بيروت | Clouds 28.7 c

دراسة على حلقتين تنشرها الشراع للمفكر التقدمي العراقي: د. عبد الحسين شعبان" الحزب الشيوعي العراقي في صعوده ونزوله" الإخلاص للمعرفة والهوى الصعب

دراسة على حلقتين تنشرها الشراع للمفكر التقدمي العراقي: د. عبد الحسين شعبان

مجلة الشراع 4 آب 2020

 

"وتبقى النظرية رمادية بالية وأما شجرة الحياة فيافعة خضراء"

الشاعر الألماني غوته

I

وفرة المصادر التي اطّلع عليها البروفسور طارق يوسف اسماعيل والتفاصيل التي  اقتفى أثرها والمعلومات التي اختزنها والمقابلات المباشرة التي أجراها مع عدد من القياديين والدقة والأمانة التي تحلّى بها،  كوّنت لديه صورة تكاد تكون شبه متكاملة عن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، بكل تضاريسها ومنعرجاتها وتموّجاتها وألوانها المشرقة والغائمة بما فيها بعض نقاطها المعتمة.

وعلى غرار حنّا بطاطو أدرك طارق اسماعيل  مثله مثل العديد من الباحثين الأكاديميين الجادين، أنه لا يمكن الحديث عن الحزب الشيوعي دون الحديث عن الدولة العراقية والعكس صحيح تماماً، فقد ترافق تاريخ اليسار عموماً والحركة الشيوعية خصوصاً، مع تاريخ الدولة التي تأسست في العام 1921 بتنصيب الأمير فيصل الأول بن الحسين شريف مكة ملكاً عليها في 23 آب (أغسطس) وسنّت دستورها الدائم (الأول) في 21 آذار (مارس) العام 1925، وانضمت إلى عصبة الأمم العام 1932، وكانت عضواً مؤسساً وفاعلاً في جامعة الدول العربية عند تأسيسها في 22 آذار (مارس) العام 1945، وعضواً مؤسساً في هيأة الأمم المتحدة التي تأسست في سان فرانسيسكو في 24 تشرين الأول (أكتوبر) العام 1945.

الميزة الأولى لكتاب طارق اسماعيل " الحزب الشيوعي العراقي في صعوده ونزوله" هي الكثافة والعمق الذي تجلى بالإدهاش والمفاجأة في الآن، فحين يأتي طارق اسماعيل على تفصيل أو رأي أو يقتبس قولاً يبدو لك متكاملاً ويحاول أن يقنعك وكأنه صاحبه وليس اقتباساً، ثم يأتي على رأي آخر أو جزئية أخرى أو اقتباس ثان وإن كان عكس الأول ، لكنه يمضي به إلى النهاية ليستكمله ويحاول إقناع القارئ بمبرّراته، وهكذا يحاول مع النظائر المختلفة، لدرجة يضعك حائراً وعليك أن تستخدم عقلك ومخزونك الفكري والثقافي، لكي تميّز بين هذا وذاك، وتلك ميزته الأكاديمية الثانية.

فهو لا ينقل رأياً أو وجهة نظر أو قولاً دون أن يمحّصه ويتابعه ويبحث في أسانيده، وحين ينقل رأياً معاكساً ويأتي على وجهة نظر مخالفة أو يقتبس قولاً آخر يفعل الشيء ذاته بعدالة كاملة ودون انحياز مسبق، ولا يعني هذا أنه لا يمتلك وجهة نظر خاصة أو رأياً متبلوراً، لكنه لا يقدّمه للقارئ لكي لا يؤثر على وجهة نظره ويستحوذ على تفكيره، إنما يقلّب الآراء أمامه ويخضعها لمختبره ويجري عليها تحليلات لتخرج في نهاية المطاف طازجة تعبّر عن حقيقة ما حدث وقادرة على الإقناع، وتلك وظيفة البحث العلمي  وهي ميزته الثالثة.

ومثل تلك الطريقة وهذا الأسلوب يجنّباه الجمود والجفاف الذي تمتاز به بعض الأبحاث الأكاديمية ، بل إنه بتعريضه الآراء جميعها للنقد والرأي والرأي الآخر، يمنح القارئ فرصة الاختيار مثلما يجعل من سرديته تتمتّع بجاذبية جديدة فوق ما فيها من قيمة علمية، فتراه أحياناً يسعى لإشراك القارئ لينظر إلى ما هو هامشي أو عابر أحياناً من منظور جوهري وثابت، لأن الكتابة عن الحزب الشيوعي وتاريخه أقرب إلى المغامرة وهناك العديد من الباحثين تجنّب الاقتراب منها، في حين سلك طارق اسماعيل دروبها الوعرة بشجاعة وتجرّد، واقتحم ميدانها وهو مسلّح بمعرفة وعلم وضمير يقظ، لاسيّما بعد أن تكدّس لديه كمٌ هائل من المعلومات والكتب والدراسات عن تاريخ الحركة الشيوعية وقياداتها في العالم العربي، كما امتاز بصداقاته لعدد منها ولقاءاته المتكرّرة لاستكمال مهمته، فضلاً عن معرفته بالخريطة السياسية والفكرية العراقية والعربية بمدارسها المختلفة ، ليس هذا فحسب، بل إن بقاءه في المحافل الأكاديمية في الغرب أعطاه فسحة أكثر حرية وانفتاحاً، خصوصاً وهو غير محازب أو منحاز وتلك ميزته الرابعة.

ويعرف طارق اسماعيل أن مغامرته تهدف إلى البحث عن الحقيقة، فتقدّم إليها مؤمناً بما يكتب وبما توصّل إليه من استنتاجات يحاول وضعها مخلصاً أمام القارئ، ولاسيّما المعني بشكل خاص، وهو إذْ يفعل ذلك فإنه يضع عصارة تجربته الحياتية والأكاديمية ورحلته الطويلة مع البحث العلمي الذي زاد على نصف قرن في خدمة القارئ وفي عهدة التاريخ ،أميناً عليها جاعلاً الحرف والحق والمعرفة فسيفساء متداخلة في مشغله لا يمكن أن ينفكّ أحدها عن الآخر، لأنها مترابطة عضوياً ومتفاعلة جدلياً.

أقول إن الكتابة عن الحزب الشيوعي مغامرة  لأنها قد لا ترضي أحداً، فلمجرد ذكر حسناته وإيجابياته وهي كثيرة سيضعه "الكارهون" و"القادحون" وأصحاب المواقف العدائية، في خانة "المؤيدين" للحزب وسياساته، بل سيضيفون على ذلك أنه "مروّج" للأفكار الشيوعية، وما "انتقاداته" سوى  الغطاء لإمرار ما يريد، وهكذا يمكن أن يصنفونه، خصوصاً وأن علاقته مع الزعيم عبد الكريم قاسم، إضافة إلى أن بعض كتاباته ودوره الإعلامي بعد 14 تموز (يوليو) 1958، تعطي مثل هذا الانطباع، علماً بأنه استمر في مركزه المهني هذا قريباً من موقع القرار لغاية سفره إلى الولايات المتحدة للدراسة العليا العام 1960 بعد أن كان قد تخرّج من جامعة بغداد (كلية الآداب) العام 1958، ولكنه ظلّ مستقلاً ومحافظاً على استقلاليته ومهنيته.

أما "المغالون" في المدح و"المتعصبون" في الولاء، فسيعتبرون أي نقد لممارسة أو انتهاك أو تجاوز، إنما يصبّ في طاحونة الأعداء، وفي أحسن الأحوال يصنفون تلك الكتابة بالتأثر بالدعاية السوداء، وفي كل الأحوال فهي تلقي الزيت على النار التي يحاول أولئك الذين ينسبون المساوئ للحزب إبقاء جذوتها متقدة في مسعى لتشويه سمعته وتضخيم أخطائه، فما بالك إذا كان بعض انتقاداته أقرب إلى الجماعات المنشقة عنه، وخصوصاً بعد العام 1967 التي حاول أن ينقل وجهة نظرها من أدبياتها، فإن الأمر سيزيد الصورة تشوّشاً والتباساً، ويلقي ظلالاً من الشك على محتوى الكتاب ومضمونه، بل مشروع الكتابة ككل وأهدافها وأغراضها وتوقيتها وبماذا تفيد وفي هذا الظرف بالذات؟ وكأن هناك زمناً مبرمجاً للنقد ينبغي تشغيله حسب هوى أصحابه وتوقيتاتهم.

        وأيّا كان بعض التقييمات "المعلّبة" أو "الجاهزة" التي تواجه الأكاديمي والناقد، فتلك ضريبة لا بدّ أن يدفعها وهو برضا كامل، لأن وظيفته تختلف عن وظيفة المبشّر أو الداعية، اليقينية - الإيمانية، أما لغة الأكاديمي والباحث فتكون نقدية- تساؤلية، وفي حين تكون الأولى مغلقة، فإن الثانية مفتوحة، وهكذا هي لغة الكاتب والكتاب المصبوب بمنهجية علمية مائزة، دون أن يعني ذلك عدم إخضاعه هو الآخر للنقد والتدقيق والملاحظة، ولعلّ قيمة أي عمل جاد وأي فعل مؤثر هو بنقده.

        فتح طارق اسماعيل باباً مهماً لمعرفة تاريخ الحزب الشيوعي العراقي وسلّط ضوءًا جديداً عليه ومن منظور جديد لصعوده ونزوله ، خارج دائرة التبشير والتبرير، بل عمل جهده من خلال التفسير والتنوير بما له وهو كثير ولا يمكن إخفاؤه وما عليه وهو ليس بقليل ولا يمكن إهماله، الأمر الذي يعني وهذا ما أتوقعه من نجاح الكتاب والكاتب، خصوصاً حين تناله طائفة من النقد والمراجعة والتصويب، لأنه يستحق ذلك، وأظن أن ذلك سيفتح النقاش الذي لم ينقطع أساساً حول تاريخ الحركة الشيوعية وهو نقاش مطلوب بصوت عال دون تقديس أو تدنيس.

        وحتى كتاب حنّا بطاطو " العراق - الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق" الذي صدرت عنه طبعة جديدة عن دار بابل (بغداد) في ثلاثة أجزاء العام 2018 ترجمة سعد الحسيني (وهي ترجمة ثانية بعد ترجمة عفيف الرزاز التي صدرت في العام 1996 عن مؤسسة الأبحاث العربية وللأسف فكلاهما لم تسلما من الأخطاء) والذي امتاز بعلمية جديرة، حيث بحث في صلب الاجتماع السياسي العراقي، فهناك من يقتبس منه بحسب هواه ويعتبر اقتباسات الآخر الخصم أو العدو افتئاتاً وهكذا.

        وقد اختلف منهج طارق اسماعيل عن منهج حنا بطاطو حيث توقّف أكثر وعلى نحو مباشر عند الأدبيات والتجارب الشخصية وأخضعها لتحليل تاريخي وسياسي واجتماعي في إطار تشابكاتها الدولية، ليكون أساساً لمنهجه النقدي والذي يقول عنه  "بعيداً عن أية مفاهيم مسبقة قد تكوّنت لديّ"، لأنه حسب اعتقاده إن بطاطو قبل 30 عاماً حين ألّف كتابه كان من غير الممكن الوصول إلى المعلومات الشخصية، ناهيك عن الوثيقة، وهو إذ يقدر جهده الضخم، لكنه اتّبع منهجاً آخر بما عرفه عن الشيوعيين وصراعاتهم على نحو مباشر أيضاً، وكان ذلك ضمن مشروعه الخماسي عن الحركة الشيوعية التي يختتمها بمؤلفه عن الحزب الشيوعي السوداني (2013) وقبلها كان قد نشر سفراً مهماً عن الحركة الشيوعية المصرية (1990) والحركة الشيوعية السورية - اللبنانية (1998) والحركة الشيوعية في العالم العربي (2005) والحزب الشيوعي العراقي (7200).

        وثمة ميزة خامسة لكتاب طارق اسماعيل هي أنه بحث موضوع الحزب من الداخل العراقي، بل كان قريباً من الحزب نفسه وقيادته في فترة شبه علنية أو علنية بعد العام 1958، وهو ما حاول أن يأتي عليه في مذكراته الشائقة والمفيدة والتي تلقي ضوءًا على تاريخ العراق المعاصر والموسومة " من زوايا الذاكرة - على هامش ثورة 14 تموز عام 1958 " والتي أعتبرها استكمالاً وتتويجاً لكتابه موضوع البحث والخاص بتاريخ الحزب الشيوعي، ومثل هذا التداخل طبع جيل الخمسينات والستينات بشكل عام في صعود الفكر اليساري والماركسي تحديداً، علماً بأن الهزائم العديدة والانكسارات المعنوية المختلفة التي مُني بها الجيل الستيني أثارت أسئلة جديدة ودفعت الشباب المتطلّع للتجديد والتغيير للتمرّد على بعض الأطر والأنماط السائدة في الرأسمالية (حركة الاحتجاج الفرنسية 1968) والاشتراكية (ربيع براغ والدعوة إلى اشتراكية ذات وجه إنساني) والرغبة في التحلّل من الالتزامات الثقيلة على صعيد الحياة والوجود.

        وترافق ذلك كلّه مع حركة تجديد في الفن والأدب والسينما والمسرح والشعر والموسيقى واللغة والسلوك والأخلاق وغيرها، وهذه إضافة إلى حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة والتضامن الدولي مع فيتنام وضد الحرب الأمريكية عليه وصدمة 5 حزيران (يونيو) العام 1967 كلّها انعكست على وضع اليسار عموماً واليسار العربي بشكل خاص.

 

II

ويرصد طارق اسماعيل العديد من ملفات الحزب وتاريخه العويص، ويتوغّل في مراحله الشائكة والمعقّدة ويتناول المراحل القاسية والشاقة في حياته ودور مناضليه الأوائل وميزاته الوافرة، وخصوصاً في استقطاب المثقفين العراقيين، الذين مرّوا في الأربعينات والخمسينات من بواباته أو نوافذه أو بالقرب منها، متأثرين به ومتفاعلين معه، إضافة إلى الدور الذي اضلع به في التحضير لثورة 14 تموز (يوليو) 1958 موضوعياً أو حتى ذاتياً.

ولا ينسى اسماعيل أن يتوقّف عند انشطارات الحزب وأخطائه واندفاعاته ويبحث في ثغرات بعض سياساته وصولاً إلى الردّة الشباطية في العام 1963 والتي أطاحت بغالبية قياداته بضربة خاطفة وبشعارات صاخبة امتحنها الناس خلال الأشهر التسعة فسقطت مضرجة بالدماء والدموع وعشرات الآلاف من الضحايا وسجون مكتظّة ومحاكمات صورية ، وذلك في غفلة من الزمن وبطريقة أقرب إلى المباغتة والحيلة، لاسيّما بضعف اليقظة وعدم تبلور مشروع استراتيجي ناضج .

ويعتني الكتاب بالحياة الداخلية للحزب ويرصد على نحو دقيق مظاهر التراجع والشيخوخة والعزلة التي عاشها ويتابع ذلك بشكل خاص في أجواء المنافي وما صاحبها من انتهاكات وتجاوزات مسّت القيم التي كانت الأبرز في تاريخه، ناهيك عن تقهقر سياساته وتذبذباتها، من الجهة الوطنية مع حزب البعث العام 1973 إلى المشاركة في مجلس الحكم الانتقالي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق العام 2003.

ويعتبر ذلك امتداداً وتدرجاً إلى ما وصل إليه الحزب، حين أدار ظهر المجن وقلب صفحة الماضي المأساوية على نحو مثير ودون مقابل كما يُقال، ورضخ لشروط حزب البعث "الحليف" وقام بتمجيد دوره والترويج لسياساته على المستوى العربي والعالمي، وهو ما تكرّس في المؤتمر الثالث للحزب العام 1976، في حين كانت المؤشرات واضحة ولا تحتاج إلى عناء كبير لفهم أسباب الارتداد الموجودة في جوف النظام، بل وتعيش في أحشائه، إذْ سرعان ما أدّت بالحزب الحاكم وبعد تصفية الحركة الكردية إلى فضّ التحالف بمجمله وليس قص أجنحته بحلّ المنظمات الجماهيرية التابعة للحزب مثل اتحاد الطلبة ورابطة المرأة ومنظمة الشبيبة الديمقراطية وغيرها، بل استبعاد كل لون أو طيف من خارج " الحزب القائد" ومن يدور في فلكه ، بما فيها المنظمات التي ارتضى فيها الحزب الشيوعي العمل فيها تحت هيمنة حزب البعث وتوجيهاته، مثل مجلس السلم ونقابة الصحفيين واتحاد الأدباء وغيرها من المنظمات التي كان للحزب الشيوعي نفوذ كبير فيها.

وكانت صيغة الجبهة الوطنية قد اشترطت قيادة البعث للجبهة والسلطة باعتباره يلعب دوراً متميزاً، وهو الذي قاد "ثورة" 17-30 تموز (يوليو) 1968 "التقدمية"، مثلما اشترط حلّ تنظيمات الحزب بالجيش واعتُبِر لاحقاً من يُكتشف بالعمل في القوات المسلحة أو القوات الأمنية بجميع صنوفها، يكون مصيره الإعدام، بل إن من لم يبلّغ عن انتماءات سابقة له يندرج ضمن مواد عقابية غليظة شرّعت لهذا الغرض دون اعتراض يُذكر، وهو أقرب إلى إصدار حكم مسبق بحق أعضاء في القاعدة  أو أصدقاء الحزب غامرت بقبوله قيادة الحزب، وقد أقدمت الحكومة العراقية على تفعليه بإحالة العديد من المتهمين من أصدقاء الحزب إلى "محكمة الثورة" التي أصدرت حكمها بإعدام نحو 30 عسكرياً بتهمة انتماءاتهم  الشيوعية وتم تنفيذ الحكم بهم في ربيع العام 1978.

ويتناول اسماعيل كيف مرّت عاصفة التصفيات للحركة السياسية العراقية في ظل وجود الجبهة الوطنية، سواء ضد رفاق الأمس " القيادة المركزية" أو ضد القوى القومية العربية وبعضها من حلفاء الحزب، ولاحقاً ضد الحركة الكردية، لدرجة أن الحزب حمل السلاح مع البعث لملاحقة "الجيب العميل"، وهو ما كان يروّج له الإعلام الرسمي، حيث ازداد التوتر بين البعث والحركة الكردية ، ودفع الشيوعيون الثمن أيضاً  حين أقدم عيسى سوار، وليس بمعزل عن توجيهات قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك) آنذاك، باختطاف 12 شيوعياً كانوا قادمين من الخارج وقتلهم، وهو الأمر الذي تكرّر في الصراعات الكردية- الكردية، والتي ما كان للحزب الشيوعي الانخراط فيها، إلّا أن أوضاعه الداخلية وانحيازات بعض قياداته الكردية لهذه المجموعة أو تلك حمّلته المزيد من الكوارث، وكان من أبرزها مجزرة بشتاشان ضد الأنصار الشيوعيين التي راح ضحيتها عشرات منهم في أيار (مايو) العام 1983، على يد الاتحاد الوطني الكردستاني (أوك) .

ويتناول اسماعيل مرحلة ما بعد اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية 1980-1988 والموقف المتخبّط للحزب الشيوعي منها وممالئة لإيران ويسلّط الضوء على وثائق وتفاصيل مهمة، فيما يتعلّق بالموقف من الحرب وتطوراتها وفيما بعد في الموقف من الحصار الدولي عقب غزو القوات العراقية للكويت في 2 آب (أغسطس) 1990 وما بعدها ولغاية العام 2003.

وقد تكون تلك المرحلة جزءًا من التصدّع الأيديولوجي والتيه السياسي التي مرّ بها الحزب والذي تحوّل إلى نوع التخبّط والغبش الفكري بعد الاحتلال الأمريكي ، خصوصاً مشاركته بمجلس الحكم الانتقالي، والتي مثّلت ضياعاً حقيقياً وتبدلاً في استراتيجيات الحزب "المناضل الأكثر جذرية" ضد الإمبريالية وضد أحلافها العسكرية العدوانية ومعاهداتها الاسترقاقية المذلّة، وإذا به يقبل بدستور طائفي - إثني ويروّج له ويعتبر اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية " أحسن الحلول السيئة" في تعبيرات ملطّفة ومخففة عن عمق ما أصاب العراق من دمار وخراب هدّم أركاناً أساسية من الدولة العراقية، خصوصاً بحلّ الجيش والقوى الأمنية وتعريض البلاد للفوضى والإرهاب، وهو ما يدعو إلى السخرية السوداء أو المرّة، تلك التي وصفها الشاعر أكتافيو باث بأنها " تنحدر بالآلهة من عليائها السماوي إلى الأرض وتنتقل بالنص المقدس إلى خارج المعبد"، وهو بتقديري المشهد الأكثر درامية في الوضع العراقي برمته، والذي كان على الحزب الشيوعي وتاريخه عدم  الانخراط فيه.

يتبع1/2

بيروت في 7/8/2019

نشرت في حصيفة الزمان العراقية على حلقتين في 29 و30/7/2020.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أكاديمي ومفكر عربي من العراق.

 

الوسوم