بيروت | Clouds 28.7 c

كيف يساعد العرب العراق..؟ بقلم: محمد خليفة

أم على قلوب أقفالها ..؟!

 كيف يساعد العرب العراق..؟ بقلم: محمد خليفة

فشلت الحكومة العراقية في اقناع الايرانيين بإعادة الكهرباء اليه بعد محادثات رسمية في طهران ورغم وجود اتفاق ملزم، ما يعني أن ايران غير مكترثة بمعاناة العراقيين على نحو يجعل سلوكها عدائياً بشكل سافر. وهذا المثال يكشف الوجه الباطني لسياسة طهران الحقيقية في البلد الشقيق، بعد سنوات من الهرطقة الخطابية عن الاخوة الاسلامية .

ولم يجد العراق العربي في هذه الايام العصيبة غير أشقائه العرب مغيثاً ومعيناً، ليستنجد بهم لمساعدته على تجاوز أزماته الاقتصادية والانسانية واللوجستية التي أوصلته لها ايران، بعد خمسة عشر عاماً من سيطرتها العلنية والسرية عليه، وبلغت درجة الاحتلال المباشر .

لقد تجاوبت الكويت فوراً وعملت على تقديم ما يمكنها من الكهرباء، وهو موقف غير مفاجىء ودليل حي آخر على أن الخلافات العربية - العربية مهما بلغت لا يمكنها تدمير الأواصر والوشائج وعلاقات القربى العضوية والتاريخية بين أبناء الأمة الواحدة.

ورحبت السعودية أيضاً بزيارة وفد كبير يضم أربعة وزراء ومسؤولين آخرين للرياض لبحث سبل التعاون بين البلدين في مجالات الكهرباء والطاقة والنقبل، ولكن عدم وجود أبراج نقل للكهرباء أعاقت إرسال الكهرباء من السعودية للعراق، ولكن المعروف أن الدولتين أنشأتا مجلساً للتعاون بينهما منذ حزيران/ يونيو 2017 إثر زيارة حيدر العبادي للسعودية، والتي شكلت تطوراً بارزاً في سياسة انفتاح الدولتين على بعضهما على كل المستويات منذ أن عادت العلاقات الدبلوماسية عام2015 . وتبع ذلك زيارات على مستوى الوزراء، وشملت أيضاً زيارة المرجع الديني مقتدى الصدر للرياض، وحفاوة قيادتها السياسية العليا به .

الأحداث التي يمر العراق بها هذه الايام تنبىء بأنه مقبل على تحولات جذرية في توجهاته الاقليمية، أبرزها بداية نهاية السيطرة الايرانية على العراق، وبداية عودته الأكيدة الى نطاقه القومي. ولذلك يتعين على العرب، وخصوصاً دول الخليج كافة احتضان هذا البلد العزيز، ونجدته في محنته الراهنة بدون العودة للمسائل الخلافية والأزمات التي سببت القطيعة بينهما منذ ازمة الكويت عام 1990 وتداعياتها الأليمة. تلك الأزمة التي استثمرتها الولايات المتحدة لتحطم العراق القوي، كما استغلتها ايران لتساعد اميركا في عدوانها، وتتسلل هي الى العراق لتحقق اطماعها وأهدافها الخبيثة في عموم المنطقة العربية، وأولها عزل العراق عن محيطه، وفرض هيمنتها عليه، وتجنيد رجاله في حربها على الشعب السوري .

العراق بلد قوي وكبير وغني لا يحتاج احساناً من أي بلد، ولكنه كان ضحية مؤامرة كبرى كان أبرز عناوينها : إعادة العراق الى القرن التاسع عشر )) كما قالت التايمز البريطانية ((بعد أن نجح في تحقيق معدلات نمو عالية في مجالات التنمية قربته من مستويات دول شرق أوروبا عام1990 . وهي المؤامرة نفسها التي سبق أن تعرضت لها مصر، والجزائر، وأخيراً سورية الشعب. وكانت مخالب ايران وبصماتها واضحة في معظم تلك المرات.

لا بد أن يعمل العرب، وخصوصاً دول الخليج على وضع مشروع مارشال لإعادة إنهاض العراق، لأنه بوابة الخليج الشمالية، وبوابة العرب الشرقية. وكل خطر يهدده لا بد أن ينعكس على دول الخليج. وكل قوة له قوة للخليج والعرب جميعاً. وقد أصبح ثابتاً أن إسقاط العراق عام 1991 وغزوه واحتلاله عام  2003  بحجج زائفة كانا مقدمتين وخطوتين منسقتين في مسار يستهدف تدمير بقية الدول العربية من سورية الى اليمن والوصول الى الوضع العربي الحالي.

لا يجب أن يتأخر العرب، وخصوصاً السعودية والامارات وقطر والكويت عن نجدة العراق والتعامل معه وفق خطة جماعية استراتيجية، تتناول أسباب وجوانب ضعفه وهزاله مجتمعه. ولا بأس أن يكون هذا الدعم العربي بمثابة ديون طويلة الآجال. فالعراق يمكنه تسديد ديونه بملاءة، ولا بد أن العراقيين والعرب جميعاً يذكرون وقفات الدول الشقيقة معه أثناء حربه مع ايران .

ولا ينبغي أيضاً نسيان امكانات مصر في اعادة بناء العراق، وهي الدولة التي ربطتها بالعراق علاقات قومية، خصوصاً وكان لها فيه عدة ملايين من أبنائها طوال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات. وما زالت علاقات مصر بالعراق قوية على كل المستويات حتى اليوم، مما يهيئها للمساهمة في إعادة بناء العراق بشروط مالية ميسرة وطويلة الأجل أيضاً.

لقد دفع العراق ثمن تدهور علاقاته مع اشقائه العرب قبل ثلاثة عقود، ودفع العرب ثمناً فادحاً لانهيار العراق، وهذه هي اللحظة المناسبة لاعادة اللحمة بين الجانبين، وتجاوز التركة السابقة، وطي ملفات الخلافات السابقة من أجل إعادة الامور الى نصابها، وتصحيح المسيرة من منظور التاريخ والمستقبل والحرص على مصالح العرب البعيدة المدى.

إن خروج العراق من الهيمنة الايرانية واستعادته وعيه العربي الطبيعي، هو البداية المنطقية لانهيار ((الهلال الشيعي)) الذي اقامته ايران، واندحار استراتيجيتها التوسعية في المنطقة، وإذا كانت السعودية والامارات مضطرتين للقتال في اليمن ضد اتباع ايران دفاعاً عن أمنهما القومي، فمن الأجدى والأجدر أن تهبا لمساعدة العراق.. لا في مجال الكهرباء والنقل والطاقة، بل في كل مجالات القوة السياسية والاستراتيجية ليستعيد مكانه ومكانته في النطاق العربي كبلد قيادي رئيسي من البلدان التي قادت النضال التحرري، وكمركز رئيسي من مراكز النهضة والتنوير والتحديث الثقافي والسياسي والاقتصادي والصناعي.

 

الوسوم