بيروت | Clouds 28.7 c

الإمتداد الإيراني في مواجهة التمدد الأمريكي / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 28 ايار 2020

جاء وصول حاملات النفط إلى فنزويلا بسلام كخطوة أخرى إيرانية لتحدي الغطرسة الأمريكية وكسراً للقرار الأمريكي فرض الحصار على فنزويلا في محاولة للضغط على الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو ودعماً لخصمه خوان غوايدو المدعوم أمريكياً، وفنزويلا هذه إضافة إلى دول أمريكا اللاتينية كلها كانت حتى الأمس القريب الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ومنطقة النفوذ الأمريكي من دون منازع، وهل نسينا كيف أن الولايات المتحدة قامت بغزو دولة بنما واختطفت رئيسها مانويل نورييغا وحاكمته في الولايات المتحدة وحكمت عليه بالسجن ١٠ سنوات من دون أن يتفوّه أحد في الدنيا بكلمة اعتراض، بل قامت السلطات الأمريكية بعد فترة بتسليمه لفرنسا لمحاكمته هناك أيضاً في ظل الصمت الكامل لدول العالم، وطبعاً تجد الولايات المتحدة دائما تهماً لتبرير خطواتها ضد خصومها، وهي لا تجد ضرورة لتقديم اعتذار إذا ما تبين كذب اتهاماتها مثل ما حصل في ادعاء أمريكا وجود أسلحة للدمار الشامل في العراق وجاء الغزو الأمريكي لهذا البلد وتبين بعد ذلك كذب الإدعاءات جملة وتفصيلاً لكن الرئيس الأمريكي في حينه جورج دبليو بوش قال تعليقاً على الأمر أن العراق من دون صدام حسين أفضل، وأقرّ وزير الخارجية الأمريكي يومذاك كولن باول صراحة بتلفيق الإتهامات الكاذبة وتوريط الفريق التابع للأمم المتحدة لتقديم تقارير تؤيد الدعوى الأمريكية وذلك لتبرير غزو العراق وخداع الرأي العام الدولي.

إن " التفرعن " الأمريكي الذي صار واضحاً بأجلى صوره في الفترة الأخيرة وعدم  تقيّد الإدارة الأمريكية بأية قواعد وأصول والتزامات دولية وتصرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حتى مع حلفائه، باحتقار، وتوجيه التهديد تلو التهديد لأية دولة لا تستجيب لابتزازاته التي لا تتوقف ومطالباته التي لا تنتهي، وإصدار العقوبات الإقتصادية بحق هذه الدولة وتلك وإن كانت تلك الدولة من الدول العظمى صاحبة حق " الفيتو " في مجلس الأمن الدولي مثل روسيا والصين إذا ما عارضت التفرد الأمريكي، والتعامل حتى مع منظمة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها كمنظمة الصحة العالمية ولجنة حقوق الإنسان الدولية ومنظمة اليونسكو وغيرها بالإستعلاء والتهديد دائماً بقطع التمويل عنها والخروج من عضويتها ووضع العوائق في وجه نشاطاتها وهي التي تعهدت بتسهيل أعمال هذه المؤسسات وعدم عرقلة تحركاتها بموجب " اتفاقية المقر " العام ١٩٤٧ والتي تنظم الإطار القانوني لعمل المنظمة الدولية على الأراضي الأمريكية، وبلغ التجبر الأمريكي إلى حد التلويح في مرحلة بالإنسحاب كلياً من منظمة الأمم المتحدة إذا ما تعارضت مقرراتها مع إرادة الإدارة الأمريكية.

إن تصرف رؤساء الولايات المتحدة ودونالد ترامب بالأخص مع دول العالم وحتى مع الداخل الأمريكي هو أحد مصاديق ( إنه كان من المفسدين ) الوارد في الآية الكريمة الواردة في سورة القصص؛ ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين )، إذ أن جميع مواصفات فرعون وهي: ( علا في الأرض ) و ( جعل أهلها شِيَعاّ ) و ( يستضعف طائفة منهم ) و ( يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم ) متجسّدة في عنجهية الرئيس الأمريكي واستكباره وإصراره على الإستعلاء على الأمم والشعوب والتحكم بقرارات الدول والتفلت من الإتفاقات الدولية والثنائية إذا لم تناسب مزاجه ومصالحه.

إن الخطوة الإيرانية الأخيرة المتمثلة برفض سلطة الإستكبار الأمريكي وخرق الحصار المفروض ظلماً على دولة فنزويلا المستقلة ذات السيادة ونجدة الشعب الفنزويلي الرازح تحت العقوبات الأمريكية القاسية على بلاده هذه الأيام هو تجسيد جديد لقرار الجمهورية الإسلامية في إيران منذ تأسيسها تحدي " الفرعون الأمريكي "، وتأتي  خطوة النجاح هذه في التغلب على الإجراءات الأمريكية لمنع وصول ناقلة النفط المتجهة إلى سورية، وبعد الضربة القاسية للغطرسة الأمريكية بدكّ أهم قاعدة عسكرية لها في العراق وقتل وإصابة أكثر من مائة من الضباط والجنود فيها، ومن قبل إسقاط الدفاعات الجوية الإيرانية للمسيّرة الأمريكية المتطورة جداً والغالية الثمن، ومن أجلى مظاهر العنفوان في مواجهة المستكبر الأمريكي كان الإقتراب من القطع البحرية الأمريكية في الخليج من دون أن يجرؤ أحد على أي ردّ على الخطوات الإيرانية في البر والبحر والجو، بل يأتي التهديد من ترامب شخصياً ومن أركان إدارته لكن الإيرانيين يقومون أمام أعين العالم بتحدي الغطرسة الأمريكية مرة تلو أخرى في العراق وسورية ولبنان وغيرها وهذه الأيام في فنزويلا في المجالات العسكرية والسياسية والإقتصادية حتى لا يبقى لأحد حجة أمام الله والأمتين العربية والإسلامية وأمام التاريخ الذي يسجل مواقف العز بحروف من ذهب كما يدوّن سلوكيات الأذلاّء والمنبطحين أمام فراعنة العصور المتعاقبة، فتعتزّ الأجيال القادمة بالذين وقفوا شامخين أمام الجبارين والمستعمرين وتحملوا الصعوبات الجمّة ومقدمين أنواع التضحيات التي هي من ضروريات معركة الحرية عن هيمنة المستكبرين  والإستقلال عن إملاءات المستضعِفين.

السيد صادق الموسوي

الوسوم