بيروت | Clouds 28.7 c

لبنان اليوم: أزمات تتدحرج ككرة ثلج والعلاج  بين واشنطن وطهران / كتب المحرر السياسي لـ"الشراع"

مجلة الشراع 8 حزيران 2020

العودة الى الشارع عبر التظاهرات في اطار الانتفاضة الوطنية ضد الحرامية, لم تكن بحجم امال منظميها,رغم كل ما قيل عن ذلك, الا انها لا تعني سوى انها مجرد بداية لسياق جديد قد يتحول الى كرة ثلج متدحرجة ,بسبب العجز السياسي والرسمي عن معالجة الاوضاع , ودخول حكومة حسان دياب حالة موت سريري وإن كانت هذه الحالة غير معلنة حتى الآن.

وبقدر ما يمكن القول ان ماجرى في السادس من الشهر الجاري هو مقدمة لتحركات اوسع واكبر , فانه يمكن القول ايضا انه ينذر بمخاطر شتى اكثرها سوءاً هو الغرق في مستنقع فتنة سارع المعنيون سنة وشيعة الى نبذها والتحرك بكل الوسائل الممكنة من اجل وأدها في المهد .

كاد السبت الماضي يتحول الى سبت اسود , لا بل الى السبت الاكثر سواداً , لولا مسارعة العقلاء في كل القوى الى التدخل , ومعهم الجيش اللبناني والقوى الامنية لقطع دابر الفتنة المذهبية والطائفية, التي لا يمكن حتى الان الا تحميل بعض الجهلة والمندسين مسؤولية محاولة التسبب بها , مع استبعاد ان يكون ما جرى رسائل تهديد للسلم الاهلي عمل على اطلاقها بعض الداخل والخارج.

اذن ,الازمات في لبنان تتدحرج ككرة ثلج, وكل يوم جديد يحمل معه المزيد منها والأخطر,فيما يكتفي مسؤولوه بالمواقف الكلامية ,وفي احسن الاحوال باجتماعات ماراثونية لا تقدم ولا تؤخر كأن هذه الاجتماعات تعقد لمجرد الانعقاد ,بينما المواطن يئن تحت وطأة العوز والفقر وانعدام الامان.

وفيما يبدو واضحاً انه لا يمكن الركون لما يمكن ان يسفر عن تحركات الشارع ,فان الازمات معيشياً ومالياً واقتصادياً لا تحصى, وبدلاً من التخفيف منها او الحد من خسائرها,فانها تزداد تفاقما كما بات مؤكداً, في غياب اي انجاز حقيقي لحكومة تحتاج الى ترتيب الصف الداخلي لداعميها قبل ان تبحث عن وسائل للعمل على استقطاب كل الطاقات والامكانات والاطراف من اجل اعلان حالة طوارئ وطنية لمواجهة اخطر ما مرّ ويمر به لبنان في تاريخه.

واذ يستمر رئيس الحكومة حسان دياب وحكومته في العمل باطمئنان الى ان الحكومة باقية لتعذر تشكيل حكومة انقاذ بديلة , وهو ما يعتبر نقطة القوة الوحيدة للحكومة كون بديلها هو الفراغ ولاشيئ الا الفراغ, فان حالة الموت السريري غير المعلنة للحكومة ,حتى ولو صارت معلنة كما يقول مسؤول كبير سابق لن تؤدي الا الى المزيد من الاوضاع السيئة. وما سيحصل هو ان المعاناة ستكبر والانهيار ستتسع دوائره ليصبح الجوع والبطالة ووقوع النسبة الاكبر من اللبنانيين تحت خط الفقر عناوين لهذه المرحلة المريرة والحرجة والخطيرة.

والرهان على هذا الصعيد ليس على استنباط حل داخلي صعب لا بل مستحيل من خلال الطبقة السياسية الغارقة في الحفاظ على مكتسباتها وتعزيزها , كما تشير التجربة معها على مدار السنوات السابقة .

لا رهان للاسف على الداخل, وامكان انتاج تفاهمات او تسويات تساعد لبنان على الخروج من المرحلة الانتقالية الصعبة, مع استمرار السياسات المتبعة وغياب المحاسبة الفعلية والحقيقية واطلاق عملية اصلاح حقيقية توقف الهدر والفساد ونهب المال العام ,قبل ان تعمل على استعادة الاموال المنهوبة وبدء عملية اعادة بناء ترتكز على اتفاق الطائف وتعمل على تنفيذ ما لم ينفذ من بنوده وتوقف عملية اسقاطه  والتي تتم بالتدريج الممنهج.

الرهان هو على ما قد يستجد من معطيات على مستوى المنطقة وعلى صعيد المسارات الجديدة التي يمكن ان تخطوها الصراعات المحتدمة وفي مقدمتها الصراع الاميركي – الايراني, ما يعني ان لبنان الذي يعيش اليوم مرحلة انتقالية قاتمة في سوادها وسيتعرض بالتالي للمزيد من الهزات خلال الاشهر القليلة المقبلة , بانتظار ما ستؤول اليه الاوضاع في الخارج.

لا مبالغة ابدا في ذلك , لعدة اسباب بعضها يتعلق بطبيعة الكيان اللبناني وبعضها الاخر يتصل بالعلاقة العضوية للاطراف المتحركة فيه مع الخارج القريب او البعيد. ولذلك  فان الاوضاع في لبنان باتت رهينة المعادلات الجديدة والتي ينتظر ولادتها في المنطقة مع نهاية العام الجاري.

والاساس في هذه المعادلات هو بدء مرحلة تنفيذ القرارالاميركي بالانسحاب من العراق وسورية, وما سينجم عنه من ترتيبات تصر واشنطن على الوصول اليها, من خلال الضغوط المالية والاقتصادية المفروضة على دول تريد منها ان تكون جزءاً من الملتزمين بها وعلى رأس هؤلاء ايران وحلفائها.

وسواء اطلقت على هذه الترتيبات توصيفات من نوع اتفاقية"سايكس بيكو" الجديدة التي لا تمس الكيانات والحدود القائمة جغرافياً بل تطال في الاساس توزيع النفوذ فيها ومسائل اداراتها, فضلاً عن انها تلتزم ما تريده واشنطن لجهة تحقيق شرطين اساسيين طالما كانا في استراتيجيتها ازاء المنطقة وهما أمن النفط وأمن اسرائيل ,فان ما ادت اليه الحروب الاميركية المتتالية" حقق لها ما تريد على مستوى تنفيذ خيار" تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ" الذي كان العنوان الاساس للنتائج,وكل ذلك بالطبع على حساب العصبيات الوطنية او الكيانية , وايضا على حساب احلام الوحدة وبينها حلم الوحدة الذي جسده جمال عبد الناصر خلال العصر الذهبي للعروبة.

والهدف الاساس من ذلك هو بالطبع الامساك بالمنطقة من خلال دولها والنظم الحاكمة فيها على تعدد قومياتها ومذاهبها واصولها العرقية والقبلية, سواء كانت في هذا المحور او ذاك, في ظل التوجه الاميركي للتفرغ لمواجهة المارد الصيني الذي تخوض معه ما يصح وصفه بحرب باردة على مستوى كل العالم. 

ومن دون الدخول في تفاصيل سابقة لاوانها على اكثر من مستوى وتحتاج الى توافر معلومات ومعطيات عما يدور في مطابخ القرار في العالم والمنطقة ,فان تغريدة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الاخيرة يمكن ان تكون مؤشراً على ما يحصل في صعد مختلفة ,في اعقاب عملية "التبادل الانساني " بين واشنطن وطهران بوساطة سويسرية,والتي حصلت الاسبوع الماضي.

وقد دعا ظريف ترامب للعودة الى الاتفاق النووي مع ايران والذي انسحبت منه واشنطن قبل عامين "بعد نبرة ترامب التصالحية". وكتب ظريف حرفياً في تغريدته مخاطباً ترامب :" حققنا تبادلا انسانيا على الرغم من جهود مرؤوسيك . وكان لدينا اتفاق عندما توليت منصبك ,وارتكب مستشاروك الذين عزل معظمهم الان حماقة ,الامر متروك لك ان شئت اصلاحه".

كلام ظريف مؤشر جديد كما ورد انفاً على ان ايران ترغب في التفاوض مع ترامب المرشح للرئاسة الاميركية , وتفضل ذلك على التفاوض مع ترامب الرئيس في حال اعيد انتخابه في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل . وهو كلام من نوع مد اليد او التقدم خطوة باتجاه الرئيس الاميركي الباحث اليوم عن الطريقة التي يمكن ان تعيد تعويم وضعه الانتخابي المتراجع بفعل ادائه خلال ازمة كوورنا وبعد التظاهرات الواسعة التي عمت اكثر من 15 ولاية اميركية  في اعقاب جريمة القتل العنصرية بحق جورج فلويد.

وفي هذا الكلام رسالة ايرانية واضحة بان كل ما قيل عن ان طهران تنتظر هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية , ليس دقيقا وانه يمكن اصلاح الامر اذا تجاوب الرئيس الاميركي الحالي وتراجع عن الغاء الاتفاق النووي.

وبعيدأ عن الدخول في دهاليز هذا الامر المعقدة والشائكة , وما يمكن ان يسفر عنها, فان وضع لبنان اليوم وفي الغد بات مرتبطاً اكثر فاكثر بما يمكن ان تفضي اليه المفاوضات غير المعروف بعد مكانها وزمانها والأجندات المطروحة على جدول اعمالها, وكل ما تيسر معرفته , هو ما حصل بالنسبة لعملية التبادل الانساني وتبادل الرسائل المرنة ان صح التعبير على هذا الصعيد, خصوصاً مع طرفين واقعيين , يسود الاعتقاد ان لديهما مصلحة في وقف مسلسل التصعيد في ملف العلاقات بينهما , سواء ترامب الباحث عن كل ما يمكن ان يؤدي الى خدمة ترشيحه للبقاء في البيت الابيض او طهران التي وضعتها اجراءات محاصرتها من قبل واشنطن في موقف لا تحسد عليه.

لهذه الاسباب , فان الكلام عن لبنان ذاهب الى الاسوأ خلال الاشهر القليلة المقبلة صحيح بنسبة كبيرة . والصحيح ايضاً هو ان وصفة العلاج الوحيدة له اليوم , كما يقول  المسؤول الكبير السابق الذي ورد ذكره في سياق هذا المقال , هو تفاهم اميركي – ايراني , سواء حصل مثل هذا التفاهم عاجلاً او اجلاً, مع ترامب المرشح او الرئيس في حال اعيد انتخاب الاخير او جرى انتخاب  منافسه جو بايدن وفريقه الذي يضم باراك اوباما وجون كيري اللذين وقعا الاتفاق النووي مع ايران في حينه.

 

الوسوم