بيروت | Clouds 28.7 c

يا أجيال العرب، هذا هو جمال ان كنتم لا تعرفونه/ كتب حسن صبرا

يا أجيال العرب، هذا هو جمال ان كنتم لا تعرفونه/ كتب حسن صبرا

 

*ماذا يعني ان يستمر التطاول على جمال عبدالناصر بعد 48 سنة على رحيله؟

*انحاز جمال للفقراء وقام بثورة من أجلهم.. وبعض الذين اتاح لهم التفوق بالتعليم المجاني يسخرون من هذا التعليم

*حارب جمال الاخوان المسلمين بالعلم والتنوير، ومثقفون عرب غربيون يهاجمونه لأنه حارب الاخوان

*طبيبة علم نفس جنسي اسلامية تدافع عن الاقطاع وتكره جمال لأنه انحاز الى الفقراء!!

*كان راتب جمال 200 جنيه قبل الثورة أي ما يوازي 200 ألف جنيه هذه الأيام، وما كان مصاباً بعقدة كراهية للاثرياء، بل كان ضد الاستغلال وسرقة حقوق العمال

*جمال سوى تقاعده كي يتمكن من تزويج احدى بناته

*حاكم بنك مصر يروي قصة طلب عبدالناصر قرضاً

 

كتب حسن صبرا

 

نحن لن نناقش هؤلاء الذين شحنوا جيناتهم بمرض العداء لجمال عبدالناصر، لأن علاجهم لن يكون أبداً بالحوار معهم، فهم حالات ميؤوس منها، وحلها يمكن ان يكون عند أطباء نفسيين، يتحملون هم تكاليف العلاج، كما يتحملون نتائج نفث الاحقاد التي ألِفوها، يستحضرونها من مخازن قلوبهم وعقولهم في كل مناسبة تعني الكرامة والاستقلال والعروبة والتنوير، فيشكلوا فرقة ندابين، كثيرون منهم مستأجرون للنواح والنباح وملاحقة الاشباح في صدورهم وعقولهم.

نحن نتوجه الى أجيال عديدة بعد رحيل جمال عبدالناصر وتعرضت وما تزال لأوسع عمليات تشويه ومحاولة غسل أدمغة، مع تزييف حقائق ثورة جمال، عبر كتاب يصدر كل يوم ضده، ومقالات يدلقها متخصصون بالندب مكلفون، حتى بعد ان مات مكلفوهم وقد أورثوهم المرض مرافقاً لكل منهم حتى القبر.. واسمه مرض الفوبيا ضد جمال عبدالناصر.

فيا كل شاب وشابة نشأ بعد رحيل جمال وما عرف عنه الكثير، ليس معنى تقصير العارفين بثورة جمال ومزاياه الشخصية والوطنية والقومية، بتقديم ما يعرفونه عنه، عجزاً او غباء او قلة وقت وانشغال بمسائل أخرى، ان تكتفوا بالاطلاع او بالاصغاء الى أعدائه... افعلوا كما فعل قادة حركة ((تمرد)) في مصر التي جمعت 33 مليون توقيع لارغام مندوب جماعة الاخوان المسلمين لحكم مصر محمد مرسي على الرحيل في 30 – 6 – 2013.

كان شباب ((تمرد)) كلهم في مقتبل العمر وأكبرهم سناً محمود بدر لم يتجاوز الثلاثين من عمره، وعندما سألوه في احدى المحطات الفضائية المصرية عن سر حبه لعبدالناصر وهو لم يكن قد ولد عندما رحل جمال في 28 – 9- 1970.. قال:

((لقد قرأت الكثير عن عبدالناصر.. معه وضده وصرت اتفحص الكلام الذي صدر معه وكنت أراه صحيحاً، أما الكتابات ضده فقد سقطت واحدة بعد الأخرى)).

لم يقل محمود بدر عن الكتابات التي صدرت بآلاف المقالات ضد جمال من جماعات الاخوان المسلمين والوفديين وبقايا الاقطاعيين القدامى وورثتهم والمتوحشين الجدد باسم الرأسمالية، والاسلاميين وبقايا الشيوعيين وورثتهم وقد ملأت صدورهم الاحقاد ضد شخص ونهج جمال.

نحن سنحاول ان نصحح ما حاول أعداء جمال زرعه في نفوس أجيال متعاقبة، عاشت وتعيش حالة ارباك وتشكيك وتشويه وحيرة.. والبعض منها وفيها ساقته قلة معرفته وسذاجته وضحالة ثقافته وجهله، وكسله وعدم بذل جهد للاطلاع الى تصديق ما نسج من نفسيات مريضة وحاقدة ضد جمال..

 

أولى الأكاذيب

من هذا النسج نكتب عن ان جمال قام بالثورة لأنه كان يريد ان يصبح ثرياً ومن أصحاب الملايين.

هؤلاء الذين ساقوا هذا الكلام الغبي يعلمون ان وضع جمال في الجيش كان مميزاً، وكان في طريقه العادي ليصبح لواء في الجيش، وفي هذه الحالة يحصل على رتبة الباشوية وراتب 200 جنيه في الشهر أي ما يعادل الآن نحو 200 ألف جنيه.. وهذا مبلغ جيد يوفر للانسان ان يعيش حياة رغدة فضلاً عن وجود مسكن لائق ومرافقة عسكرية حتى في سن التقاعد واحترام كبير في المجتمع.

ثم ان جمال مات وليس في رصيده كرئيس للجمهورية إلا بضع مئات من الجنيهات، وكل الهدايا التي كانت تصله كان يحولها الى خزانة الدولة المصرية.

وقد بات معلوماً ان جمال سوّى معاشه (تقاعده) كي يتمكن من الصرف على زواج احدى بناته.. ثم بات معروفاً ان مدير البنك الأهلي المصري حسن عباس زكي روى ان جمال استدعاه طالباً منه قرضاً يسدد من راتبه، وان المشير عبدالحكيم عامر غضب وحاول ان يدفع لجمال من ميزانية القوات المسلحة لكن جمال رفض وحصل على قرض صار يسدده شهرياً الى ان انتهى.

 

2- ما كان جمال فقيراً لكنه مات كذلك

 

وذهب بعض النساجين الحاقدين الى القول ان جمال انتقم من الباشوات والاقطاع وأمم أملاكهم لأنه كان فقيراً معدماً.

وهذا الأمر مردود عليه لأنه لم يكن فقيراً معدماً ولا ثأر شخصياً بينه وبين أحد، وكان جمال منحازاً الى ملايين الفقراء في عموم مصر من فلاحين وعمال وعندما قامت ثورة 1952 في 23 تموز/ يوليو كانت ثروات المجتمع المصري في كل القطاعات محصورة بنسبة 95% بيد نصف بالمئة وكانت 5% من الثروات موزعة على 5،99 % من المصريين.

كان العلم حكراً على فئات معينة كما العمل، كما كل وسائل الانتاج، وكان لشخص ان يملك 5 آلاف فدان بمن وبما عليها من بشر وما فيها من بقر او ماشية او حجر.

كان الحفاة يطلق على القسم الأعظم من المصريين، خصوصاً في الأرياف، ولم يكن في عششهم فرصة للنور اي الكهرباء او المواصلات بين قراهم، او المدارس او أي وحدة صحية.

الى هؤلاء توجه جمال في ثورته وهو يقول ان الثورة هي علم تغيير المجتمع، فإهتم بتوزيع أرض اقطاعيين على فلاحين يعملون ويموتون في الأرض وهم بالكاد يأكلون البصل والملح والعيش (الخبز) الناشف قوتاً لهم ولعيالهم، بينما الاقطاعي يملك الأرض ويأخذ انتاجها ويصرفه على ملذاته في المدن المصرية او على موائد القمار في اوروبا وما كانت هذه الأراضي حقاً له انما هي اقطاع نشأ مع عهود محمد علي والدولة العثمانية التي كانت تحتاج مجندين لاعمالها وسيطرة الدولة العثمانية على دول احتلتها ثم محمد علي باشا والجهتان كانتا تحتاجان الى مجندين للمشاركة في القتال خارج مصر، وكانتا تعجزان عن التجنيد المباشر، فتلجأ كل منهما الى اقطاع الأرض ومن عليها لنافذين كانوا يأسرون الفلاحين ويرسلونهم الى سلطة محمد علي وقبله الدولة العثمانية مقابل الحصول على الأرض، فيخسر الفلاح الأرض ويخسر حياته ويغتني الاقطاعي، وهذا ما جاء عبدالناصر لقلبه لمصلحة الفلاح.. وبهذا المعنى انحاز جمال للفلاحين.

بنى لهم المدارس، شق لهم الطرقات، أقام لهم الوحدات الصحية، وزع عليهم  الأرض الزراعية، أنشأ لهم التعاونيات وفرّ لهم التعليم المجاني والالزامي، دخلها أولادهم وخرجوا منها الى الجامعات وتخرجوا منها أطباء ومهندسين وصيادلة ودخلوا القوات المسلحة وتخرجوا ضباطاً ودخلوا كليات الصحافة والآداب والفلسفة والعلوم وهكذا نفذ عبدالناصر فكرته من خلال الثورة بأنها علم تغيير المجتمع، صار العبد سيداً، ألغيت فكرة عبيد وأسياد، تساوى الجميع أمام القانون وأصبحت قيم المجتمع معتمدة الاخلاق والعلم والنور والمعرفة، وصار التباهي بما تعلمه الانسان، فسادت تسميات المهندس والدكتور والاستاذ مكان الباشا والبيه.. وليس ذنب جمال بعد رحيله تراجع التعليم وجهل المتعلمين، وليس ذنبه ان طبيباً يهاجم التعليم المجاني وهو من دونه كان بواب عمارة او لصاً او جاهلاً.. انها عقدة النقص.. وبعضها من أثار عمليات غسل الأدمغة.

نعم انحاز جمال للفقراء، كان في مصر في مطلع عهده مصانع لا تستوعب أكثر من 300 ألف عامل، وعندما رحل الى جنة الخلد أصبح في مصر 3 ملايين عامل، أي زادت أضعاف القوى العاملة المنتجة في المصانع عشرة أضعاف بينما لم يزد عدد السكان سوى ثلث العدد (22 مليوناً عام 1952 أصبحوا 30 مليوناً عام 1970) وعندما يزداد عدد العمال عشرة أضعاف فهذا يعني زيادة المصانع عشرة أضعاف كي تستوعب هذه الاعداد الضخمة من العمال، وهم الفئة الأكثر حيوية ونشاطاً وانتاجاً، وهؤلاء شكلوا البيئة الاساسية للقطاع العام.

هذا القطاع العظيم تحمل حربين كبريين خلال ست سنوات 1967 – 1973 وما اهتزت مصر ولا نقص فيها او منها أي امر تحتاجه المجتمعات بفضل البناء الاقتصادي المتين.

 

أول خطة خمسية ناجحة

 

في عهد جمال نفذت خطة خمسية أولى 1961 – 1965 توفر فيها النمو بنسبة 7،6% وهي أعلى نسبة شهدتها أي دولة في العالم ولم تعترف الأمم المتحدة بهذا الرقم في التنمية إلا عام 1976 أي في عهد أنور السادات وكانت تهمل اصدار هذا الرقم في عصر جمال.

ما كان جمال حاقداً على الاغنياء، بل منحازاً للفقراء لذا كانت ثورته موجهة لمن يحتاجها، وقد قال بعد سنوات من الثورة لزميله علي صبري في رحلة قطار من القاهرة الى الاسكندرية وقد شاهد فلاحين حفاة: ((انا حاسس يا علي انو طالما في بلدنا حفاة اننا لسه ما عملناش حاجة)).

الذين يكرهون جمال جهلاً وخفة وكسلاً ولأسباب مصلحية يشنعون عليه حتى لا يعملوا عقلهم في حقيقة توجهه لمصلحة الناس.

في حوار مع د. هبة قطب زعمت فيه ان جمال كان يتعالى على زواره وكان يضع رجليه فوق الطاولة الفاصلة بينه وبين الزائر ويتعامل معه بغطرسة.

ضحكت من معلومات هبة التي تقدم برامج تلفزيونية، وباتت واحدة من نجوم الفضائيات وقلت لها من أين معلوماتك يا هبة  فردت ((بأنها سمعتها من احدى السيدات في نادي الجزيرة)) في مصر، فقلت لها، وهل هذه السيدة هي مصدر ثقة أكيدة حتى تصدقيها، فقالت ان هذه السيدة سمعتها من جدها..  فقلت لا بد ان جدها هذا اقطاعي حاقد على جمال.. وما قابله في حياته، لأن أحداً قبلك انت وهذه السيدة وجدها ما نقل مثل هذه الاشاعة والأكذوبة عن جمال، لأن واحدة من أعظم خصال عبدالناصر هي أخلاقه الرفيعة وتواضعه وما كان يستقبل احداً من خلف مكتبه حتى يضع رجله فوقه وكل صوره التي نشرت للعالم كله تظهره على منضدة والى يمينه ضيفه او واقفاً معه لالتقاط صورة، وما سبقك الى هذه الاشاعة أحد.

لكن هبة قطب التي تظهر انتماءً دينياً اسلامياً واضحاً لم تقتنع بردي، وكان والدها الفنان المعروف جمال قطب يحاول اقناعها بأن ما تقوله غير صحيح لكنها ظلت متمسكة بموقفها من جمال عنتاً وجهلاً بما لا تعرفه، وهي في السياسة تعارض توزيع أراضي الاقطاعيين على الفلاحين وتعتبر الأمر تعدياً على الدين، وما قبلت في أي نقاش ان الدين في أساسه عدل وإنصاف وان الدين لا يرضى الظلم، وظل اصرارها على كراهية جمال والتشنيع ضده والاسقاطات وتصديق كل اشاعة مغرضة ضده حالة تحتاج الى علاج نفسي وما عاد يفيد معها أي نقاش مثلها مثل كثيرين من الذين أشرنا اليهم في مقدمة الموضوع.

 

قالوا انه شيوعي واخواني ووفدي و..

 

ومما ينسجه الحاقدون على جمال انه انتمى الى أحزاب مختلفة ناصبها كل العداء.

قال شيوعيون ان جمال كان معهم رفيقاً.

وقال اخوان مسلمون ان جمال كان معهم أخاً.

وقال وفديون ان جمال كان وفدياً.

وقال كتبة ان جمال انتمى الى جماعة ((مصر الفتاة)) التي أسسها احمد حسين.

ولنبدأ في الرد من النقطة الأخيرة وقد سمعت مباشرة من احمد حسين وكان مقعداً على كرسي متحرك في منـزله في المنيل اوصلني اليه نجله مجدي احمد حسين وكان أول مراسل لـ ((الشراع)) في مصر (1982 – 1984).

قال لي احمد حسين انه التقى جمال عندما كان ضابطاً في الجيش وانه اطلع على مبادىء حركته، كما اطلع على غيرها، وما التزم في أي منها.

وقد رد جمال مسبقاً وفي كتابه ((فلسفة الثورة)) عام 1954 على كل هذه الترهات بقوله انه اختبر كل الحركات والجماعات، وقال في أحد تعبيراته عن حالتها ورجالها: لو انك سألت أي واحد من هؤلاء عن مشكلة المياه في هاواي لكان عنده جواب حلها.

كثيرون من الحاقدين على جمال كانوا في انتهازيتهم ضده لأنه كان قضى على جماعة الاخوان المسلمين في عهده، وكثيرون منهم اعتاشوا من أموال دول خليجية حضنت ((الاخوان)) وحقدت وتآمرت على جمال واحتضنت هؤلاء الكتبة.. وما زالت.

الغريب ان هؤلاء الكتبة ما زالوا ضد جمال، وهم يكتبون ليل نهار ضد ((الاخوان)) ودفاعاً عن بعض دول الخليج التي استفاق بعضها الى جرثومة ((الاخوان)) وصار يحرم وجودهم في بلادهم.

كان عصرجمال عصر تنوير كان العلم فيه هو المقياس وصار نجوم المجتمع المصري هم العلماء والفنانون والمثقفون وكان هؤلاء الكتبة وما زالوا يزعمون احتضانهم للتنوير لكنهم يهاجمون جمال في كل مطلع شمس.

انظروا الى نجوم اليوم انهم عمرو خالد وخالد الجندي وعمر عبدالكافي وبقية الافاقين المتاجرين بالدين اثرياء الدعوة الى الله الذين يتبعهم الغاوون الجهلة.

هؤلاء الكتبة يزعمون احتضانهم للعلم، ولكنهم ينشرون كل ما يزعمه الدينيون عن عهد جمال.

علة الأمة والعالم اليوم هي الجماعات الاسلامية التي خرجت كلها من عباءة الاخوان، ولا يسجلون للحظة ان جمال أول من حاربهم واجتث جذور أفكارهم من المجتمع المصري بالعمل والمعرفة والمسرح والكتاب والثقافة والنموذج الخلقي والمثال الحي رمزاً في الترفع والايثار.. ولا تأتي مناسبة إلا ويتكالبون فيها تطاولاً بذيئاً على جمال..

 

عبدالناصر واليمن.. والآخرون

 

يقفون اليوم مع المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية في حربهما في اليمن، يصرخون، يتباكون ويهللون.. لكنهم اذا جاءت سيرة جمال يضعون في قمة انتقاداتهم مساعدة جمال لشعب اليمن للتحرر ودخول القرن العشرين عندما قامت ثورته في 26 – 9 – 1962.

ذهب الجيش المصري الى اليمن دفاعاً عن أمن مصر، حيث عند اليمن باب المندب المتحكم بمواصلات البحر الأحمر وصولاً الى التحكم بقناة السويس وخليج العقبة.

يدافعون عن سعي السعودية لحماية أمنها من اليمن.

يتطاولون على سعي جمال لحماية أمن بلده من اليمن.

يا شباب وأجيال العصر الحالي.. لم يذهب جمال الى اليمن بحثاً عن امبراطورية مزعومة.. بل أرسل جيش مصر حماية للأمن القومي المصري كما فعل قبله محمد علي باشا.. وكما يجب ان يفعل كل حاكم لأرض الكنانة.

يا شباب وأجيال العصر الحالي.. لو بقي جيش مصر في اليمن لما تجرأت اثيوبيا على فرض شروطها لاقامة سد النهضة بحرمان مصر من جزء من حقها في مياه النيل.

لو ظلت سياسة مصر كما كانت في عصر جمال في افريقيا لوقفت كل القارة السمراء مع مصر التي علمت رجالها وحررت بلادها بدعم كل حركات التحرير ضد الاستعمار.

الانجاز العبقري الناصري في افريقيا التي حررها اهدرته سياسات أنور السادات وحسني مبارك اللذان أدارا ظهريهما لهذه القارة التي تدين لمصر بالعلم والتحرر والثقافة ونشر الدين وحمايتها الاستراتيجية وقبل ذلك لمحاولة انشاء وحدة موقف ومصير وتجمع بدل التشتت والعودة الى التبعية.

 

اما هزيمة 67؟

 

يا شباب مصر والعرب.. لا تمر ذكرى هزيمة 5 حزيران/ يونيو 1967 على يد الجيش الصهيوني، إلا ويتكالب فيها الندابون المأجورون للتطاول فيها على جمال والسخرية من سياساته.. وهم هم أنفسهم يعرفون والآن يجب ان تعرفوا ان الهزيمة العسكرية التي حصلت يوم 5 حزيران/ يونيو بدأ الرد عليها بعد 22 يوماً فقط عبر معركة رأس العش عندما أمر جمال وهو المهزوم بأن يتصدى فصيل من الجيش المصري (30 مقاتلاً) لكتيبة دبابات صهيونية (400 جندي مع دباباتهم حاولت احتلال هذه المنطقة شرق قناة السويس تصدى الفصيل المصري لدبابات اسرائيل ومنعها من التقدم وبعد 40 يوماً على الهزيمة العسكرية التي بدأت بتدمير طيران مصر، فاجأ طيران الجمهورية العربية المتحدة يوم 15 – 7 – 1967 جنود الاحتلال بغارات على احتلاله في طول سيناء.

وفي 21 ت1 / اكتوبر 1967 أي بعد 125 يوماً على الهزيمة العسكرية أغرقت زوارق الصواريخ المصرية المدمرة الصهيونية ايلات في عرض المتوسط قبالة ساحل بور سعيد.. وكل هذه الانجازات العسكرية حصلت في ظل الهزيمة.. وتحت عنوان واحد أبلغه جمال للقائد العسكري الجديد رئيس الأركان الفريق اول محمد فوزي، يوم 11 – 6 – 1967 أي بعد 24 ساعة فقط من عودة جمال عن استقالته نتيجة الهزيمة:

((يا فوزي أمامك ثلاث سنوات لرد الهزيمة وتحرير الأرض)).

يا شباب مصر والعرب: لعلها أشرف معارك العرب عبر الزمان هي معارك الجيش المصري ضد العدو الصهيوني بعد هزيمة حزيران/ يونيو 67.

الندابون يلطمون يبكون شماتة بجمال لأنه هزم.

الندالبون ينكرون في حالة مرضية جهوده لاعداد جيشه للتحرير الذي تأخر ثلاث سنوات عن موعده، بسبب رحيل جمال يوم 28/9/1970 وخوض جيش مصر الذي بناه جمال حرب ت1 /اكتوبر 1973.

اذكروا يا شباب العرب ان الجيش المصري كان مهيأ للعبور ما بين ت2/نوفمبر 1970 وأيار/مايو 1971. انظروا ما الذي حصل: كان تشرين الثاني/ نوفمبر 1970 هو ذكرى مرور 40 يوماً على رحيل جمال، وكان أيار/ مايو 1971 هو موعد انقلاب انور السادات على عصر جمال وهو الانقلاب الذي أخر معركة التحرير سنتين وخمسة أشهر.

سألنا الفريق فوزي بعد ذلك بما حصل للجيش المصري بين انقلاب السادات وحرب تشرين الثاني/ اكتوبر فقال لنا:

ظل الجيش المصري على حاله الذي تركه عليه جمال مجهزاً لحرب التحرير بينما تمكن الجيش الصهيوني من زيادة قدراته خلال هذه السنوات.

كل جيوش العالم هزمت وانتصرت والندابون الحاقدون يقرأون وينظّرون لذلك.. إلا عندما يأتي ذكر هزيمة حزيران/ يونيو 67 فانهم يقلبونها شماتة بجمال، ولا يسجلون له أنه بدأ الاعداد لرد العدوان بعد 24 ساعة من الهزيمة.

يا أجيال العرب.. هذا غيض من فيض عن بطل مصر والعرب الذي ما يزال يتعرض للتطاول حتى اليوم والغد لأن جمال شجرة مثمرة ولا يقذفها بالطوب والحجر إلا كل قزم عاجز عن الوصول اليها.

 

 

حوار مع اخواني

عام 2012  وقبل انتخابات الرئاسة المصرية كنت متوجهاً الى أحد فنادق الجيزة، ركبت سيارة أجرة، وكعادتي فتحت حواراً مع سائقها، ليتبين لي كراهيته لجمال عبدالناصر.

سألته هل انت اخواني فأجاب نعم، قلت له انني مع حق الاخوان بالوصول الى الرئاسة، واتمنى لهم النجاح لانقاذ مصر اقتصادياً واجتماعياً وخلقياً، لكن هناك شرطاً عليهم وهو ان يتقنوا ادارة أمور البلاد بالديموقراطية وأولها تداول السلطة، أي ان يجروا فيما بعد انتخابات نظيفة نزيهة تحدد نتائجها الجهة التي تحكم وبالديموقراطية أيضاً.

قال لي ان جمال هو الذي خرب مصر.

سألته هل تعلم عدد سكان مصر عام 1952 عندما قامت الثورة؟

قال: لا.. قلت له 22 مليون نسمة.

سألته هل تعلم عدد العمال في مصر أيامها، قال: لا، قلت له: 300 ألف عامل.

سألته هل تعلم عدد عمال مصر عندما رحل جمال عام 1970. قال لا، قلت له 3 ملايين عامل، وهذا يعني ان سكان مصر زادوا من 52 الى 1970 ثلث العدد، اما العمال فقد زادت اضعافهم عشر مرات.. وهل تعمل هذه الملايين الثلاثة في الشارع.. رد: لا، اذن هناك مصانع انشئت لاستيعاب هذه الملايين الثلاثة.

قلت له هل تعلم ان مصر استطاعت الاستغناء عن 90% من مستورداتها من الخارج بعد ان اصبحت تصنع من ابرة بابور الغاز الى الصاروخ.

هل تعلم ان مصر والهند انتجتا عام 1961 طائرة عسكرية وصفتها استخبارات المانيا الغربية يومها بأنها من أخطر الطائرات العسكرية في ستينيات القرن الماضي وان مصر صنعت الموتور بينما صنعت الهند هيكلها؟

قلت له وقد اصبحنا في منتصف الطريق بين المهندسين والجيزة: هل تعلم ان ريف مصر لم يعرف طبيباً ولا وحدة صحية ولا مياهاً نظيفة ولا نوراً (كهرباء) وانها كلها انجزت في عصر عبدالناصر.. وان 5 ملايين فلاح مصري كانوا عبيداً في أرضهم التي سرقها الاقطاع وقد حصل كل فلاح منهم على قطعة أرض تمكنه من العيش الكريم، وأصبح بإمكانه أكل اللحمة والدجاج.. بعد ان كان قوت يومه بصلاً وملحاً وعيشاً (خبزاً) لا يؤكل؟

استطردت في الحديث والله يشهد انه كان يصغي باهتمام شديد.. وبعد ان عرفت اسمه بسؤالي له صرت أناديه به وهو عبدالرحمان: يا أخ عبدالرحمان: لعلك سمعت التطاول على جمال بأنه قامر بتأميم قناة السويس وانه سبب احتلال سيناء عام 1956 وجلب الخراب الى مصر، وان عقد تأجير القناة للانكليز والفرنسيين كان سينتهي عام 1969، اي انها كانت ستعود الى مصر بعد  13 سنة من تأميمها وما كان من حاجة للتأميم رد بالايجاب فقلت له: اذا كانت انكلترا وفرنسا ستعيدان القناة بعد 13 سنة، فلماذا اذن شنتا حرباً ثلاثية مع اسرائيل لاعادة احتلالها..

ثم هل تعلم يا عبدالرحمان ان الانكليز وعبر وثائقهم كانوا أعدوا خرائط تظهر مشروعاً جدياً لتوسعة القناة.. وهل الذي يريد صرف ملايين الدولارات على مشروع كهذا يمكن ان يعيده الى أصحابه بعد 13 سنة.

هل تعلم كم كان دخل قناة السويس يومها؟ رد بالنفي قلت كان يتجاوز الـ 50 مليون جنيه، وكانوا يعطون خزانة مصر منها 4 ملايين جنيه هل هذا عدل.. أليس من حق مصر ان تسترد مرفقاً سقط فيه آلاف القتلى والجرحى ومات بسببه آلاف من ضربة الشمس وصقيع الصحراء..

كنا وصلنا الفندق، فإذا بعبدالرحمان الاخواني يطلب مني بأدب شديد ان اعطيه رقم هاتفي لأنه يريد ان يرجع لي في بعض الحقائق التي أوردتها- وكلمة حقائق له وليست من عندي – قلت له لا بل اعطني انت رقم هاتفك.. أخذت رقم هاتفه افترقنا على أمل التواصل.

 

 

يا شباب الجيل

هكذا تردون على هاتين الاكذوبتين

 

 

انتظرناهم من الشرق فجاؤوا من الغرب

الندابون الذين يظنون أنفسهم منتصرين حين يتشدقون سخرية بعبارة أطلقها جمال عبدالناصر بعد النكسة ومضمونها: انتظرناهم من الشرق فجاؤوا من الغرب، باتوا يعرفون الحقيقة، ولم يعد هناك مجال للسخرية إلا حقداً وكراهية.

نعم.

قال جمال هذه العبارة.. ولم يضف عليها حرفاً، فسخر الندابون وما زالوا منها.. ليقولوا ان جمال أراد ان يرمي الخطأ على الغرب بأنه شارك في دعم اسرائيل مباشرة خلال عدوان حزيران/يونيو 1967.. وهات يا سخرية.

أين الحقيقة؟

جاء الخبر اليقين بعد 30 سنة من حصول الهزيمة، بعد ان كشفت الوثائق البريطانية التي لا يسمح بكشفها إلا بعد مرور 30 سنة، ان الطائرات البريطانية (والاميركية) طارت من قواعدها في قبرص (قاعدة اكروتيري) وطبرق (ليبيا) وكريت (في جنوب اليونان) لتغطي سماء فلسطين المحتلة (اسرائيل) بعد ان أرسل العدو الصهيوني المئات من طائراته لتغير على مطارات مصر وسورية لتدمر الطيران العربي فيهما.

خلت سماء فلسطين من الطيران الاسرائيلي المغير على مصر وسورية فسارعت بريطانيا وأميركا لتشكل مظلة جوية فوقها خشية قيام طيران مصر او سورية بالاغارة رداً على عدوان اسرائيل.

نشرت هذه المعلومات عام 1997 في مجلة ((المصور)) المصرية التي كان يرأس تحريرها الكاتب الصحافي مكرم محمد احمد وكان يومها نقيباً للصحافيين المصريين.

اذن.

انتظرناهم من الشرق فجاؤوا من الشرق ومن الغرب أيضاً.. انها الحقيقة التي لا يريد الندابون الالتفات اليها.

 

يا أهلاً بالمعارك

الندابون أنفسهم يسخرون من عبارة ((يا اهلاً بالمعارك)) ويقفون عند أغنية عبدالحليم حافظ التي كتبها صلاح جاهين ولحنها كمال الطويل، التي تحمل الاسم نفسه..

هؤلاء الندابون يقولون ان هذه الكلمات تدل على ان جمال كان يعد للحرب ضد اسرائيل، خصوصاً ان الاغنية خرجت عام 1966 أي قبل عام من الهزيمة عام 1967، وانها عندما أتت الحرب هزم جمال فصارت السخرية واسعة منه ومن هذه الكلمات كأغنية.

 

ما هي الحقيقة؟

عام 1965 نجحت أول خطة خمسية مصرية للاقتصاد والانتاج، أنشأ جمال تنظيم طليعة الاشتراكيين، وأراد التفرغ له، لتنظيم القوى الثورية المصرية وجعلها قادرة على حماية المكتسبات الاجتماعية، وتثوير المجتمع المصري، قال امام اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي انه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية ثانية للتفرغ لبناء التنظيم، رفض كل أعضائها قبول هذه الفكرة من أساسها، فقال لهم ان أمامنا معارك لا حدود لها في مجال الانتاج والتثقيف والتنظيم، وعلى المجتمع وقواه الثورية ان تستعد لحمل العبء في المرحلة المقبلة.

نذكر يومها ان الكاتب الصحافي المصري الكبير كامل زهيري قال: لم اخف على الثورة طيلة ما مضى إلا عام 1965 بسبب التحديات التي كانت مصر تواجهها، خصوصاً مع بدء الحصار الاقتصادي الاميركي على مصر، حتى ان البلد ما كانت تملك يومها من مخزون القمح إلا ما يكفي لـ 15 يوماً، فاستنجد عبدالناصر بالسوفيات الذين كانوا يعانون من مشكلة قمح بسبب الثلوج، وكانوا يستوردون قمحاً من كندا، فحولوا بواخر تحمل القمح الكندي المستورد من كندا الى مرفأ الاسكندرية ليفرغ حمولة القمح في اهراءاتها.

الاتحاد الاشتراكي العربي رشح جمال لفترة رئاسية جديدة، رضخ جمال لها، وقام بجولات انتخابية في أرجاء عديدة في مصر، قائلاً للمصريين ان أمامنا معارك عديدة في الانتاج وفي الثقافة وفي التنظيم.. وانه لا خيار أمامنا إلا خوض هذه المعارك.. يا اهلاً بالمعارك.

اخذ صلاح جاهين هذه الكلمة، بنى عليها قصيدة شعرية لحنها كمال الطويل وغناها عبدالحليم..

هذه هي الحقيقة.

 

الوسوم