بيروت | Clouds 28.7 c

المجزرة السوداء الأكبر في تاريخ السويداء / بقلم محمد خليفة

المجزرة السوداء الأكبر في تاريخ السويداء / بقلم محمد خليفة

 

*العملية عدوان منظم يكمل الهجوم على درعا لإعادتهما لسلطة الاسد

*خمس سنوات والاسد يتحين الفرصة للانتقام من بني معروف

*عداء قديم يحكم علاقات الدروز ونظام الأسد

*داعش وصلت الى الجنوب بتسهيلات سورية - ايرانية لتهديد الدروز والاردن

*الضباط الروس هددوا الدروز قبل أيام من المجزرة كما هددهم الاسد  2015

*أربعون ألف درزي رفضوا الخدمة في جيش الاسد وقتل مواطنيهم

 

بقلم : محمد خليفة

 

في مقال بعنوان((ثورة الدروز)) و((سيناريوهات)) انتقام الاسد نشرته)) الشراع)) في عددها الصادر في 18 أيلول/سبتمبر 2015 كتبنا ما يلي:

((في الشهور الأخيرة استعمل النظام ورقة المتطرفين ((النصرة و((داعش)) لتهديد الدروز في حال لم يرضخوا له، فسهّل لهم الوصول الى محيط السويداء ليكونوا احتياطه السريّ في إرعاب الدروز وإجبارهم على الاحتماء به. يخشى البعض لجوء الأسد لهذه الحيلة، ولذلك يترقبون بقلق الطريقة التي سيرد بها على قرار الدروز. وحسب مصدر محلي مطلع فإن أرجح وأخطر ((السيناريوهات)) المتداولة الآن أن يوعز الأسد وحلفاؤه لـ((داعش)) بالهجوم على السويداء ومحيطها لترتكب بعض جرائمها البشعة)) ..

أليس هذا ما حدث في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو 2018؟

وفي منتصف تموز/ يوليو المنصرم، قبيل مجزرة ((داعش(( في السويداء بعشرة أيام فقط انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي ((فيديو)) للمعارض ميشيل كيلو يتوقع فيه عملية انتقام كبيرة من الموحدين الدروز لإجبارهم على العودة لسلطته، وذلك بعد رفضهم المتكرر لتسليم أبنائهم لجيش النظام ليقاتلوا في صفوفه ضد مواطنيهم السوريين، وكان شيوخ العقل قد كرروا موقفهم الثابت لوفد عسكري روسي زارهم في أوائل تموز/ يوليو، وطالبهم بالعودة لسلطة النظام، وقدم ثلاثة مطالب محددة:

أولاًحل مجموعات ((رجال الكرامة )) وهي فصيل معارض، أسسه الشيخ الراحل وحيد البلعوس للدفاع عن المدينة في مواجهة النظام وأجهزته .

ثانياًقبول وصاية الشرطة الروسية على المدينة، وعودة أجهزة نظام الاسد اليها .

ثالثاًتسليم زهاء أربعين ألف شاب درزي للخدمة العسكرية في قوات الأسد، بعد سنوات من قرارشيوخ الطائفة بمنع أبنائهم من الخدمة خارج السويداء، لكيلا يشاركوا في قتل مواطنيهم السوريين، خصوصاً أن قوات الاسد بحاجة ماسة لهذا العدد الكبير حالياً، وهي تخطط للهجوم على ادلب وخوض معركة فاصلة مع بقايا الثوار والمعارضة.

مغزى ((الفيديو)) ومغزى ما كتبناه قبل ثلاث سنوات واحد، هو توقع انتقام الأسد من الدروز، وهو ما تحقق صباح 25 تموز/ يوليو، حيث تعرضت السويداء وعشر قرى في شرقيها لهجوم غادر من مقاتلي ((داعش)) أسفر عن مذابح مروعة فاقت بقسوتها التوقعات. هجوم ثنائي الاتجاه، أولهما استهدف قلب المدينة المسالمة بمجموعة انتحاريين فجروا أنفسهم بين السكان. وثانيهما استهدف قرى وادعة نائية، بمئات المقاتلين، اقتحموا البيوت ساعة الفجر وذبحوا سكانها النيام بالسكاكين والفؤوس والرصاص، دون تمييز بين نساء ورجال، وبين أطفال وشيوخ. وختموا الهجوم بخطف عشرات النساء والفتيات اقتادوهن الى منطقتهم .

بلغت حصيلة الهجومين زهاء ثلائمائة قتيل، وجرح حوالى المائتين، وخطف نحو أربعين. ولولا شجاعة وفطنة بعض المواطنين والمدافعين لبلغت الحصيلة أضعاف العدد المذكور، ونجا المستشفى الوطني في السويداء من كارثة مروعة بفضل نباهة المواطنين واكتشافهم للانتحاري المكلف بتفجير نفسه فيه. وجدير بالذكر أن بعض الانتحاريين فشل بتنفيذ مآربه، وبعضهم تصدى لهم المواطنون وقتلوهم سحلاً وشنقاً قبل أن يحققوا أهدافهم .

مجزرة وحشية ومقززة، لا مثيل لها في تاريخ المنطقة قديماً وحديثاً. ولا تشبه مئات المجازر التي شهدتها سورية في السنوات الثمان الأخيرة، وغالباً ما حملت بصمات الأسد وأجهزته القمعية المتخصصة في هذا النوع من الارعاب الوحشي منذ أن كانت في لبنان. إنها تختلف نوعياً عن سوابقها، وذات أبعاد محلية وخارجية فارقة، ولذلك دخلت التاريخ فوراً بكونها ))أكبر مجزرة جماعية استهدفت الدروز في تاريخهم الحديث!((

فما هي خلفياتها ..؟ وما الجهات المتهمة بارتكابها ..؟ وما أبعادها وأهدافها ..؟


 

أكبر من عمل ارعابي :

 

الجريمة في رأي المحللين ليست فعلا ًجنائياً، ولا ((عملاً )) إرعابياً بشعاً، ولكنها ((عدوان عسكري على الطائفة المسالمة)) له مقدماته وأسبابه، وله أهدافه المحسوبة بمنتهى الدقة لا يختلف عن العدوان الذي استهدف درعا أو الغوطة ولكن بطريقة مختلفة. وهو من فعل وتدبير النظام بإتفاق الغالبية الساحقة من المواطنين الدروز بدليل طردهم لمحافظ السويداء وممثلي النظام ومنعهم من المشاركة في تشييع شهداء العدوان تعبيراً عن اتهامه وتحميله مسؤولية ما وقع في كل الأحوال، وقد تكرر الطرد عدة مرات، في السويداء، وفي القرى حيث جرى التشييع.

واتهام النظام لم يقتصر على المواطنين وذوي الضحايا، وهم أولياء الدم، بل امتد الى وليد جنبلاط زعيم الدروز في لبنان، الذي أشار لضلوع روسيا أيضاً. وهناك طيف واسع من المراقبين والمحللين السوريين والعرب والأجانب ذهبوا المذهب نفسه.

فالهجوم كما يقول المحلل العسكري العميد عبد الهادي الخزاعلة لم تنفذه مجموعات صغيرة أو ذئاب منفردة كعادة ((داعش (( بل ((فرقة عسكرية كبيرة)) قطعت 30 كم في قافلة تتألف من 80 سيارة، محملة بمدافع ثقيلة، ومئات المقاتلين وترفع راياتها السوداء، في بادية مكشوفة، يفترض أن تظهر لأجهزة الرصد والمراقبة المستمرة من قوات الاسد والروسية والايرانية .. بل والاسرائيلية التي لا يخفى عليها شاردة أو واردة..!

ويؤكد الناشط مالك أبو الخير من السويداء: للإيرانيين وجود كثيف في المنطقة التي عبرها المهاجمون، وإذا كان هناك جهة سهلت وصولهم ودخولهم للسويداء فهم الايرانيون لأن المنطقة تحت سيطرتهم المباشرة. ويضيف: كان في القرى المستهدفة أسلحة ثقيلة قادرة على مواجهة ((داعش))، ولكنها سحبت قبل يومين فقط، من مسؤولين موالين للايرانيين .

ويؤكد أبناء السويداء والقرى العشر المستهدفة أن الهجوم لم يكن عشوائياً، بل مدروساً ومخططاً، فالمهاجمون اختاروا قرى بعينها، ومنازل بعينها، يعلمون من يسكنها، وأحياناً كانوا ينادونهم بأسمائهم. وهذا ما أكدته السيدة جمال جباعي 70 سنة حفيدة البطل السوري الخالد سلطان باشا الاطرش، والتي تمكنت من صد المهاجمين بسلاحها الناري، وقتلت اثنين، وأجبرت البقية على الفرار، ولكنها أصيبت بطلق ناري في بطنها، وهي الآن قيد العلاج في المشفى .

ويتساءل المحللون العسكريون أين كانت قوات النظام في المنطقة، وخصوصاً الفرقة15 ..؟؟ وأين الطيران الذي لا يفارق السماء منذ بدء الحملة لاستعادة الجنوب..؟؟ وأين الطيران الروسي..؟ بل كيف لم ير الاسرائيليون هذه القافلة الضخمة لـ ((داعش)) وهي تتقدم باتجاه السويداء..؟؟ !

ويتساءل العقيد الركن عبد الله أسعد: كيف يمكننا فهم وتفسير إخلاء المنطقة من أي حواجز عسكرية لحماية هذه القرى النائية المتاخمة لوادي اليرموك الذي يسيطر عليه جيش خالد بن الوليد - داعش..؟ لا سيما بعد أن نقل النظام لها مئات المقاتلين المتطرفين من جنوب دمشق قبل شهرين فقط، وهو يعلم حتماً أنهم سيواصلون جرائمهم..؟؟

ويؤكد ناشط سياسي أكاديمي من السويداء  ر . ع  اتصلت به ((الشراع)) أن قوات النظام فاجأت السكان المدنيين بحملة مداهمة لجمع الأسلحة الفردية التي يتسلح بها أبناء القرى المستهدفة قبل ثلاثة أيام فقط من الهجوم بدون إبداء سبب، كما قطعت التيار الكهربائي عن السويداء وريفها ليلة الهجوم، وهو أمر غير معتاد بهذه الصورة !

لفهم هذه المفارقات والملابسات وإدراك خلفيات العدوان الانتقامي من دروز السويداء يتعين علينا مراجعة العلاقات المتوترة بينهم وبين النظام، للتعرف على عشرات الأحداث السابقة تعزز موضوعية اتهام الدروز للاسد دون سواه، ووضع الجريمة في سياق التطورات الأخيرة في الجنوب السوري، وإطار الحملة العسكرية التي قادتها ونفذتها روسيا وايران وحزب الله، وموافقة اسرائيل، لإعادة بسط سلطة النظام على السويداء بعد إخضاع درعا بالقوة المسلحة.

 

المتهم الرئيسي :بشار

 

صحيح إن الجريمة نفذتها)) داعش ((ولكنها تحمل بصمة الأسد شخصياً، وأساليب استخباراته الاجرامية التي خبرها السوريون خلال نصف قرن، ولذلك فهي تثبت أن ((داعش)) أداة تنفيذ وحسب، وأنها طرف غير رسمي في التحالف المعادي للشعب السوري، والذي يضم روسيا وايران وأتباعهما، بدلالة المؤشرات والقرائن التالية:

أولاًتعاون وثيق وموثق بين النظام والتنظيمات المتطرفة، وخصوصاً ((داعش))، ظهر جلياً في ريف حلب الشرقي 2014 - 2015 . وفي تدمر2016 ، وفي جنوب دمشق2018 ، وفي القلمون الغربي 2017  .. إلخ، وأطلق عليه المحللون الغربيون ((التعاون الذكي)) بين الجانبين. وحتى روسيا وايران اتبعتا السلوك نفسه في سورية،  فلم تحاربا ((داعش)) والنصرة إلا بشكل استثنائي، بل حاربتا المعارضة السورية الوطنية والسكان .

ثانيا ً- التهديد الصريح الذي وجهه الروس لشيوخ الطائفة في الاجتماع الذي عقده الجانبان قبل اسبوعين. وهو الأهم منذ اجتماع شيوخ الدروز وبشار عام 2015 للغرض نفسه. وقد رفض الشيوخ تهديدات الروس لهم كما سبق ان رفضوا تهديدات بشار في الاجتماع الذي ضمهم معه عام2015 ، وخصوصاً تهديد الروس بتصنيف ))رجال الكرامة)) كجماعة إرعابية لتبرير إبادتهم لاحقاً. ورد الشيوخ على الروس بتهديدهم باعتبارهم قوة احتلال لسورية، مما يبرر مقاومتهم.

ثالثاًالعلاقات المتوترة منذ بداية الثورة بين النظام والطائفة الدرزية، بسبب قرار مشايخهم رفض مشاركة أبنائهم في الجيش وقوات الأمن طالما يقتل هؤلاء أبناء شعبهم، ورفض تجنيدهم خارج السويداء، وظهور شيوخ مؤيدين للثورة، كالشيخ وحيد البلعوس الذي اغتالته المخابرات العسكرية عام2015 .

رابعاً- يرصد سكان السويداء وحوران أن المنطقة التي تسيطر عليها داعش منذ 2015 ظلت تنعم بالهدوء والازدهار الاقتصادي. وحتى اثناء الحملة الحربية الضارية على درعا وريفها في الشهور الاخيرة لم تتعرض لأي غارة، علماً أن الثوار كانوا في حالة اشتباك مستمرة مع ((داعش)). كما أن ضباط الأسد كانوا يتقاضون عمولات كبيرة لتسهيل التجارة بين مناطق ((داعش)) وحوران والسويداء، مما يوحي بعلاقات تواطؤ متبادلة. ويؤكد بعض الناشطين أن درعا كانت أحياناً تعاني من حصار النظام، وتفتقد بعض السلع الضرورية، وخصوصاً النفط، بينما كانت منطقة ((داعش)) لا تفتقر لأي سلعة، وكان بمقدورها تصدير النفط للمناطق القريبة منها !.ووصلت علاقات التواطؤ ذروتها بعد نقل مئات ((الدواعش)) من جنوب العاصمة ومخيم اليرموك الى وادي اليرموك لينضموا الى رفاقهم، ويعتقد المراقبون أن العملية شابها تواطؤ سافر، إذ لا معنى لنقلهم، وكان يمكن للنظام القضاء عليهم، فلماذا لم يفعل..؟ ولماذا نقلهم الى هذه المنطقة بالذات في حافلات آمنة ومكيفة..؟؟

ويتهم بعض المراقبين المحليين رئيس فرع الاستخبارات العسكرية في السويداء وفيق ناصر الحاكم الفعلي للمحافظة بتفويض من بشار بإقامة علاقات مباشرة مع ((داعش)) في البادية، وشوهد مرات متوجهاً للاجتماع بهم في منطقتهم !

خامساًيقول محللون من السويداء أن ظهور ((داعش)) عام 2015 وقبلها النصرة في المنطقة كان مثيراً للريبة منذ البدء، لأن الحركتين لا تملكان فرصة للاستقرار وسط مكونات اجتماعية ترفضهما، عكس المناطق الأخرى وسط وشمال وشرق سورية، حيث الحواضن الاجتماعية يمكن أن تتقبلهما فكراً وعقيدة. ويرى هؤلاء أن ((داعش)) والنصرة وصلتا للمنطقة بتسهيل من النظام وايران لتخويف وإرعاب الدروز، وتهديد الأردن وإسرائيل. بعد أن خير الاسد الدروز بين سلطته، أو الابادة بأيدي ((داعش)) والنصرة المتمركزين على أبواب السويداء. واشترط لحمايتهم تسليم أبنائهم للخدمة في الجيش.

سادساًيرى ثوار حوران أن النظام اتبع منذ 2011 سياسة ((فرق تسد)) وزرع الفتنة والشقاق بين الدروز وجيرانهم الحورانيين السنة، ولكنه فشل بفضل حكمة الطرفين والثقة المتبادلة، فلجأ لاستقدام المتطرفين لترهيب الدروز ودفعهم لطلب الحماية منه. ولكنهم تجنبوا الشرك، وتمسكوا بمواقفهم، وتسلحوا للقتال ضد من يعتدي عليهم رافضين الانخراط في القتال ضد أي طرف سوري. ويشير بعض المراقبين الى جريمة جبهة النصرة عام 2015 ضد دروز قرية ((قلب لوز)) في ادلب وذهب ضحيتها عشرون قتيلاً،كدليل على استخدام النظام للقوى المتطرفة لتصفية حساباته مع الدروز، خصوصاً وأن دروز ادلب كانوا أكثر انخراطاً في الثورة.

سابعاًلم يقتصر رفض الموحدين الدروز على إفشال محاولات النظام لاختراق صفوفهم والحاقهم به في حربه، فقد استطاعوا أيضاً إفشال محاولات ايران وحزب الله. فالأولى حاولت اختراق السويداء  ونشر، التشيع وبناء الحسينيات فيها ولكنهم تصدوا لها وأفشلوها، وأبعدوا رجالاتهم التي جاءت أحياناً بغطاء من وئام وهاب وميلشياته التي تتسلح وتتمول من ايران، وأفشلوا محاولة حزب الله - لبنان لتشكيل حزب الله سوري بقيادة سمير قنطار، يتمركز في السويداء والقنيطرة ويعتمد على الدروز، وانتهت المحاولة بمقتل القنطار بغارة اسرائيلية.

ثامناً - لا بد من الاشارة الى أن دروز السويداء لم يكونوا بعيدين عن الثورة بكل مستوياتها. فمنذ انتفاضة درعا تضامن أهل الجبل معها، وساندوها. ومع تعاظم الثورة والقمع المضاد، وبدء الانشقاقات عن الجيش وتشكيل كتائب مقاتلة لمواجهة النظام وأجهزته، انشق الملازم الاول الدرزي خلدون زين الدين وشكل)) جمع ثوار السهل والجبل(( كناية عن التمسك بالوحدة بين حوران وجبل العرب. ثم شكل المجلس العسكري الثوري للسويداء وقاد عدة عمليات عسكرية ضد مواقع جيش النظام واستشهد في ((عملية المرصد)). وتبع خلدون العقيد حافظ الفرج، النقيب شفيق عامر، العقيد مروان الحمد، والملازم الأول مهند العيسمي، زميله فضل زين الدين، ثم مهران مهنا، ثم انشق أعلى ضابط درزي في الجيش وسلاح الطيران اللواء الطيار فرج المقت، وانضم معظمهم للجيش الحر. وكان لبعضهم دور مباشر في تشكيل فصائل عسكرية ككتيبة سلطان باشا الاطرش، وكتيبة فدائيي بني معروف العاملة في الغوطة الشرقية التابعة للجيش الحر. واستشهد عسكريون دروز في حلب وحماة وإدلب ودمشق والقنيطرة. وذكرت مصادر درزية أن عدد المنشقين بلغ نهاية 2013 عشرون ألف عسكري درزي. وقدرت ((واشنطن بوست)) عدد الدروز الرافضين للخدمة في الجيش حتى مطلع 2013 بثمانية آلاف عسكري، وحددهم بشار بـ 27 ألفاً خلال لقائه بالشيوخ الدروز في مطلع 2015 وطلب تسليمهم، لأنهم يتمتعون بحماية الأهالي. ويقول الناشطون أن ما شجع على الانشقاق ورفض الخدمة ((الفتوى)) الدينية التي أصدرها شيوخهم ((بتحريم)) القتال مع طرفيّ الصراع وتطالب بسلمية الثورة. وفي السياق برزت شخصيات سياسية درزية في مؤسسات وصفوف المعارضة السياسية، أمثال منتهى الاطرش ابنة سلطان باشا، وحفيدته ميثة، وبرزت ريما فليحان عضو المجلس الوطني وائتلاف قوى الثورة والمعارضة، وبرزت ميس كريدي قبل أن تعود لموالاة النظام عبر منصة موسكو، وبرز الشيخان الهجري، والبلعوس اللذان اغتالهما النظام.

يضاف لهذا التاريخ القريب الحافل بالتوتر، ذكريات التوتر الأبعد زمنياً، وخصوصاً انتفاضات السويداء ، 1986 و0200. ويضاف اليها تهديد حافظ الاسد بقصف السويداء إثر محاولة سليم حاطوم التمرد والاعتصام في منطقته عام1966 ، كما يضاف له خطف شبلي العيسمي القائد البعثي المعارض من لبنان عام2011 . كما يضاف له العلاقات العدائية بين زعماء دروز لبنان ونظام الاسد منذ اغتيال الشهيد كمال جنبلاط1978 ، والتوتر بين وليد جنبلاط والاسد في السنين السابقة.

هذا السجل الحافل بمواقف الغالبية الدرزية ضد الاسد ورفضها لجرهم الى حلف الأقليات الذي شكله لتغطية حربه على الغالبية السنية جعله يترصد فرصة مواتية للانتقام بدون إثارة ردود افعال دولية، لعلمه أن قصف الدروز وقتلهم بنفس الطريقة التي قصف بها درعا والغوطة وحلب لن يمر بسهولة على الصعيد الدولي، ولا بد له أن ينفذ انتقامه بطريقة لا تدينه مباشرة.

وقد حانت هذه الفرصة أخيراً بعد أن فرضت روسيا ارادتها في سورية وحصلت على تفويض اميركي ودولي لإنهاء الصراع بأي طريقة، ووافقت على بقاء الأسد في الحكم، وإعادة المناطق المحررة الى سلطته بما فيها درعا وحوران، وتجديد اتفاق 1974 مع اسرائيل ما يعني عودة قواته بمباركة اسرائيلية للجولان والقنيطرة. هذه التطورات سمحت له بالسعي لاستعادة السويداء. ولكن رفض شيوخ الدروز لشروط الوفد الروسي أقنعه وأقنع الروس والايرانيين بحتمية ((عمل عسكري كبير)) يوازي العدوان الذي تعرضت له حوران لإجبار الدروز على الاستسلام ..فكان العدوان الذي نفذه النظام وحلفاؤه بواسطة ((داعش))!!

الغالبية الساحقة من الدروز تعتقد أن الاسد انتقم منهم بهذه الصورة الدموية، ولا تقبل تبرئته من دمائهم.

 

الوسوم