحيوية وتشرذموا طوائف ومذاهب انتقاماً من مشروع جمال الوحدوي التنويري المنفتح على المستقبل الذي يطوي عقد التاريخ وظلاميات صراعات جماعاته المختلفة.

وقد ظهر هذا كله من جديد بالعد التنازلي الذي بدأ مع استضعاف الاسد الصغير الحريري الكبير فقتله.

انها العروبة، انها فلسطين وانظروا كيف فهم رياض الصلح هذه المعادلة؛

كانت علاقة رياض مع بشارة الخوري قوية فلما احتل الصهاينة فلسطين عام1948، قال رياض:

إن اغتصاب فلسطين قصم ظهري...

والآن لن تقوم للسنة قائمة في ظل الضعف العربي العام وكل حاضرة عربية من المشرق الى المغرب وما بينهما تحمل هموماً داخلية تشغلها عن اي دور خارج بلدها، فضلاً عن تورط بعضها في عمليات عسكرية تستنزفها.

 لذا

يجب ان نعترف بان هذا الضعف العربي هو موضوعياً سبب ضعف السنة في لبنان.. اما السبب الاهم فهو في إنعدام ارادة وبنية وافكار قادة السنة مقارنة بما كان عند رفيق الحريري، فضلاً عن تكاثر الطفيليين والإنتهازيين والمنافقين ومحدثي النعمة وهؤلاء شركاء اساسيون في الفساد، وباحثون عن مناصب وصفقات، لمزيد من سرقات قوت الناس واحلامهم في عيش كريم..

فكيف يقوم للسنة قائمة اذا كان العرب بهذا الضعف وإذا كان المطروحين للحكم منهم من هذا الصنف؟

الوسوم