بيروت | Clouds 28.7 c

حلم  باسيل بالرئاسة بين العبث بالطائف والترويج للفدرالية! / خاص- "الشراع"

مجلة الشراع 1 حزيران 2020

 

ثمة محطات بارزة, لا بد من التوقف عندها بينها ما صدر مؤخراً من مواقف عن الرئيس نبيه بري والنائب السابق النائب وليد جنبلاط رفضاً للفدرالية وبينها ايضاً بيان رؤساء الحكومة الاربعة السابقين التحذيري الرافض لاي نوع من انواع المس باتفاق الطائف.

وفي وقت تنشغل فيه البلاد بازمات الدولار والعجز والضائقة الاقتصادية والمعيشية فضلا عن فيروس كورونا, فان تساؤلات عديدة طرحت حول ما قاله بري وجنبلاط ورؤساء الحكومات السابقون, وخلفيات ما يحصل والاهداف التي ينطوي عليها خصوصاً وان البعض بدأ يتحدث عن مسار انقلابي دخلته البلاد منذ بدء ولاية الرئيس ميشال عون وحتى الآن. وهو مسار انقلابي يخضع لعملية مد وجزر تبعاً للمستجدات الداخلية والخارجية والمحيطة بلبنان.

والعنوان الابرز لهذا الموضوع هو: هل ان محاولات نسف الطائف والذهاب الى تكريس نظام جديد فدرالي وفق ما يطالب به بعض الاصوات , تحولت الى امر واقع ,في ظل الاتهامات القديمة والجديدة للرئاسة الاولى والتيار الوطني الحر بالعمل على افراغ الطائف من مضمونه.

واذ يقلل بعض المراقبين من وقع ما يدور ضد وحدة لبنان وابنائه واتفاق الطائف , معتبرا ان المسألة لا تتجاوز في حدودها موضوع الطموح الرئاسي  لجبران باسيل , فان الوقائع المتتالية ولا سيما على مستوى التباينات على الارض في اكثر من منطقة وعلى مستوى التعاطي في السياسة في الكثير من الملفات,تقرع جرس انذار حيال ما يمكن ان يحصل ,مع العجز المتفاقم للسلطة ان لم نقل الطبقة السياسية برمتها عن حل اي مشكلة او ازمة او قضية مما ادى الى تراكمها بشكل مفرط وتهديد النسيج الاجتماعي اللبناني الوطني القائم على العيش الواحد ضمن كيان واحد.

واذ يتحدث بعض المراقبين عن ان تقدم باسيل في معادلة الحكم نتيجة علاقة المصاهرة بينه وبين رئيس الجمهورية  ,الا ان ذلك لا يقلل من قيمة او وزن الرئيس الحالي  ,وعلى العكس من ذلك فان ما قدمه رئيس الجمهورية حتى الان يشير الى وجود ارادة لدى هذا الرجل من اجل تقديم صورة جديدة للرئاسةعلى الرغم من كل الكلام الذي صدر عن تراجع وزن الرئاسة  من جراء اتفاق الطائف الذي أفرز وقائع جديدة أدت الى إفقاد الرئاسة الاولى ما كان لها قبل اتفاق الطائف ولاسيما بالنسبة للصلاحيات الرئاسية الواسعة التي كانت تحظى بها.

ولا شك بان عون كبير السن قياساً بمن سبقه من رؤساء في تاريخ الجمهورية اللبنانية , الا انه على الرغم من ما يترتب على ذلك من ظروف فان رئيس الجمهورية يثبت يوماً بعد يوم انه حاضر ذهنياً ومتابع للوقائع بشكل لافت لا بل انه لايتردد في التعاطي مع الكل حتى ولو كان بحجم رئيس الحكومة بطريقة اقل ما يقال عنها انها غير مقبولة في اوساط سنية واسعة تعتبر ان رئيس الحكومة لم يعد موظفاً لدى رئيس الجمهورية يعينه ويقيله ساعة يشاء او يتحكم بتوجهاته وسياساته . كما انه يتعمد ان يحضر معظم جلسات مجلس الوزراء( ان لم نقل كلها) من اجل ترؤسها كما ينص الدستور , وكل ذلك على حساب الطائف خصوصاً وان عون يتعاطى باعتباره مسؤولاً عن الجميع وليس المسؤول الاول ويتعاطى مع كل الملفات كأنه الثابت الوحيد فيها بطريقة الاملاءات على كل المسؤولين حتى لو كان بوزن رئيس حكومة.والامثلة على ذلك كثيرة مع حسان دياب وقبله ولو بحدود أقل مع سعد الحريري.

وعون بهذا الشكل الاتهامي له استطاع تحقيق توازن مع رئاسة الحكومة وفرض اعرافاً جديدة , وهو ما لم يستطع الرئيس اميل لحود فرضه على الرئيس ( المظلوم) رفيق الحريري على الرغم من انه اي  لحود كان متهماً بانه يستقوي بحكم الوصاية السوري  ولم يستطع الا  في مرحلة معينة لم تتجاوز الفترة الاولى من عهده من العمل على محاولة فرض ما يريده قبل ان يصطدم بالواقع السياسي في البلاد وما يتداخل في علاقات الاقليم معها.

والكلام عن المس بالطائف ليس تهمة يمكن توجيهها لعون ,كون عداوته مع الطائف الذي أخرجه من لبنان مطلع التسعينيات من القرن الماضي معروفة, على الرغم من انه لم ينبر مؤخراً لتكرار ما كان يقوله ضد هذا الاتفاق خلال ثلاثة عقود مضت , كما ان عون لا يغير بسهولة قناعاته حتى لو كان الثمن وصوله الى تحقيق حلمه بالوصول الى الرئاسة الذي تأخر كثيرا وصوله اليه . لكن من الواضح من خلال الاداء العام للرئاسة هو ان عون جفف الطائف من مضمونه لجهة صلاحيات رئيس الجمهورية في اطار السعي من اجل اعادة تكريس نظام رئاسي كما كان قبل الطائف ولكن من خلال مسار من الاعراف قام ويقوم ببنائه وشكل على دربه تراكمات لم تعد خافية في ما ترمز اليه من معان.

ومعنى ذلك ان عون اثبت حتى الان انه ليس رئيسا من نوع " لا طعم ولا لون ولا رائحة " واكد انه صاحب مواقف يعمل بعناد من اجل تحقيقها والعمل عليها وفرضها . حتى انه مضى في تنفيذ اولوياته مستفيدا الى ابعد مدى من تفاهم مار مخايل مع حزب الله ومن التسوية الرئاسية مع سعد الحريري ومن تفاهم معراب مع القوات اللبنانية . قبل ان ينفرط عقد التفاهمين الاخيرين ويتعرض تفاهمه مع حزب الله لهزات ليس معروفا ما اذا كان يمكن ترميمها بعد التباينات الاخيرة وبينها ما صدر من كلام غير مسبوق للنائب زياد اسود ضد حزب الله.

ومع هذه التفاهمات والتسويات الداخلية التي اجراها لم يتعاط عون مع اطرافها باعتبار ان لها ديناً عليه او ان هناك ثمناً ينبغي عليه سداده , بل  من منطلق اخر يحتم على هذه الاطراف التعاطي معه بواقعه الجديد كرئيس للجمهورية يملك اكبر كتلة شعبية ونيابية مسيحية ,ولهذا السبب لم يتردد في وضع اولويات الحرب على الارعاب في الجرود في صدارة اهتماماته كما في اقرار قانون انتخاب جديد  يعتبره عون حتى الان من انجازاته اضافة الى موضوع النزوح السوري الذي يستمر في العمل عليه دون خشية من الرفض الدولي لمشروعه.

وكل ذلك بالطبع تغير بعد انتفاضة 17 تشرين الاول – اكتوبر الماضي , وازمة كورونا, حيث باتت اولويات العهد ورأس حربته جبران باسيل , حماية هذا العهد وانقاذه من الانهيار الذي بات يشمل اليوم قطاعات واسعة في البلاد ويهدد بوضع لبنان امام اخطار لم يشهد مثيلا لها على مر تاريخه.

والمهم على هذا الصعيد ان السلوك المتبع من قبل العهد بهدف حمايته وانقاذ نفسه تجسد في امرين:

الاول : هو الذهاب بعيداً في عملية تفريغ الطائف من مضمونه من خلال الاعراف الجديدة ومن خلال التعاطي مع رئيس الحكومة الحالي بطريقة دفعت بمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الى التحدث وباعلى الصوت وبحضور دياب عن المسؤولية الوطنية في الحفاظ على موقع رئاسة الحكومة.

الثاني : هو السعي بكل الوسائل والامكانات المتاحة لتأمين ظروف ومناخات تضمن وصول جبران باسيل الى الرئاسة الاولى عندما يحين اوان ذلك.

واذ تحقق من الامر الاول الكثير لاصحاب هذا المشروع, فان فان الامر الثاني اي موضوع ترئيس جبران باسيل تحول الى بند اول في اكثر من كباش سياسي لم يقتصر فقط على الاقطاب الموارنة بل يكاد يشمل كل اقطاب البلد.

وعلى الرغم من ذلك فان الرهان على تعويم جبران باسيل بدأ يأخذ ابعاداً مختلفة , الا ان ما يتم تداوله في بعض الاوساط حالياً يتعاطى مع مسالة ترئيسه من منطلق انها في النهاية مسألة "كلمة سر" دولية – اقليمية( او اميركية – ايرانية) يمكن الوصول اليها من خلال استنساخ التجربة نفسها التي حصلت لدى وصول الرئيس عون الى الرئاسة  وهذا الامر بات مرهونا بعودة الديمقراطيين الى السلطة في الولايات المتحدة في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل ,مع كل ما يمكن ان ينتج عن ذلك من عملية اعادة الاتفاق مع ايران الى حيز الواقع.

وحسب اصحاب هذا الرهان فان انتخاب عون للرئاسة تم بعد   الاستفادة من الغبار الذي اثاره التوقيع على الاتفاق النووي ايام باراك اوباما بين الولايات المتحدة وايران  وذلك قبل ان يتمكن دونالد ترامب من الوصول الى الرئاسة والذي كان يستحيل على عون التقدم بخطوة واحدة باتجاه بعبدا لو كان ترامب قد انتخب قبله.

وهذا الامر قابل للتكرار اليوم في حال اخفق ترامب في الوصول الى سدة الرئاسة من جديد , وانتخب جو بايدن مع كل ما ينجم عن ذلك من تغييرات في السياسات الداخلية والخارجية ومنها ازاء المنطقة ولبنان وايران .علما انه على الرغم من كل ما يقوم به عون ومعه باسيل لابراز تباينه مع حزب الله  في بعض الملفات والمواقف فان رئيس الجمهورية لم يخرج من دائرة الاتهام الاميركي له بانه ممثل حزب الله على رأس السلطة في لبنان , وذلك على الرغم من الخلافات في المواقف بين الحزب والتيار بدءا من عدم الاتفاق في دوائر انتخابية عديدة في الانتخابات النيابية التي جرت قبل عامين وصولا الى التناقض في الموقف من معمل سلعاتا والى الحملات بين انصار الحزب والتيار عقب الموقف العدائي وغير المسبوق من زياد اسود ضد حزب الله.

في كل الاحوال ,فان ما قد يقال عن انه ليس هناك ترابط بين حلم  جبران بالرئاسة مع طروحات الفدرالية "الترويجية" " او محاولات تجويف الطائف والعبث بتوازناته, له في المقابل من يجزم بوجوده, وهو امر لاشك بان صورته الحقيقية لن تظهر الان بانتظارما سيشهده لبنان خلال الاشهر القليلة المقبلة.

 

الوسوم