بيروت | Clouds 28.7 c

الرد الذي يحضره حزب الله: نصرالله ليس عرفات ولا قواعد لعبة جديدة تمس المقاومة / خاص بـ "الشراع"

مجلة الشراع 27 تموز 2020

ماذا يريد الاميركيون من لبنان ؟

السؤال مطروح منذ فترة, واعيد طرحه بشكل واسع مع اشتداد الازمة المالية والاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان واتهمت الولايات المتحدة بانها تقف خلفها في محاولة منها للنيل من حزب الله باعتباره وفقاً لما يؤكده مسؤولوها أبرز أذرع ايران العسكرية على البحر المتوسط وعلى حدود الكيان الصهيوني ؟

وبين من يعتبر في اوساط المراقبين ان واشنطن تريد لبنان من دون حزب الله حتى ولو ادى ذلك الى تدميره بالكامل, وبين من يعتبر انها تخوض "كباشاً" مع ايران وعلى الساحة اللبنانية هذه المرة من اجل دفعها الى تقديم تنازلات ضمن شروط وضعتها ادارة دونالد ترامب من اجل تطويع طهران في اطار النظام الاقليمي الجديد الذي تسعى الى اقامته, فان هناك مقاربة ثالثة تتحدث عما هو أبعد من ذلك واكثر شمولية ويطال النظام الدولي الجديد الذي يطال من ضمن ما يطاله الوضع في منطقة المشرق العربي .

هذه المقاربة تتحدث عن ملامح اتفاق اميركي - روسي قيد الانجاز والتبلور ,ويخضع حالياً لفترة اختبار , ويتضمن "تطنيشاً " اميركياً عن تحول سورية الى منطقة نفوذ للروس ,مقابل التسليم بان يكون العراق وكذلك لبنان في دائرة  النفوذ الاميركي في المنطقة.

ولهذا السبب,كما يقول اصحاب هذه المقاربة, فان الدول الفاعلة في المنطقة وعلى رأسها تركيا وايران فضلاً عن اسرائيل تسعى للافادة من عملية رسم حدود المصالح والنفوذ القائمة حالياً وتسعى للحفاظ على مكاسبها ومصالحها فيها من جهة والى توسيع نطاق هذه المصالح والمكاسب , كما تحاول تركيا - رجب اردوغان حالياً فعله من خلال التحرك والتدخل في اكثر من بلد ودولة , ومن سورية المجاورة لها وامتداداً حتى ليبيا مروراً باكثر من عاصمة ترى فيها وريثة الامبراطورية العثمانية البائدة ان لها فرصة في الامساك بها عبر "الاخوان المسلمين" او بقاياهم اذا صح التعبير.

المهم في هذا السياق هو ان لبنان يدخل في قلب الاهتمامات الاميركية سواء كساحة يراد من خلالها استهداف المحور الذي يمثله حزب الله , او ككيان يتمسك الاميركيون ببقائه ساحة نفوذ لهم في الوضع الجديد او المقبل .

 وعلىى الرغم من  ذلك فانه ليس معروفا بعد ما تنوي الولايات المتحدة القيام به في لبنان في المرحلة القريبة المقبلة.

الا ان ما يجري حالياً, وايلاء واشنطن الأولوية في اهتمامات عدد من كبار مسؤوليها وعلى رأسهم وزير الخارجية مايك بومبيو يشي بان شيئاً كبيراً يتم العمل عليه منذ فترة وحان وقت قطافه اميركياً وقد  انطلق عملياً لدى صدور  قانون العقوبات ضد حزب الله امام الكونغرس قبل فترة غير قصيرة, وهو القانون الذي لم يكن سوى  واحد من الخطوات التي يراد للملحق اللبناني ان يتضمنها .

وثمة اعتقاد سائد  في عدد من الاوساط المتابعة وبينها من هو موجود في  واشنطن مفاده ان عملية مشابهة لما جرى في العام 1982 يجري التحضير لها حالياً لا بل خوضها عملياً,وان حسن نصرالله اليوم هو ياسر عرفات الامس وان  الاول مع مقاتليه  يجب ان يخرجوا الى ايران مثلما اخرج الثاني مع منظمة التحرير الى تونس , على الرغم من ان الاول لبناني والثاني فلسطيني , فليس هناك في واشنطن من اعتبارات لهذا الامر,لاسيما في ظل النظرة الاميركية الراسخة الى حزب الله بانه مجرد اداة تابعة لطهران.

المحرك الاساس او المفتاح في ما يجري اعتماده ,هو  مستشار الامن القومي السابق جون بولتون وهو صاحب هذه النظرية ازاء عرفات ونصرالله . بولتون  الذي ثارت ضجة بعد اقالته وبعد موقفه التصعيدي مؤخراً ضد دونالد ترامب ما زالت بصماته حاضرة في السياسة الاميركية المستجدة في لبنان من خلال المضي في تنفيذ  ما كان أوصى به وتحول توجهاته الى دائرة التطبيق وهو الذي كان يزعم على الدوام وبتبجح لافت انه يعرف كيف يفكر الايرانيون وان الرد عليهم في كل خطوة يقدمون عليها وحتى قبل الاقدام عليها يتم من خلال مقارعتهم بما يمكن ان يكونوا يفكرون بالاقدام عليه.

وبعد تنظيراته لالغاء الاتفاق النووي مع ايران التي تبناها ترامب بالكامل ,لم يكن اغتيال قاسم سليماني برأي هذه الاوساط الا عينة من طريقة التفكير "البولتونية" اذا صح التعبير, وهو الاغتيال الذي لم يكن الايرانيون يتوقعونه, كما ان ما يجري في لبنان بهذا الشكل غير المسبوق ,كان مستبعداً ايرانياً وخصوصاً لجهة إفقاره ومحاصرته ودفعه الى حافة المجاعة , وهو ما اسقط انطباعات سابقة حول هذا الامر واشار الى ان واشنطن باتت متخصصة في فعل كل ما يمكن ان ينزل كالصاعقة على طهران وحلفائها في المنطقة وعلى رأسهم حزب الله.

والسلوك الاميركي في هذا السياق ينطلق من ان المطلوب دائما في التعاطي مع محور المقاومة او الممانعة هو تتالي المفاجآت ضده, اي ان هذا المحور المطلوب اميركياً يجب ان يتلقى ضربة مفاجئة قبل ان يستوعب الضربة المفاجئة التي كان تلقاها, وكذلك بالنسبة للضربة الثالثة والرابعة في سياق متصاعد يراد منه اغراق المحور بسلسلة من نتائج الضربات المفاجئة وبشكل يضمن شله وعدم تمكينه من الرد على الخطوات الاميركية.

وعلى الارض ,فان الذين كانوا يتوقعون رداً مزلزلاً على الغاء الاتفاق النووي مع ايران, فوجئوا بسلسلة من الخطوات باتجاه تمكين الكيان الصهيوني من السيطرة على القدس والجولان وبفرض حصار محكم ضد ايران, وباغتيال قاسم سليماني الذي قيل الكثير عن الانتقام له باخراج كل القوات الاميركية من المنطقة بدءاً بالعراق , فاذا بمسار التطورات يأتي مغايراً من خلال فرض تغيير حكومي في العراق غير مناهض لواشنطن وتعاطيه مع طهران مختلف  وهو ما يتمظهر في التعبير عن تباينات في اكثر من قضية وملف , كما جاء مسار التطورات نفسه بتحويل لبنان الى ساحة يراد لها ان تكون مصدر قلق ووجع وازمات لمحور المقاومة والممانعة بدلا من ان يكون مصدر قوة قدرة على التأثير والتغيير في دول وعواصم عديدة.

وبالطبع ,فان الحزب سيكون له كلمته في هذا السياق  وكذلك المحور الذي ينتمي اليه, ومن الامثلة على ذلك  حالة الترقب السائدة حالياً بعد استهداف موقع قبل ايام في سورية حيث قضى احد المقاومين في غارة اسرائيلية توخت توجيه رسائل معينة , وبعد تحليق طائرتين حربيتين اميركتيين على مسافة قريبة من طائرة ايرانية تقل لبنانيين وقادمة الى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت.

ومن خلال الردود التي سيتولى الحزب القيام بها وفق التوقعات ,فان الامر سيتجاوز وفق معلومات خاصة بـ "الشراع" طبيعته المحددة اي انه لن يكون رد على الرد, بل ان ما سيتم العمل على انفاذه هو رسم خطوط حمراء لقواعد اللعبة التي يتم العمل لتعديلها وتكريس تعديلاتها من قبل الاميركيين والاسرائيليين , وفرض قواعد لعبة جديدة قد يكون لها البعد الشامل في كل الساحات التي يوجد فيها تماس بين محور المقاومة وبين اعدائه. فنصرالله ليس عرفات ولبنان لن يكون ساحة يتم من خلالها ضرب او تدمير الحزب وبلاد الارز, وما يمكن ان يحصل لن تقتصر اضراره وخسائره على من تريد واشنطن استهدافهم لان ما تقوم به سيطالها مع حلفائها وعلى رأسهم الكيان الصهيوني.

ولهذا السبب فان الرد على ما يجري ينتظر ان يكون غير عادي , وله طبيعة دخول الصراع مرحلة جديدة, وذلك باتجاه خلق معادلة جديدة وهي ان ادارة الصراع الدائر لم يعد مسموحاً فيها تجاوز الخطوط الحمراء الذي ادى الى المس بقواعد اللعبة السابقة التي كانت موجودة في مرحلة سابقة وعمل الاميركيون ومعهم اسرائيل من اجل العبث بها في محاولة  فرض قواعد جديدة وتحويلها الى امر واقع. والعنوان الاساسي في ذلك هو عدم السماح بالمس بالمقاومة وجهوزيتها لردع اي عدوان او مشروع صهيوني ضد لبنان.

واذا كان من المبكر القول ما اذا كان الرد المنتظر  سيكون عنوانه العمل على كسر مشروع محاصرة لبنان والحؤول دون تحويله الى ساحة وفق الرغبة او التوجه الاميركي, الا انه بالطبع لن يكون منفصلاً عما يدور ويحصل, خصوصاً وان المحور الذي ينتمي اليه الحزب والذي تعاطى حتى الان ب"صبر استراتيجي"مع ما  يتعرض له على اكثر من جبهة وفي اكثر من مكان وقضية  ربما يجد في هذه الفترة الوقت المناسب من اجل توجيه ضرباته رداً على كل ما تعرض له خلال سنوات دونالد ترامب الماضية في البيت الابيض.

وعلى المستويين ,سواء بالنسبة للتوجهات الاميركية او بالنسبة للموقف في محور المقاومة , فان الامور تشير الى ان الاشهر القليلة المقبلة ستشهد احتداماً من نوع جديد وأخطر للصراع بين المعسكرين, وهو ما يطرح على لبنان تحديات لا شك بانها ستكون من النوع المفصلي والتاريخي, مثلما ستكون المنطقة كلها امام هذا النوع من الاحداث التي ستؤسس لحقبة جديدة يمكن الوصول اليها بالحروب والمزيد منها , ويمكن الوصول اليها باتفاق ليس ما نشهده حالياً في طول المنطقة وعرضها سوى كباش للي ذراع من قبل كل طرف للآخر للوصول اليه.

 

الوسوم