بيروت | Clouds 28.7 c

هيروشيما لبنان فصل جديد في مسلسل مستمر / خاص الشراع

مجلة الشراع 7 آب 2020

شكل ما قيل ويقال وسيقال عن الانفجار – الزلزال في العنبر رقم 12 الثلاثاء الماضي لا يوازي حجمه والنتائج المباشرة وغير المباشرة له على كل الصعد وفي كل المجالات والميادين والقطاعات.

حتى ان التوصيفات التي اطلقت عليه من محنة او نكبة او منعطف مصيري , لا تعادل ما هو متوقع ومنتظر من تداعياته سواء بالنسبة للكم الهائل من الخسائر والاضرار التي خلفها او بالنسبة للواقع الجديد الذي ولده ليس فقط في بيروت التي كان لها الحصة الاكبر من الدمار الذي الحقه, بل وايضاً في كل لبنان الذي لا يعاني اليوم مجرد ازمة بل يقف اليوم امام مفترق طرق لن يكون ما بعده مشابها لما كان قبله.

واذا كان العمل على تبيان  حقيقة ما حصل هو من الاولويات الضرورية والهامة , لمعرفة الوجهة التي يمكن ان تحكم مسار التطورات في لبنان في هذه المرحلة والمرحلة المقبلة, فان الشكوك بامكان الوصول الى معطيات حاسمة لجلاء هذه الحقيقة كبيرة ليس فقط بسبب القصور والعجز الفاضح للسلطة في لبنان بكل اطيافها الحالية والسابقة والتي تعاقبت على الحكم والحكومة منذ سنوات طويلة, وانما ايضاً بسبب طبيعة الحدث المدوي الذي اعتبره بعض المراقبين والخبراء الدوليين موازياً لتفجير هيروشيما النووي في الحرب العالمية الثانية.

الشكوك كبيرة بامكان معرفة حقيقة ما جرى حتى لو توافرت ارادات محلية لذلك, والسبب يعود الى سلسلة معطيات واحداث لم يتم حتى الان الكشف عن خفاياها, على الرغم من مرور فترة غير قصيرة من الزمن على حصولها.

وابرز ما في يمكن ايراده في هذا المجال هو ان نكبة الرابع من اب – اغسطس , جاءت ضمن سياق تصاعدي من الازمات عاشها ويعيشها لبنان من دون رادع لها او حتى عامل لجم لتخفيف اضرارها والحد من خسائرها, الى درجة يصح معها القول ان الاهمال وإن كان العنوان الابرز لما جرى وكذلك العجز وعدم المحاسبة فضلا عن الفساد وغياب الرقابة والاصلاح , الا ان كل ذلك لم يكن سوى مجرد ادوات استخدمت من اجل توجيه الضربات لبلد ال10452  كيلومتر مربع. وان ثمة استهدافات لهذا البلد وما يمثله على مستوى اكثر من صراع ومواجهة . وهو بالطبع من الامور غير الخافية على احد.

وبعيداً عن الاسترسال في نظرية المؤامرة وما يمكن ان يخرج المراقب به من خلاصات في هذا السياق, فان مسلسل الاحداث في لبنان منذ اكثر من سنة وحتى الان لا يمكن وضعه فقط في سياق محلي بحت , يتعلق باخفاقات ادارته السياسية وغير السياسية او بعجز طبقة زعمائه السياسيين على اختلاف الوانهم عن القيام بابسط واجباتهم لحفظ الاستقرار الوطني مالياً واقتصادياً ونقدياً واجتماعياً , كما لا يمكن حصره بخلل النظام القائم في حفظ البلد ولو بستاتيكو معين كما كان يحدث منذ بدء ما سمي الربيع العربي ومن ثم الحرب في سورية في العام 2011, فكل الاخفاقات( والفساد والاهمال وغياب الاصلاح) في الداخل لطالما كانت قائمة تاريخياً ولاسيما بعد بدء مرحلة الخروج من الحرب في العام 1990 الا انها لم تؤد الى ما ادت اليه اليوم وذلك لسبب بسيط وهو ان الوضع في لبنان لم يعد يحظى بالمظلة الاقليمية والدولية التي كان يحظى بها في مراحل سابقة , وان ما يجري هو نتيجة الصراعات المحتدمة على اكثر من جبهة لا سيما على صعيد الصراع الاميركي – الايراني.

ولهذا السبب ,فان اي ازمة يمكن ان تقع يمكن وضعها في السياق المذكور سواء كانت هذه الازمة متعمدة او غير مفتعلة وجرى استخدامها ضمن هذا السياق.

وقبل نحو سنة اندلعت وبشكل مثير للاستغراب والذهول ما سمي حرائق الاحراج في جبال لبنان واعطيت تفسيرات عديدة لما جرى لاستبعاد امكانية ان تكون مفتعلة منها موجة الحر. ولم تنطفئ تلك الحرائق يومها لولا هطول الامطار المفاجئ كما يذكر الجميع.

موجة الحرائق تلك التي لم يصل التحقيق الذي اعلن عن القيام به الى نتيجة واضحة وحاسمة , كانت بداية لسياق متتالي من الازمات المتراكمة من ضمنها المواجهات في الشارع مع انطلاق انتفاضة 17 تشرين الاول – اكتوبر الماضي واستفحال الازمة المالية ,ومع استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري وصولاً الى تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب وما تشهده مرحلتها من ازمات مضاعفة ليس انهيار الليرة والعتمة الشاملة واتساع دائرة البطالة والفقر لدى اللبنانيين الا سمات بارزة وسوداء من معالمها قبل ان يحدث الانفجار – الزلزال في الرابع من الشهر الجاري ليشكل واحدا من اكثر الاحداث سوءاً في تاريخ لبنان .

ومثلما لم تصل التحقيقات في الحرائق المندلعة في الجبال قبل نحو سنة , فان هناك خشية بان تأتي نتائج التحقيقات في نكبة العام  2020 مشابهة لها, او هذا ما يتوقعه اكثرية اللبنانيين منها على الرغم من فترة الايام الخمسة التي اعطيت لانجازها, خصوصا وان كل ما يحكى عن مسؤولية لاسم من هنا او مدير من هناك لا يلغي واقع وجود ارادة خارجية محركة لما يدور ويحصل, لاسيما مع وجود اراء لخبراء تتحدث عن ان ثمة تفجيراً لا بد وان يحصل لتفجير ال2750 طنا من نيترات الامونيوم التي لا يمكن ان تحترق من دون وجود صاعق التفجير مثلها مثل البارود وما شابه ذلك من مواد.

وقد يكون الوقت ليس مناسباً للغوص في سجالات حول  جدوى اوعدم جدوى الدعوة لتشكيل لجنة تحقيق دولية في الانفجار – النكبة, الا ان الاكيد هو ان لبنان صار ساحة محتدمة من ساحات الصراع المحتدم في المنطقة والعالم , وان مرحلة شديدة الخطورة يعيشها حاليا وهي مرحلة حرب ضروس يتم في خضمها استخدام كل الوسائل والاسلحة غير الحربية بالمعنى المحدد للكلمة . الا ان الوسائل والاسلحة المستخدمة اكثر فتكاً وتدميرا ً ربما من الاسلحة التقليدية التي يبدو انه لا يراد استخدامها لتعذر تحقيقها ما تحققه الاسلحة المستخدمة من ضغوط مالية واقتصادية واجتماعية فضلا عن استخدام ما استخدم في نكبة الرابع من الشهر الجاري.

فهل ينجو لبنان الذي استشعر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خطورة ما يتعرض له فبادر لزيارته في محاولة فعل شيء لللمساهمة في انقاذه؟

 

الوسوم